الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناقض الداخلي في حكم المرتد

هيبت بافي حلبجة

2013 / 6 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التناقض الداخلي في حكم المرتد
هيبت بافي حلبجة
لسنا بصدد تقييم مبدأ أقرار حكم المرتد ، ولا محاولة وضعه في السياق التاريخي لمحتوى مفهوم الوحي ، ولا تصورمجافاته لأهم مبادىء الحرية الشخصية اللصيقة بالتكوين البنيوي لوعي الفرد ، ولا أبراز السلطة المستبدة في أقصاء مصداقية الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية ، ولا تبيين العلاقة الجامدة والخاملة والمائتة ما بين هكذا حكم وأساسه الشرعي وما بين قوة العلوم التي تتطور والتي تسحب الإنسان بالضرورة إلى مواقعها في تكوين آراء ومعتقدات متقدمة ومنسجمة مع أصولها .
كما أننا لسنا بخصوص آراء الفقهاء الذين رجحوا عقوبة حكم المرتد على درجات مختلفة ، و آراء الفقهاء الذين عارضوا تلك العقوبة وعلى درجات مختلفة أيضاً .
إنما نحن بصدد أبراز حجم التناقض الفعلي والقاتل ما بين مفهوم القرآن الكريم كنص مدون لمحتوى مقولة المرتد ، ومابين رؤية الرسول ( صلعم ) له من خلال حديثين نبويين شريفين .
قبل ذلك لامندوحة من تعريف مفهوم الردة و أبراز شروط الأرتداد الفعلية :
التعريف المبسط : هو الكفر بالإسلام ( بالله أو برسوله ، أو كليهما ) بعد النطق بالشهادتين .
شروط الأرتداد : أولاً : ينبغي على الشخص ( المولود مسلماً ، أو الداخل في الإسلام ) أن يكون ناطقاً للشهادتين تماماً ، أشهد إن لا إله إلا الله وإن محمداً رسول الله .
ثانياً : أن يتمتع الشخص بكامل الأهلية القانونية والعقلية عند النطق بالشهادتين ، وكذلك عند الأرتداد ، وأي خلل في هذه الجوانب الأربعة يسقط مدلول الردة .
ثالثاً : الكفر بالله ، أو برسوله ، أو بكليهما .
لننتقل الآن إلى موضوعة الردة في الأحاديث النبوية الشريفة ، ومن ثم في القرآن الكريم :
أولاً في الحديث الشريف : عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورواه البخاري في صحيحه وكذلك مسلم في صحيحه وغيرهم : من بدل دينه فأقتلوه ، ولا تعذبوه بعذاب الله .
وعن صحيح البخاري وغيره : لايحل دم أمرىء مسلم شهد إن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والمارق من الدين التارك للجماعة .
ثانياً في القرآن الكريم : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وأخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيه خالدون . البقرة الآية217 .
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم . المائدة الآية 54 .
كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا إن الرسول حق وجاءهم البينات والله لايهدي القوم الظالمين . آل عمران الآية 86 .
التحليل : في القرآن الكريم وفي الآية الأولى : ومن يرتد منكم عن دينه .. فيمت .. وهو كافر .. فأولئك حبطت أعمالهم .. في الجملة الأولى موضوع الأرتداد عن الإسلام أي الحدث ، في الجملة الثانية القفز مباشرة إلى نهاية المرحلة الزمنية لعمر الشخص أي الموت ، في الجملة الثالثة التأكيد على بقاء الشخص على أرتداده حتى أثناء الموت أي كفره بالله او بالرسول أو كليهما إلى ما بعد الموت ، وفي الجملة الرابعة محتوى العقوبة ...
ماذا يعني ذلك ؟ لنقدم مثالاً تطبيقياً ، شاب في مقتبل العمر ، عمره 20 عاماً ، أرتد عن الإسلام ( الجملة الأولى ) ، ينتظر رب العالمين عملية أرتداده عن أرتداده مادام حياُ ولا يعاقبه ، فإذا كان عمره الإجمالي سبعين عاماً فسوف يصطبر رب العالمين عليه خمسين عاماُ عسى إن يرتد عن أرتداده ( الجملة الثانية ) ، فإذا ما توفي الشخص لأي سبب كان ( أي أنتهت حاله ) ومكث على قناعته ( الجملة الثالثة ) ، فإن الله ينتقل إلى مرحلة العقوبة ( الجملة الرابعة ) .
وفي الآية الثانية : لايتباين لب الموضوع في هذه الآية عن ذلك الذي في الآية الأولى ، فالمخاطبة بياأيها الذين آمنوا تعني الأنتقال من مرحلة الكفر ( المرحلة العامة ، مرحلة عدم معرفة الله ورسوله ) ، إلى مرحلة الإيمان ، ومن ثم مرحلة الإرتداد ، والعود على البدء المستقر الثابت أي أكتمال الدائرة وتحقق الأستمرارية التامة في المرحلة الثالثة لذلك ينتقل رب العالمين مباشرة إلى مرحلة العقوبة ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ...) .
وفي الآية الثالثة : يتطابق محتوى الأرتداد تماماُ مع الآيات السابقة ، وعندما يبدأ رب العالمين بالعقوبة مباشرة فلوجود خصوصية معينة حول أساس هذا المفهوم وهي الدعوة الصريحة من رب العالمين إلى الإيمان بالله وكافة رسله وبيان مدى العقوبة لمن يرتد بعد الإيمان ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على أبراهيم وأسماعيل وأسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) . آل عمران الآية 84 .
التحليل في الحديث : في الحديثين الشريفين ( من بدل دينه فأقتلوه .. ) ( لايحل دم .. إلا ... المارق من الدين ) أقرار صريح وواضح وبات بقتل الشخص المرتد ، سواء في أمهاله ثلاثة أيام من عدمها ، فالأمر لايغير من مبدأ الإقرار شيئاً .
وهذا الأعدام للشخص يختلف كلياُ عن مفهوم العقوبة ( العقوبات الأخرى ) ، سواء كانت دنيوية أم آخروية ، لأنه ينهي حال الشخص الذي لايستطيع بعد ذلك ( الموت ) إن يبدل رأيه أو يرتد عن أرتداده ، في حين إن العقوبة ، سيما العقوبة الإلهية في الآيات الثلاثة السابقة ، هي مفهوم الجزاء الذي لايلغي مضمون الأستمرارية التي تتضمن كافة الإحتمالات المستقبلية .
ما هو حجم التناقض :
أولاً : من حيث طبيعة مفهوم الأرتداد ، ففي ذهنية الحديث الشريف الإرتداد نفسه فعل أجرامي خاص ، كقتل النفس ، كالقذف ، كالزنا ، ( من بدل .. فأقتلوه )، ( لايحل دم .. إلا .. المارق ) ، وفي ذهنية القرآن الكريم الإرتداد حدث عام ترتبط آثاره العقابية بالزمن المتبقي من عمر المرتد .
ثانياً : على صعيد طبيعة الأختصاص في السياسة الجنائية الإسلامية ، ثمة تناقض صارخ ، فالحديث الشريف يقرر عقوبة أقسى وأشد وأعظم ( القتل ) من العقوبة التي يقررها القرآن الكريم ( أولئك حبطت أعمالهم ،، كيف يهدي .. فسوف يأتي الله ) .
ثالثاُ : إن ما سيأتي هو أهم نقطة حرجة في الموضوع والذي من أجله أصلاُ كتبنا هذا البحث ، وهو يدور حول المحور التالي : إن الحديث الشريف لايفرض فقط عقوبة مزدوجة إنما يحرم المرتد من حق أحله رب العالمين له ، ذلك الحق الذي قد ينقذ المرتد من ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ، لنوضح ذلك ، تذكروا المثال الذي ضربناه عمداُ وقلنا آنئذ إن رب العالمين يصطبر على المرتد خمسون عاماُ كي يرتد عن أرتداده ، فإذا ما مات اصبح من أصحاب النار هم فيها خالدون ، لكن الحديث الشريف بتنفيذه حكم القتل مباشرة ، فإنه لايقتله فقط ، إنما يحرمه من حقه الطبيعي في العودة من الإرتداد لمدة خمسين عاماُ ، وبالتالي وهذا أبشع ما في القضية فإن الحديث يفرض على المرتد فرضاً عقوبة إلهية في الآخرة شديدة القساوة كان يمكن أن يتفاداها لو أنه في إحدى لحظات حياته أرتد عن أرتداده .
أي إن الحديث الشريف يفرض على المرتد عقوبة القتل ، إضافة إلى حرمانه من حق إلهي ، إضافة إلى جعله بالضرورة من أصحاب النار هو فيها من الخالدين ، وهنا نقدم دليلاُ جديداُ من القرآن نفسه أثرنا إن نكشف عنه في نهاية هذا المقال : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم أزدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاُ . النساء الآية 137 .
فلو إن القرآن الكريم أراد أن يفرض عقوبة القتل على المرتد كما فعل الحديث الشريف لما أكد على القول السابق ، الإيمان ، الأرتداد ، ثم الإيمان ، ثم الأرتداد ، ثم زيادة وأمعان في الكفر ، وماذا كانت النتيجة : لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاُ ، وهذه هي رحمة رب العالمين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 6 / 7 - 20:40 )
نجد الكثير من الكُتّاب و المعلقين يناقشون حكم (الرده)!... و ينادون بأن الإنسان أعظم من قتله لأجل فكره بشريّه أو سماويّه (إلهيّه)! .
السؤال : هل هم صادقين في قضيّة الحريّه الإنسانيّه؟ .
لا أتوقع أنهم صادقين , و سأبرهن ذلك بالدليل و المنطق .
يوجد في جميع الدول , سوى الدول الأولى أو الناميّه ؛ قانون عالمي , هذا القانون , هو : قانون : (الخيانه العظمى) .
هذا القانون يحق له قتل الإنسان!... و لا يسئل القانون أو فاعل القانون عن هذا الجرم!... حسناً , أليس (الخيانه العظمى) فكر بشري؟... السؤال : كيف تكون الفكره البشريّه (الخيانه العظمى) فوق مستوى الأنسان , لكي يقتل الإنسان بها؟ .
المشكله , يناقشون حكم (الرده) و يتباكون على الدماء و الأنفس البشريّه!... بينما يقتلون ملايين البشر ؛ لأجل فكره غبيّه ؛ تًسمى (الخيانه العظمى)! .


2 - لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع عقد على عاتقه
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2013 / 6 / 8 - 05:27 )
الاخ بعد التحية: انت استشهدت بالقرآن حول عقوبة الردة وبرهنت ان ليس هناك عقاب للمرتد وفي الوقت ذاته استشهدت بحديث يناقض القرآن وقلت انه شريف فهل حديث يناقض القرآن حديث شريف؟؟.اخي الكريم ان 95 من الاحاديث التي دونت في كتب الحديث احاديث غير شريفة لان رائحة السياسة العفنة تنبعث منها لانها كتبت في البلاط الاموي (الامويون الاذكياء) المحاربين للاسلام ونبيه. ولكن لا عتب لان الغقول المغيبة من المسلمين لا ترى الا الى ادنى انفها والا هل من المعقول ان صحابة مبشرين بالجنة يتقاتلون والقاتل والمقتول في الجنة؟؟.اليس هذا تناقضا؟؟.اخي الكريم ان الاسلام برمته هو لعبة سياسية استفاد منها الاقوياء باستعبادهم الضعفاء باسم السماء ولا زلنا نحن الضعفاء نعاني آثارها.انظر الى بلاد الحرمين مهد الاسلام وما يعانبه شعبها من اذلال وعبودية لـ عائلة محتلة تنعم بالقصور والغانيات وفي الوقت ذاته هم ظل الله وهم حماة الحرم وهم عملاء للصهيونية والامبرالية وحاملي راية التوحيد (الامريكي). لا خلاص للامة المنكوية الا بجعل الدين في محله الصحيح وهو الجامع والايمان مسالة شخصية ومن اراد ان يرتد فليرتد ومن اراد ان يسجد لفقبه فليسجد.


3 - السيد الكاتب المحترم
ناظم مراد ( 2013 / 6 / 8 - 09:01 )

--يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم - لفد ارتد كثير من المسلمين عن الاسلام لغاية يومنا هذا ولحد الان لم يصل القوم (لانعلم القوم من سكنه السماء ام الارض ) وعلى الاكثر هم غير مسلمين --------والسلام

اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس