الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ بامية

رفعت السعيد

2013 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أعتذر للقارئ مسبقاً عن هذا العنوان، لكنه أتى هكذا فى تاريخ الواقعة، التى تتكرر الآن. وأعتذر ثانية، لأننى أقطع سلسة بدأتها بعنوان «دليل الحيارى فى أحوال ملة النصارى». فإذا كان عشق التاريخ غالباً ومتغلباً فإنه يفرض ذاته فى أحيان كثيرة على الكاتب، وعلم التاريخ يستحق العشق فهو يرتحل بك إلى دروس الماضى، وهى دروس ممتعة بقدر ما تعينك على المقارنة مع الحاضر، وعلى توقع المستقبل، لكنهم يؤكدون أن التاريخ لا يعيد نفسه، وهذا صحيح، وإنما يمكن كما قال المؤرخون أن يتحقق فى أول الأمر فى صورة دراما، ثم يعيد نفسه فى صورة مهزلة، وها نحن فى أحوالنا البائسة اليائسة الراهنة نعيش حالة استعادة الدراما فى صورة مهزلة، وأصل الحكاية أنه فى عام 1950 وفى ظل حكومة النحاس باشا استشاط الملك فاروق غضباً من الصحافة، ومن هجومها العاصف عليه، وعلى أسرته فطلب من النحاس إصدار قانون جديد يقيد حرية الصحافة وأداء الصحفيين، ويفرض عليهم الانصياع.

النحاس رفض، وظل يؤكد للملك فى خطبه أن سلطة الصحافة لا تمس، وأن الصحفيين مستقلون فى أداء رسالتهم، وأنه لا سلطان عليهم من خارجهم، لكن الملك لا يريد لأى سلطة أن تحقق ذاتها، ولم يكن ليسمح لأى جماعة بأن تمارس حقوقها وسلطاتها، التى يفرضها القانون والدستور، وبحث رجال الملك عن مخرج فأتوا بمحام نصف مغمور، وهو فى الوقت نفسه عضو بالبرلمان هو «أسطفان باسيلى» ليفاجئ الحكومة بتقديم مشروع قانون، ليقيد سلطة الصحافة، وسلطة الصحفيين فى قول أو فعل ما يرون أنه يحقق القانون والدستور، ولا شىء سوى القانون والدستور، حتى ولو أتى الأمر على غير هوى الحاكم، وانفجر مشروع القانون فى وجه كل القوى الوطنية، وارتفع صوت الصحافة بمعارضة قانون يسلب سلطة قانونية ودستورية لحساب حكم فاسد وفاشل، وانهالت الصحافة هجوماً على مقدم القانون، وسمته أسطفان بامية، وسموا القانون «قانون بامية»، وتحرك الرأى العام بأكمله مستخدماً كل ذخيرته فى كراهية الحاكم المصمم على تحدى كل السلطات ليحمى سلطته، وامتلأت شوارع المدن بمظاهرات تهتف ضد القانون وصاحبه، لكن جلد صاحب القانون كان سميكاً فهو لا يهتم إلا برضاء الحاكم، ويتمنى ما ينعم به الحاكم عليه بما لا يستحق من سلطان.

ومضى البرلمان فى مناقشة القانون رغم معارضة الشعب والصحافة، ورغم أن أصحاب الشأن، والذين يمس القانون سلطاتهم، التى كفلها لهم القانون والدستور وحقوق الإنسان قد أعلنوا رفضهم، وهددوا بالإضراب والاعتصام، لكن صاحب الجلد السميك، الذى أعلى مصلحته على مصالح الوطن ظل مكابراً، ولأن جلده سميك، والمصلحة الذاتية تهيمن عليه فقد أمعن فى عناده لإثبات ولائه، وخضوعه للحاكم، وقرر تحدى الجميع، وأعلن عن عقد ندوة فى نقابة المحامين، ليشرح فيها لماذا يتمسك بالقانون، وباستمرار مناقشته رغم أنف الجميع، وامتلأت قاعة النقابة بحضور لم تشهده النقابة من قبل، وابتهج صاحب المشروع، وتصور أن الحشد جاء ليستمع لوجهة نظره، وربما ليسانده فقد كان كعادة المنافقين غارقاً فى وهم أصحاب السلطان، وأنه سينال قطعاً بعض سلطان، ولكن ما إن دخل إلى القاعة حتى انفجر الحضور صارخين «بامية.. بامية» وظلوا يرددونها كهدير رعد مكبوت حتى أجبروه على مغادرة القاعة، ثم تحولت الندوة على يدى آخرين إلى إدانة الأستاذ بامية، وكالعادة انتصر الشعب، وعاد لأصحاب الحق حقهم وهيبتهم، وكامل سلطتهم، ويذكر التاريخ المعركة.. ويذكر «قانون بامية»، ويعلمنا أنه قد يعاد فى صورة مهزلة، وقد كان، لكنه يعلمنا أيضاً أن الشعب أقوى، وأن المستقبل لا يمنح أعداء الحرية والدستور والقانون سوى عار الزمان وسبة الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دولة اللادولة
Amir Baky ( 2013 / 6 / 8 - 06:50 )
فى زمن الملك كانت هناك حرية صحافة. كان هناك حكومة غير خاضعة للملك. كان هناك برلمان. الآن نحن أمام سلطة إستبدادية هى الحكومة و هى البرلمان فمتى نقول عود يا زمان

اخر الافلام

.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_


.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال




.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس


.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال




.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا