الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتراف واعتذار

داود روفائيل خشبة

2013 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ليعذرنى القارئ إذ أبيح لنفسى أن أشغله بهذا الحديث الشخصى، لكنى أحسب أن حديثى لن يخلو من مغزى يتجاوز الشأن الشخصى. يتعلق حديثى بأمرين متباعدين إلا أن بينهما عامل مشترك.
الأمر الأول: لم أكن قد تابعت فى حينه ما سمِّى بالمؤتمر أو الحوار الوطنى حول قضية السدّ الإثيوبى الذى يجرى العمل على إنشائه عند منابع النيل الأزرق. لم أتابع المؤتمر أو الحوار فى حينه لأن وقتى أكثر شحًّا من أن أنفق بعضه فيما أعلم أنى لست مؤهّلا للخوض فيه. وكنت أتصوّر أن يقدّم الحاضرون بعض الآراء والاقتراحات، يستمع إليها الرئيس مرسى ثم يمضى كعادته فيما هو ماض فيه وكأنه لم يسمع شيئا. ثم كان لا مفرّ من أن أسمع وأن أقرأ بعض ما أثير حول ملابسات وطريقة إدارة وإجراء ذلك الحوار. ثم أتيح لى أن أستمع لنبذات وفقرات مما دار وجرى. وجدتنى غير قادر على أن أستوعب الصدمة. كيف يمكن لأشخاص تلقوا حظا من التعليم (ولا أذكر الثقافة لأنها أقدس من أن تمرّغ فى هذا الرغام)، وأبيحَ لهم أو أباحوا لأنفسهم أن ينخرطوا فى مجال العمل العام — كيف يمكن لهؤلاء أن يستبدّ بهم ذلك الجهل الذى هو أفدح الجهل: أن يجهل الإنسان أنه يجهل، كما علـّمنا سقراط؟ كيف يتكلم شخص بكل الثقة واليقين والعنجهية فى أمور لو ساءلته فى أبسط مبادئها الأولى لوجدته لا يفقه شيئا؟ هذا ليس خطأ فرد أو أفراد، هذا عيب مجتمع جاهلى ضاعت فيه معايير ما يصحّ وما لا يصحّ. بئس ما صرنا إليه وبئس ما أوصلتنا إليه تربيتنا ونظمنا التعليمية التى تحشو أدمغتنا بما يخنق فينا كل إدراك وكل قدرة على التفكير.
الأمر الثانى: كنت قد شرعت فى سلسلة مقالات فى لغة القرآن، وكنت أتصوّر أنى سأجد فى نصوص القرآن ما يساعدنا على تتبّع أولى خطوات تطوّر النثر الأدبى فى اللغة العربية وعلى كشف ما كان ينقص اللغة العربية فى تلك المرحلة من أدوات التعبير عن الفكر المتـّسق، تلك الأدوات التى اكتسبت اللغة العربية بعضها فى وقت لاحق بالاحتكاك بحضارات أرقى وبلغات أكثر تطوّرا، والتى لا تزال لغتنا فى حاجة لاكتساب المزيد منها حتى تكون قادرة على استيعاب مفاهيم أبدعها العقل الإنسانى على امتداد قرون، وحتى تكون قادرة على اكتساب أساليب فى التفكير تقوم عليها حضارة الإنسان فى عصرنا هذا. وكنت أتوقع أن أبيّن أن عيوب أساليب القرآن لا يلام عليها واضع القرآن، بل هى من لوازم المرحلة التى وُضِع فيها القرآن، فإن من أهم ما أحرص عليه العمل على أن تكون مقاربتنا لدراسة القرآن وكتب الأديان عامة مقاربة عقلانية موضوعية. وكنت أتصوّر أنى أستطيع أن أتبيّن مجموعة أولى من قصار السور ذات طبيعة عفويّة، تتميّز بالإيقاع وانتظام القافية، ويكاد أن يكون هذا هو كل مضمونها وفحواها، تليها مجموعة أخرى من السور يحاول فيها النبى أن يوصل رسالته أو نذيره إلى قومه، وليس فيها الكثير من المضمون العقائدى، وتأتى بعد ذلك سور القصص التى تختلف كثيرا عما سبقها ومن المستبعد أن تكون قد جاءت من نفس المصدر. كل ذلك فى حدود السور المكية، أما السور المدنية فلها شأن آخر.
عندما حاولت أن أمضى قدما فيما شرعت فيه فوجئت (رغم أنى قبل ذلك كنت قد قرأت المصحف كاملا ما لا يقل عن خمس مرات عدا القراءة المفرّقة والاستماع للتلاوة فى مختلف المناسبات والأوقات) فوجئت بأن الارتباك والخلط فى سور القرآن يفوق كثيرا ما كنت أتصوّر. فالذين جمعوا المصحف – ماذا أقول؟ – لم يكونوا أكثر كفاءة من جهابذتنا الذين تبرّعوا بنصائحهم الغالية لرئاستنا الغافلة. لم يحاول أو لم يستطع جامعو المصحف أن يوجدوا حدًّا أدنى من التناسق داخل السور وأحيانا حتى داخل الآية الواحدة، ولا أن يراعوا التسلسل الزمنى فى رواية الحكاية الواحدة، باستثناء السور – مثل سورة يوسف – التى يجهر أسلوبها بأنها جاءت من مصدر غير المصدر الذى جاءت منه أخواتها. والأمثلة على ذلك الارتباك والتشوّش أكثر من أن تحصى، ويستطيع أن يتبيّنها أى قارئ يتحلـّى بأقل قدر من الموضوعية. ولم تعد المسألة التى تقلقنى وتحيّرنى هى كيف أمكن لجامعى القرآن أن يرضوا لأنفسهم بهذا الأداء الركيك، بل عاد يلحّ علىّ سؤال طالما أصاب عقلى بالدوار: كيف يمكن لأشخاص نالوا قدرا من التعليم، ولأشخاص يُظهرون فى مجالات عملهم قدرة على إعمال العقل — كيف يمكن لهؤلاء أن يقرأوا القرآن فلا يصدمهم ويوقظم من سبات ما لقـّنوهم؟
أنا أقرأ التوراة فيصدمنى بل يستفزّنى ما أجده فى بعضها من قساوة ومن ظلم ومن عصبيّة إسرائيلية مقيتة، لكنى أجد فى أسفارها نصوصا تـُقرأ وتـُفهم مثلما تـُقرأ وتـُفهم الكتب والصحف التى تخرجها دور النشر المعاصرة، جيّدها ورديئها. وأقرأ أسفار العهد الجديد الذى تعتمده الكنائس المسيحية، فأجد فيها بعض ما أرفض وبعض ما أستنكر، وأجد فيها أساليب مختلفة بعضها بديع وبعضها ضعيف، وأجد فيها فقرات وشذرات أعدّها بعضا من تراث الثقافة الإنسانية، مع رفضى لكل ما أضافته الكنيسة من معتقدات وتأويلات. لكن ما يعنينى فى سياق موضوعنا الحالى أن أسفار العهد الجديد كتب مثل الكثير من الكتب التى نقرأها فنعجب ببعضها ونستنكر بعضها. وليس هكذا القرآن. القرآن – بصرف النظر عن المضمون العقائدى – ليس كتابا: هو فى أكثره أخلاط غير متـّسقة، فى كثير من فقراته وآياته تبحث عبثا عن أى معنى، وكثير من آياته ونصوصه ابتسروا له معنى لا يمكن لأى عاقل أن يتبيّنه فى كلمات النص. كل هذا ربما أعود إليه فى وقت آخر، لكن ما دفعنى لما أصرخ به الآن هو: كيف، كيف، كيف يمكن لأشخاص نحترمهم ونحترم ما يُظهرون من عقل فى مسارات الحياة أن يظلوا أسرى وهم أو خديعة أن القرآن نص إلهى مقدّس؟
لا يضيرنى، بل أحبّ، أن نأخذ من القرآن ما قد نجده فيه من إيجابيات، لكن الاعتقاد بقدسية نصوص القرآن عقبة إن لم نتجاوزها فلن نستطيع أبدا أن نلحق بركب الحضارة الإنسانية.
إننى حزين، حزين، حزين على غيبة الوعى وعلى استكانة العقل للوهم وللخداع والأكاذيب فى ديارنا.
القاهرة، 8 يونية 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما قد نجده فيه من إيجابيات
هانى شاكر ( 2013 / 6 / 8 - 15:19 )


أنهى إسلام بألذمة
نمشى وراه ونعيش

وصفة عيشه ؟ قرآن خيشه ؟
ولا .. رضاع ألدراويش ؟

...


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 6 / 8 - 20:32 )
نتمنى أن تقرأ هذا الموضوع و تستفيد , الرابط :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?53062-انتفاء-الرابط-بين-القانون-الطبيعي-والمعجزة


3 - سورة العلمانية
بلبل عبد النهد ( 2013 / 7 / 5 - 15:13 )
الحمد للعلمانية التي جعلت الناس سوى سية لا فرق بين سكان المدن والبادية ولا بين ملحد ومتدين حليق أو ذقنه لاحية ولا تقف حجر عثرة في وجه الاشتراكية ولا تكيد كيدا للرأسمالية إنها العلمانية وما أدراك ما العلمانية صنعتها العقول الداهية وجعلت منها سببا من أسباب التقدم والرفاهية والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات في الآخرة وفي هذه الدار الفانية فمن امن بها فهو في عيشة راضية ومن كفر بها فأمه هاوية لايدخل جنة ولا نار حامية


4 - القران
بلبل عبد النهد ( 2013 / 7 / 5 - 15:16 )
اذا كان هناك الاه فالقران يسئ له عدا اذا كان هذا الاه مسطولا اوابله ليقول كلام لا معنى ولا تماسك له كلام على عواهنه

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا