الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكمانه - قرايا من الجليل

مسعد خلد

2013 / 6 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تقع القرية على جبل الكمانة المرتفع عن سطح البحر 598 مترا والذي يعتبر أعلى جبال الجليل الأسفل، ومن الجهة الشرقية يمتد وادي سلامة الذي يفصل بين جبل حزور في الشرق وجبل الكمانة .تقسم الكمانة من ناحية جغرافية إلى قسمين شرقية وغربية ويفصل بينهما وادي الكمانة. يبلغ عدد سكان الكمانة اليوم 1300 نسمة (250 عائلة) ينتمون جميعهم إلى عشيرة السواعد التي يبلغ تعدادها حوالي 12 ألف نسمة يعيشون في منطقة الجليل. تعرض سكان الكمانة في بداية الحرب سنة 1948 للسلب والنهب من قبل مجموعات مسلحة، حيث نهبت بعض البيوت، وبعض الماشية. ويحكى أنه تم نهب مواشي القرية ومن بين المواشي التي نهبت "الفدان" الخاص بالمختار، والفدان عبارة عن زوج من الثيران كان المختار يستعملهما لحراثة الأرض وزراعة القمح. ولأهمية هذه المواشي لحق المختار بهذه المجموعات المسلحة في ضواحي العشيرة وتوسل إليهم كي يعيدوا له زوج الثيران. ولكن للأسف هذا التوسل لم يجد نفعا. في تلك الفترة قام البعض ممن كانوا يملكون أبقارا للحليب أو غيرها بطرد بعض هذه المواشي الضرورية إلى المناطق الوعرة المجاورة لمنازلهم وذلك خوفا من أن تنهب من قبل مجموعات اللصوص. ويحكى أيضا أن جزءا كبيرا من سكان الكمانة وخوفا على حياتهم من الحرب، تركوا منازلهم ونزحوا إلى الشمال نحو الحدود اللبنانية وقسم وصل إلى عين السهلة في بيت جن. ولكن واجهتهم صعوبة كبيرة جدا في نقص المياه والغذاء، وقلة وسائل النقل، حيث حملوا بعض أمتعتهم على الدواب ولكن بعد تشاور بينهم قرروا العودة إلى منازلهم التي تركوها خوفا. كان سكان الكمانة يملكون 1000 دونم مسجّلة ملكيتهم بالطابو ، وارتبط سكان الكمانة بعلاقات اقتصادية واجتماعية مع المجتمع العربي المحيط بهم خاصة مع قريتي الرامة ونحف .
دعيت لعرس أحد الأصدقاء من الكمانه الشرقية، ووصلنا معا، مجموعة رفاق علم، تجمعنا الذكريات الجميلة، والتي طغت على جو الديوان، حتى وصل "أبو الوليد". وبعد أن سلّم ورحّب نادى بأعلى صوت:"يا شــرم! دير قهَـوَه!".
"وجدتها!!" صحت بتأثر، فاتجهت نحوي العيون الجافلة، لكنني لم أعرها انتباها، بل سألت أبا الوليد ، بحماس وتلهف عن العلاقة بين "شرم" وبين القهوة السادة، فسحب (نفسا) من سيجارته الحل، أتبعه (بتفتفةِ) ما علق بين شفتيه من فتات التبغ المفروم، ثم (فتل) شاربه بين سبابته وابهامه الغليظ، وتنحنح قائلا:"شـُرُم يا ابني، والحكي للجميع، هو أحد الخدام الذين عملوا على خدمة أحد الأمراء وضيوفه. وكان مقطوع أرنبة الأنف، ولقبه "أشرم" لكن اسم شُرم غلب. وحتى أزيدك أكثر، فان الملعون أبرهة الحبشي لقب بالأشرم لأنه جاءه حجر يوم الفيل فشرم أنفه، ونجاه الله ليُخبر قومه بما رأى من أهوال". وتوقف العم عن الحديث، وشرب قليلا من الماء، ثم رحّب وحيا الضيوف، وهممت في تلك اللحظات بمتابعة (التحقيق) معه، لكنه استدرك الحديث، كأنه فطن الى أمر مهم قائلا :" بعدين يا جماعة، ديرو بالكو ! اذا حصل وقـُدمت القهوة لكم في فنجان مشروم، فلا تقبلوه، واذا استطعتم الى كسره سبيلا، فليكن! لأن ذلك عار على المضيف، ومن يشربه، يتزوج أرملة، ولو بعد حين"
وهنا شعرت بأنه بدأ يستطرد، فقاطعته بلهجة لطيفة:" وماذا عن بُـرُم؟" فأجاب بتبرم وتأفف:"البُرُم هم القوم سيئو الأخلاق، أما البَـرِم معناه الفتل والتدوير، وبما ان أشرم، خادم الأمير، كان يبرم بالقهوة على الضيوف، لقبوه "شرم برم"، ولكن (سيبنا من هالسيره) وأفضل أن أعلمكم يا شباب، أصول تقديم القهوة. فالفنجان الأول للضيف، الثاني للكيف والثالث للسيف. اذا حضر الضيف، لا تسأله عن اسمه ولا عن مطلبه، حتى تنقضي مدة ثلاث أيام، فيكون خلالها قد استعاد قوته التي خسرها أثناء عبوره الصحراء، فاذا كان قاصدا أخذ ثأر، يكون في صحة من بدنه وفكره، وتنقطع حجته بالادعاء انه أخذ غدرا اذا ما انهزم..." وأدركت في تلك اللحظة، بأن استطراد الرجل نابع عن قلة معرفة بتفسير تساؤلاتي، فقاطعته شاكرا لتوضيحه وشرحه، فتحررت ملامحه المتقطبة، وهدأت نبرة صوته، وختم بقوله:"اللي مالو كبير مالو تدبير!"
وظل السؤال معششا لدي، حتى ذلك النهار، عندما كنت مسافرا بسيارتي، وصادف أن أشار أحدهم لي، لأنقله توصيلة في طريقي الى خارج القرية. وما ان جلس بجانبي، ووضع حزام الأمان، حتى بادرني بالحديث معرفا عن نفسه قائلا:"محسوبك أبو أسعد الغبريس، ميت حتى أصير عريس! مش قصر ذيل، لكن في هالأيام هات لاقي مَرَه على الأصول!" ويبدو انه شعر بعدم مبالاتي بحديثه، وتوقعت أن يعتذر ويصمت، خاصة انني كنت في طريقي الى اجراء مقابلة تتعلق بقبولي لدورة تعليمية، تخص مستقبلي في العمل، وكل أفكاري منشغلة عنه، بالتحضير لإجابات، حول أسئلة توقعت أن يطرحها أعضاء لجنة القبول! لكن ذلك (العريس) لم يدرك ما أنا فيه، وتابع كلامه، أثناء انشغالي عنه، وفجأة أصابت عبارة من كلامه وعيي، فاذا به يطرح ما يؤمن به تجاه العلاقة بين الرجل وزوجته، وبأن العصا من الجنة، وانها خلقت لمن عصا، وتابع قائلا:" عهد اسرائيل عزّز مكانة الحمير والنسوان، حيث أصبحت الحمير للفِرْجه والنسوان دايرِه – شـُرُم بُرُم، من بيت شقاع الى بيت رْقاع، على شرب القهوة وعلى القلقلِه" وما ان انهى عبارته تلك، حتى صفع خده بكفه، صفعة أليمة، مستدركا :"دخيلك وقفلي! نساني الحديث عن النسوان طريقي!" ولما همّ بالنزول ودعته بنصيحة:" اسمع يا غبريس ! اذا بدك تصير عريس ، ارحم النسوان من لسانك الخسيس!"، فردّ أثناء مغادرته:" بل على العكس تماما، فالمثل يقول: الحيِّـه والمْرِيِّـه والبْنيِّـه، ما دواهُم إلاّ العُصَيِّــه!".
وأدركت في تلك اللحظة، أن شرم وبرم هما كعب فنجان، وقررت التخلي عن بحثي عنهما، واهبا كل الحقوق، لكل من يرغب في متابعة البحث ، دون أي تخوف من تعدي على أية حقوق طبع أو نشر، خاصة بعد ان بدأت الحدود تنتهك، والقذائف تنطلق، فطال قسم منها بنات حواء الكريمات، مع الاعتذار مسبقا، باسمي وباسم "أبو أسعد" (العايش على ماضي الذكريات)!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج