الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكونات وعناصر المشروع النهضوي الجديد

نجيب الخنيزي

2013 / 6 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لقد فشلت أنماط التنمية العربية المختلفة في العالم العربي، أو كانت نتائجها محدودة الأثر على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي ، و سواء في النظم( الإنقلابية ) الراديكالية أو النظم(الريعية) المحافظة، والمستندة في الحالتين إلى رأسمالية دولة تتحكم فيها وبها بيروقراطية أصبحت مرتعا للفساد المالي والإداري ولتفشي المحسوبية والولاءات لأصحاب النفوذ والمصالح، ورافق ذلك تضخم الجهاز البيروقراطي المدني والعسكري والأمني للدولة ، وجرى على نطاق واسع تهميش المجتمع ومصادرة مؤسساته المدنية وإلغاء الحقوق والحريات الأساسية للفرد والجماعات، وتراجعت على نحو خطير قيم ومبادئ التسامح والعقلانية والتعددية السياسية والثقافية والفكرية، واستعادت الولاءات والانتماءات الفرعية التقليدية ( القبلية والعشائرية والمناطقية والطائفية) حضورها وتأثيرها القوي على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية. كل هذا أدى إلى مزيد من الاستقطاب الطبقي، والتدهور الاقتصادي ، والاحتقان الاجتماعي، والاستبداد السياسي، والاحتكار الإعلامي والثقافي، وسيادة خطاب ديني ومنهج تعليمي قاصر مهمته تسطيح العقول والأفكار والممارسات. هذه الوقائع الخطيرة أدت إلى استفحال الأوضاع الحياتية والمعاشية للغالبية الساحقة من الشعوب العربية التي يطحنها الفقر والبطالة وتردي الخدمات(تعليم ـ صحة ـ سكن ـ بيئة) والتدهور المستمر في مداخيلها ومستوى حياتها.(لمن يشك في ذلك عليه مراجعة تقارير الأمم المتحدة حول التنمية الإنسانية العربية) . مع أهمية دور العوامل الخارجية في هذه الأزمة غير أن العوامل الداخلية المختلفة لعبت دورا حاسما في تدهور الأوضاع العربية. إن تجاوز المعيقات التي تحكمت في خطاب النهضة المجهض، يتطلب التخلص من الرؤيا والممارسة التلفيقية بين الثنائيات المتقابلة مثل القديم والجديد الأصالة والمعاصرة، النقل والعقل، المحلي والوافد، الأنا والآخر الوطني والقومي، الخصوصية والعالمية. حل وإنجاز هذه القضايا والمهام يمثل خطوة تاريخية حاسمة باتجاه التحديث والإصلاح والتنوير ومن شأنها وضع الشعوب العربية على عتبة التقدم الحضاري . إننا بحاجة إلى مراجعة مسؤولة وشاملة يشترك فيها الجميع دون إقصاء أو استثناء لأحد، وأعني هنا الجميع، الحكومات والشعوب والتيارات والجماعات والنخب كافة، على اختلاف متحدراتها وتوجهاتها السياسية والفكرية. كل الدلائل والشواهد تشير إلى استفحال الضغوط والتدخلات المتعددة الأوجه والاتجاهات (السياسية والإعلامية والاقتصادية والثقافية والعسكرية) التي تقوم بها القوى المتحكمة بنظام العولمة ، والتي تستهدف (بصورة لا سابق لها) عموم المنطقة العربية ، وتحت عناوين مثل الصراع الحضاري مع الإسلام / ومكافحة الإرهاب ونزع أسلحة الدمار الشامل، أو الدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات وإشاعة الديمقراطية في المنطقة. غير أن الاستهدافات الحقيقية ليس الإسلام بعينه فقد سبق أن تحالف الغرب والولايات المتحدة على وجه التحديد مع أطراف وقوى إسلامية ( بما في ذلك منظمة القاعدة ) بل أمدتهم بكل أشكال الدعم والمساندة المادية والعسكرية والسياسية والإعلامية (إبان الحرب الباردة والمواجهة مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي) بصورة منفردة أوبالتنسيق مع دول عربية وإسلامية وذلك تحت لافتة مكافحة الشيوعية والتيارات القومية واليسارية والنظم الراديكالية في المنطقة والعالم. وضمن هذا السياق نفهم التنسيق والتعاون القائم الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما من جهة ، وبين وحركات الإسلام السياسي التي وصلت إلى السلطة في بعض البلدان العربية من جهة أخرى . إن الاستهدافات الحقيقية للإمبريالية القديمة / الجديدة (تظل على الدوام) وضع اليد بالكامل على ثروات ومقدرات المنطقة، وإنهاء كل ممانعة وإرادة وطنية مستقلة للبلدان والشعوب التي تقاوم غطرسة القوة والإملاءات الأجنبية. إن الرد الصحيح على كل ذلك يتمثل في تعزيز الجبهات الداخلية ، و إتاحة المجال للمشاركة الشعبية الحقيقية في صنع القرار وتحقيق إصلاحات عميقة في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والدفع بالإصلاح الديني من خلال التمييز مابين الديني والدنيوي ، والتصدي لمشكلات الفقر والبطالة والمديونية والفساد، والعمل على إنهاء الطابع الريعي (الخراجي) والاستهلاكي عبر تنويع القاعدة الاقتصادية وتطوير قوى الإنتاج والعلاقات الاجتماعية، والتأكيد على البعد الاجتماعي ، وتعزيز دور الدولة في القطاعات الحيوية للشعب مثل الصحة والتعليم والخدمات والعمل ومراكز البحث العلمي، وترسيخ قيم التسامح والانفتاح والقبول بالرأي الآخر المختلف، والبحث عن المشتركات الوطنية والاجتماعية بين مختلف المشروعات والرؤى والتكوينات السياسية والفكرية ، والعمل على تقليل الفجوة والهوة بين السلطة والنخب الثقافية المتعددة. يتعين على الأطياف الثقافية والفكرية والسياسية كافة أن تتجاوز بصورة نهائية محاولة الإلغاء والإقصاء المتبادل فيما بينها، فتعدد قراءات الواقع هو الضرورة التي لا مناص منها لفهم الحاضر واستيعاب دروس الماضي وتعبيد الطريق أمام المستقبل. فالحقيقة تظل (وهكذا دائماً) نسبية وغير مكتملة في مجالها التاريخي والمعرفي وإن أية محاولة لفرض رؤيا وتصور أحادي الجانب تحت أية ذريعة وحجة هي محاولة عبثية من شأنها تدمير مقومات المجتمع والمغامرة بالحاضر و سد أفق المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah