الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لندعهم ينتقدون

فاخر السلطان

2013 / 6 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين المقارنة العفوية (غير العلمية) بين نقد المتدينين الساخر للأفكار غير الدينية، وبين نقد غير المتدينين الساخر لنص الدين ومفاهيمه وشخوصه وفقهه، نجد أن الأول يتجاوز الثاني في كمية هذا النقد وفي جرأته. فما دامت فتاوى التكفير والتحقير والعنف والإقصاء الدينية سهلة الصدور من قبل الفقهاء ضد غير المتدينين من الكفرة والمشركين واللادينيين والملحدين ووو، يبدو من السهولة الوصول الى الاستنتاج التالي، أن المتدينين هم أكثر قوة في ممارسة النقد والسخرية والإلغاء، لأن المتديّن في الغالب يمارس نقده الساخر بصورة جماعية منظّمة مدعوما من وقوف الحكومات والقوانين المحلية والمجتمع المحافظ إلى جانبه، فيما غير المتديّن عادة ما يمارس النقد بصورة فردية، مقطوعا عن أي دعم جمعي محلي إلا ما ندر، معتمدا على وقوف منظمات المجتمع المدني الدولية إلى جانبه، وهو وقوف خجول في معظم الأحيان.
حسب الباحث الإيراني مهدي خلجي، اذا استمر المتدينون في الافراط في الحساسية تجاه نقد غير المتدينين الساخر لهم ولأفكارهم وللنصوص الدينية فإن ذلك سيساهم في انتشار العنف بشكل أكبر في المجتمع. لا يمكن بأي حال من الأحوال التحكّم بالنقد الساخر تجاه مختلف الأمور بما فيها الدينية في هذه المرحلة المتطورة من الانفتاح الإعلامي غير القابل للسيطرة عليه، فما بالك بسعي الكثير من المتدينين لإلغاء النقد بهدف خنقه. لقد ولّت إلى غير رجعة هذه المرحلة، مرحلة الخنق السهل. وعليه، يجب أن يسعى المتدينون إلى التقليل من هذا الإفراط، وصولا إلى إلغائه ما قد يؤدي إلى معالجة العنف الناتج عن نقد الأفكار الدينية. وبما أن المتدينين يعتقدون بأن الدين له حافظ في السماء، ولا يستطيع كائن من مكان أن يزيله من الوجود، فلماذا إذاً هذه الخشية من النقد، الساخر وغير الساخر، ولماذا استمرار الحساسية المفرطة تجاه المنتقدين واتهامهم بأنهم يسعون إلى إلغاء الدين من الوجود؟ لماذا استخدام الإقصاء والعنف ضدهم؟
إن ردود الفعل العنيفة من قبل المتدينين ضد المنتقدين هو انعكاس، لضعف الحجة الدينية، أو لضعف الإيمان وعدم ثقة بالنفس، أو هو خوف من تراجع الشعبية الدينية التي يسعون من خلال العنف إلى وضع حد له. لقد أثبتت تجربة الإصلاح الديني في أوروبا بما لا تدع مجالا للشك بأن هذا النوع من التديّن، الذي يتحسس بإفراط من أي نقد، أي التديّن التقليدي التاريخي الذي يخشى التغيير والتجديد، قد ساهم بنفسه في زعزعة بنيانه. كيف لا يتزعزع وهو يرفض النقد الذي يهدف الكثير منه إلى تغيير الفهم الديني لكي يتوافق مع التغيّرات بالحياة؟ فالدين، رغم أهميته بالنسبة للكثير من الناس، لم يعد يلعب الدور المحوري مثلما كان يلعبه في الماضي. وأي تجدد وتغيّر في فهم الدين لم يكن ليصعد إلى السطح ويساهم في ولوج معنى جديد له وعصري إلا في ظل سلاح النقد. ولم يكن هذا السلاح "علميا" فحسب، بل كان متنوعا بتنوع العيش في الحياة. وما نراه اليوم في أوروبا وفي غيرها من حرية نقد الدين، بتنوّع صوره، إنما هو أحد نتائج تجدّد الفهم الديني. فبقدر تطور العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية في أوروبا وفي الغرب عموما، جرى في موازاة ذلك تطور في الثقافة الناقدة للدين، بل كان هناك أيضا تطور في الثقافة المضادة للدين. مع كلّ هذا لم يفن الدين وبقي مستمرا، وتطوّر فهمه ليصبح متوافقا مع تغيّرات الحياة. فإذا كان نور الكنيسة لا يزال مضيئا - حسب تعبير خلجي - فالكثير من الرؤى التي كانت تحاربها الكنيسة في السابق أصبح نورها مضيئا الآن، ما ساهم في إضفاء مزيد من النور في الحياة. وهذا الأمر لم يكن ليحصل لولا تغيّر الفهم الديني. وهذا التغيّر لم يكن ليحصل بعيدا عن شك ونقد وذم "الكفار" للدين وللفهم الديني ودفاعهم عن حق الإنسان في ذلك. فأصبحت الكثير من المسائل جديدة في الدين، وأخرى انتفت وانتهت صلاحيتها، ما جعل كفة ميزان الدين في الحياة غير معوجّة، ويرجع الفضل في ذلك إلى حق الإنسان المبارك في النقد.
يحتج خلجي على النهج الذي يتبناه المفكر الإيراني عبدالكريم سروش في حصر النقد ضد الدين وضد الفهم الديني في النقد "العلمي". فالنقد "غير العلمي" هو عمل مشروع أيضا. وضحايا العنف الديني من المنتقدين هم ليسوا فقط من خريجي الجامعات. ورجال الدين، من خلال استدلالهم بالنصوص الدينية وفهمهم لها، ومحاولتهم الهيمنة على مختلف شؤون الحياة، وسعيهم لوضع حياة المتديّن وغير المتديّن تحت وصايتهم، إنما يخوضون في مختلف المسائل بما فيها تلك غير العلمية، أي بكلمات أخرى هم يخوضون في الشأن العام. فكيف يمكن في المقابل أن نحصر النقد ضدهم بـ"العلمي" فقط؟ وكأننا نقول بأن نقد السياسة هو من اختصاص خريجي الجامعات، على الرغم من أن السياسة هي شأن عام، مثلما هو الدين.

كاتب كويتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت