الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيت اللعنات...!!!

كريم كطافة

2013 / 6 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا البيت ابتكره سكان الشام القدامى (الكنعانيون) وهكذا أسموه (بيت اللعنات). ورغم أنه بيت عبادة مقدس حاله حال بقية بيوت الآلهة، إلا أنه افترق عنها بوظيفته الغريبة نوعاً ما. إذ كانت وظيفة هذا البيت "التجديف على الآلهة بشتمها والتعريض بها والقيام بطقوس مخالفة لطقوس عبادة (إيل) و(عشيرا)" ويدخل ضمنها بالطبع شتم وكلاء الآلهة (الكهنة). بعد أن قرأت هذه المعلومة في كتاب (المعتقدات الكنعانية) للباحث العراقي (خزعل الماجدي) والتي جاءت في (ملحمة الملك الكبير) المكتشفة في أوغاريت، وجدت تفسيراً خاصا بي لتلك الوظيفة. قلت، يبدو لي أن هذا الابتكار جاء نتاج للعقل الجمعي اللاواعي للإنسان، وذلك لإحداث نوع من توازن روحي نفسي وجودي، للحد من الاستلاب المرضي الخانع الذليل الذي درج عليه البشر منذ تورطهم بالأديان.. إلى حد أنهم يحمدون إلههم حتى حين يغضب ويجن جنونه ويعبث بهم ولا يحفل بأدعيتهم وتوسلاتهم. أنها وظيفة تنفيسية يوفرها لهم بيت اللعنات ينفسون بها ردود أفعالهم الإنسانية العفوية على ما يصيبهم من مصائب وكوارث تقف أمامها آلهتهم مكتوفة الأيدي.
وفسّر بعض الباحثين هذا الأمر بحقيقة أن الإله (بعل) هو أكثر الآلهة المعروفة نزقاً وسهواً وشرودا مع عباده.. إذ لا سنين خصبه منتظمة ولا أسلحته مضمونة بوجه الكوارث وعلى رأسها الجفاف الذي يغزو بلاد الشام غزواً دورياً سباعياً. حتى قيل أن سبب بناء المعبد هو هذا المزاج النزق للإله. حاولوا تحويطه ببناء مربع مسقف ومقفل وتركه هناك لئلا يفلت ويذهب إلى مكان آخر أما بحثاً عن زوجة أو أرض أخرى. ومع الزمن تحول هذا المبنى إلى جزء أساس من الدين لتتكاثر لاحقاً بيوت بعل في أرض الشام القديمة وكل مقاطعة تحاول حجزه لها.
الآن لا يهمني حيثيات وملابسات ذلك الإله البعيد كما لا تهمني التفاسير والشروح الطويلة حول مصدرية تلك الأديان القديمة لأدياننا الراهنة.. بقدر ما يهمني سؤال أشعر نفسي غاصاً به، يا ترى؛ كم بيت لعنات نحتاج في زمننا هذا.. الزمن الذي صار يُذبح فيه الإنسان تقرباً إلى الإله وتخرب البيوت وتهدم المدن وتشرد العوائل وتغتصب النساء والرجال باسم الإله الواحد القهار الجبار.. الزمن الذي تلهث فيه ملايين من البشر بحثاً عن ما يسدون به تكاليف آخرتهم بعد الموت غير عابئين بأحوال دنياهم.. الزمن الذي نعيش فيه فقراء مهانون مذلون قانعون بينما أرضنا تختزن ثروات يسيل لها لعاب الأمم البعيد منها والقريب.. ولا نكتفي باللهاث المرضي بل نتقاتل للفوز بشفاعة هذا أو ذاك من أموات أباعد قضوا نحبهم في أزمان بعيدة.. إلى متى نعمل ونجتهد من أجل موتنا لا من أجل حياتنا.. كم بيوت لعنات متخصصة نحتاج.. بيوت خاصة بلعن الآلهة وهي كثيرة على أية حال.. وأخرى للعن الوكلاء وثالثة لوكلاء الوكلاء.. ورابعة للرؤوساء والزعماء وعاشرة لقادة المليشيات والتنظيمات الجهادية المتفشية في حياتنا كالفطر السام.. وأخيراً كم بيت لعنات نحتاج لنواجه به بيوت الله المتكاثرة طردياً مع الخراب الشامل الذي نعيشه.. بيوت الله التي صارت تزاحمنا حتى على المساحات التي نأكل ونشرب وننام فيها، على بيوتنا..!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟
المصدر: خزعل الماجدي/ المعتقدات الكنعانية/ دار الشروق/ عمان/ 2001/ ص 238








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - امة ضحكت من جهلها الامم ,
د/سالم محمد ( 2013 / 6 / 10 - 22:15 )
استاذ كريم . . لقد لمست كبد الحقيقة تماما’ ، فأمة صلعم التى تجاوزت المليار لم تضف للانسانية الا الكراهية و الحقد الاعمى و الغنف و القتل و العنصرية و الاستعلاء و رغم امتلاكهم ثروات طبيعية و مواد اولية تعود عليهم بالملايين كل لحظة ، الا انهم مازالوا يعيشون عالة’ على (الكفار) ، هم اعداء للعلم و الثقافة و الفن و الجمال و المعرفة ، و 90% من اصداراتهم هى قرآنهم و تسقط الحضارة


2 - ابو مجيد
مجدي أبو سعود ( 2013 / 6 / 14 - 10:17 )
جميل جدّاً شكراً لك نتمنى ان تعود يوماً تلك الأديان الجميلة و التناسق الجميل الذي قضى عليه بدو الجزيرة الصلاعمة الهمج ولم يبقو الّا القليل من - المسيحيين - شكراً على هذا المقال الجميل

اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي


.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية




.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا