الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثائر لم يلامس احلامه

أحمد الشيخ أحمد ربيعة

2013 / 6 / 12
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


كان حامد أيوب يستمتع بالنكتة، حتى في الفترات المريرة من مرضه،ظل يتحداه باستمتاعه بالنكتة، يضحك حتى تهتز اكتافه وتدمع عيناه وينهي ضحكته بقهقة تكاد تسقطه احيانا من مكانه، لتلك النكات التي كنت استجمعها له. لذا ابدا حديثي له وعنه بنكته، متحديا بسيف من خشب ذلك الموت اللعين. يروي المناضل كاظم فرهود في مذكراته ( حامد أيوب كان يكن له قدرا عاليا من المحبة والتقدير، كان يرى فيه من الشخصيات الاكثر تناسبا لسكرتارية الحزب الشيوعي في اواسط ستنيات القرن الماضي) ان الشهيد محمد حسين ابو العيس حين كان يحاضر في سجن الكوت 1948 في الاقتصاد السياسي وفي شرحه لموضوع له علاقة بمراحل الثورة الوطنية والوطنية الديقراطية والثورة الاشتراكية، سائله احد السجناء المشاركين في الدورة الحزبية ( رفيق احنة باي مرحلة الان) اجاب ابو العيس ( نحن في مرحلة الثورة الوطنية). فقال السائل ( لعد عزانا طوييييييييييييييييييل، يعني اموت وماشوف مرحلة الثورة الاشتراكية ...... والله ما عندي قرصاغ اصبر هاكد ) ومن يومها راح هذا الرجل يفتش عن الطريق ليتراجع ويستسلم. لكن حامد ايوب العاني حين اختار طريقه، طريق النضال الثوري من اجل شعب ووطن ظل يحلم بجماليهما، فانه خياره هذا كان بوعي واصرار مستوحى من صمود فهد ورفاقه الميامين ومشروعية ومصداقية هذا الخيار المقدس.

سبق حامد في معارك النضال المشرفة اخيه الاكبر حمدي ايوب، فقد كان احد القادة الفعلين لمظاهرات الطلبة في انتفاضة 1952 و متصدر مظاهرتها وهو الذي انتزعه من باحة المسجد وحفظ القران وليسير به الى دروب النضالالعسيرة. كان حامد أيوب يسترجع نضالات عائلته وبطولة امه وصبرها، التي ما تحدث عنها يوما الا واكتسب وجهه معالم اخرى. عائلة صبت عصارة احلامها وجهدها في النضال الوطني – الديقراطي.

حامد أيوب شخصية جامعة، بمعنى له قدرة على تجميع الناس وايجاد ضفاف مشتركة لمصاب مياه تختلف بدرجة حلوتها او مرورتها. هذا التكوين، ليس من السهل ان تجده بين السياسين بما فيهم قادة ومحترفي العمل السياسي. حاجتنا اليوم لشخصية او شخصيات كهذه لاتقتصر فقط على الشيوعين والديقراطين، الذين هم اليوم بحاجة ملحة لها ، وانما يحتاجها وبشكل ماس عموم الوضع العراقي المربك والمتوتر حد التهور والجنون. للاسف لم نتعلم من ابي سعد هذا الامر وخاصة في السنوات الاخيرة، الا في حدود ضيقة وشخصية. هذا التكوين او القدرة لم تكن مفتعلة وانما كانت تستند الى ثقافة واسعة وعميقة، مواصلا بذلك صورة مثقفي الاربعنيات الموسوعية وشبه الموسوعية والتي من الصعب من ياتي جيل مثلها مثل عبدالقادر البستاني وعزيز شريف، رحيم شريف، حسين جميل، نجيب المانع، جورج حبيب الخوري، سالم عبيد النعمان وغيرهم.

كان حامد أيوب من القلائل الباقين الملمين بشكل واسع ودقيق بتاريخ الحزب الشيوعي العراقي وبالكثير من تفاصيله وحتى تاريخ صدور بيانته وشخصياته وبمجمل التاريخ الوطني العراقي. ذاكرة حامد أيوب عجيبة ودقيقة ومجسمة وحتى الايام الاخيرة، التي سبقت دخوله في الغيبوبة، كان ياسف حينها، انه بدا ينسى بعض الاسماء ولكن لا تمر دقائق الا واستعادها. ذاكرة رائعة ودقيقة وامينة وكم هي تلك اللقاءات الممتعة حين تجمع جلسة الحوار ندين بذاكرتهما المجسمة والنشيطة، حامد أيوب وجاسم المطير. ثقافة حامد أيوب كانت تمتد للشعر بوجه الثوري والغزلي، للادب، للسينما وبالذات الايطالية ولتاريخ الاديان ومدارس الفقة ومجودي القران، للاسماء الضابط وبالذات الشيوعين والديقراطين وتاريخهم وشخصياتهم، رغم انه كانت في ثورة تموز في بداية عشرنياته لكن الحزب كان يعتمده في بعض المراسلة مع بعض الضباط وبالذات مع الشهيد الزعيم الركن طه الشيخ أحمد.
تكوين حامد أيوب هذا يشكل فيه الصبر عمودا اخر. صبره ليس فقط على تحمل المرارة وألام والعذاب والتعذيب سواء في سنوات العمل السري او مرارات الصراع الحزبي ومسالخ قصر النهاية والمعتقلات والسجون التي مر بها وغدر الايام والاحلام المسروقة وغيرها. صبره كان ايضا في قدرته على الاستماع، الاستماع الصادق وبكل مودة وانتباه بدون ملل لحديث المقابل اي نوعه كان. كانت أراء حامد أيوب وتعليقاته تستند الى قدر كبير من الحكمة والتروي، ربما طريقتة في الحديث وهدوئها وفواصلها كانت تمنحه مساحة تساعده في صياغة فكرتة يشكل جميل، وهو انعكاس لعقل وتفكيرمتقد، رغم العمر والامراض المنهكة. بتواجده كان يضفي على النقاش هيبة، حتى اذا تنوعت وتعددت مسارات هذا النقاش، وبدون ان تكون للنقاش هيبة ينكفئ حامد أيوب بهدوء واحترام لغلق الموضوع بدون اي احراجات للمقابل. في تكوينه هذا يطابق مقولة بشير الحافي احد كبار متوصفة بغداد في القرن الهجري الثاني والثالث ( لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك، وكيف يكون فيك خير وانت لا يأمنك صديقك)**
كانت اجوء نقاشاته وجدالاته مفعمة بالصدق والحب واختيار كلماته بدقة وبكل ليقاقة. لم يخجل او يستكثر ان يتراجع عن راية. كان خطيبا رائع، يبدا حديثه بهدوء وبصوت منخفض وراس منخفضة ترتفع بعد ذلك مع حرارة فكرته وصوته القوي وكانه يشحن هذا الصوت من امانة وعمق وحرارة فكرته وكلماته، ليتحويل بعدها الى سيد القاعة.

شئ واحد من أشياء قليلة كانت تستفز حامد أيوب ولا يطيق تحملها، هو الطعن بوطنية الشيوعين وصدقهم وبتاريخهم وصلابتهم واخلاصهم. ويعرف بعض اصدقائة حوادث عديدة في هذا المجال. واذا كانت ذاكرة ابي سعد حية باسماء الكثير من الشهداء والمناضلين وابناء شعبنا الاحرار اللذين قدموا ما يستطعون لدعم نضال الشيوعيون وكل القوى الخيرة، الا ان ذاكرته لم تنسى جلاديه وجلادي شعبنا وسارقي قوته وحريتة واحلامه.

ظل ابي سعد قريب من رفاقه, طيب المعشر، متواضع السلوك، يتعامل باعتداد وفخر بصموده وتاريخه المشرف ولم يكن له ما ما يخجل منه. بقى لا يحترم البيرقراطية الحزبية ويشمئز منها ويعتبرها غريبة عن سلوك المناضل الثوري وتحط من قيمته ومن دوره. ظل حامد ايوب يتمتع بقراءة نقدية فاحصة للكثير من جوانب التاريخ الحزبي الداخلي والوطني عموما ومن يقترب من ابي سعد كان يسمع العديد من الملاحظات والتصورات والانتقادات الحادة لمجريات وتاريخ العديد من الحوادث والشخصيات. ظل ابي سعد رغم الامراض والعمر يمتلك صبابة ثورية، تحس اشعاعها في الكثيرمن تفاصيل حياته ومتابعاته. مع الاسف الشديد انه رحل عنا من دون ان يؤرخ احد تلك المتابعات الحية.

حامد ايوب العاني لم يكن الا ابنا بارا للحزب الشيوعي العراقي، ومناضلا لشعب منكوب باحلامه وذاكرته المغيبة ومواطنا لوطن لم يعشق ابنائه البررة.
في نهاية حديثي لا يسعني الا ان انحني اجلالا لام سعد، لبطولها وتفانيها وصبرها وقدرتها على رعاية فقيدنا العزيز ابي سعد واحاطته بكل الحب والدفئ ولسنوات عديدة. لم يكن هذا الامر الا انعكاسا لمعدنها النبيل كما كان يقول حامد أيوب. كانت قمة حبه ومفخرته.
................................................................................................................................
* الكلمة القيت في اربيعنية الفقيد الدكتور حامد ايوب العاني التي اقامتها منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا في 02-06-2013
.
** متصوفة بغداد.عزيز السيد جاسم. مؤسسة الرسالة لطباعة والنشر. باريس 1994. ص97








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضباط شرطة يدخلون كلية مدينة نيويورك لاعتقال وتفريق المتظاهري


.. اقتحام الشرطة الأميركية جامعة كولومبيا واعتقال العشرات من ال




.. شرطة نيويورك تعتقل عددا من الطلاب المتظاهرين في جامعة كولومب


.. الشرطة في جورجيا تشتبك مع متظاهرين خرجوا ضد مشروع قانون -الع




.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطيني