الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هولي بايبل يحرق مراكب العودة

هشام آدم

2013 / 6 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة تأسيسية

الدكتور غالي، أو هولي بايبل كما يُسمِّي نفسه على موقع الدردشة الصوتية المشهور (البالتوك PalTalk) له سلسلة مُحاضرات في إحدى الغرف المسيحية باسم (in JESUS all things have become New) للرد على نظرية التطور، وكشف زيفها وبطلانها، كما يدعي. وبالتأكيد ليس هو الشخص الأول الذي يعترض على نظرية التطور، وربما لن يكون الأخير، فنظرية التطور تُمثل –للمُؤمنين- شوكة الحوت التي تقف في حلوقهم؛ فلا هم بقادرين على بلعها، ولا هم بالمُستطيعين لردِّها وتفلها. والحقيقة أنَّني لم يكن لدي علم بأمر هذه المُحاضرات حتى أعلمتني بها إحدى الصديقات المسيحيات، وهي ما فعلت ذلك إلَّا بدافع الخير لي، ربما لأنَّها تُريدني أن أعرف حقيقة نظرية التطور الذي أقتنع بها. للوهلة الأولى لدى دخولي الغرفة كان هنالك جدال دائر حول مسألة الأعضاء الأثرية لدى الكائنات الحيَّة، وتسلسل الحديث حتى تناول موضوع عظمة العصعص Coccyx لدى الإنسان، وأعتبرها أحد المُتداخلين عضوًا أثريًا لذيلٍ ضامر كان يتمتع به الإنسان في مراحله التطورية السابقة، ورفض الدكتور هذا الإدعاء جُملةً وتفصيلًا مُدعيًا أنَّ كل ما يُشاع عن هذا الأمر ليس سوى خدعة تم الترويج لها عبر صور مُعالجة بالفوتوشوب، وتجاسر إلى حد التبرع بإجراء عملية جراحية على تكلفته الخاصة لإزالة هذه العظمة لأيّ شخص يعتقد أنَّها عضو أثري زائد، دون أن يتحمَّل مسؤولية ما سوف يحدث له جراء هذه العملية. ومن ناحية مبدئية دعونا نُؤكد على أنَّ عظمة العصعص تُشكل فعلًا عضوًا ذيليًا ضامرًا، وهذا الكلام ليس مُجرَّد ادعاء مُستند على صور قد تكون مُعالجة بالفوتوشوب، وإنَّما هنالك تقارير مُصوَّرة عن بشر يمتلكون ذيلًا (راجع مقاطع الفيديو المرفقة)، ولكن لا تكمن المُشكلة في قدرتنا على إثبات وجود أشخاص يمتلكون ذيلًا أم لا، ولكن في الفكرة التي بنا عليها الدكتور هولي بايبل حجته. فماذا يعني بتر عضو من جسم الإنسان وتسبب ذلك في وفاته من عدمه؟ هل هذا يعني أنَّ هذا العضو غير مُهم أو مهم؟ ما الذي قد يحدث لشخص إذا تم بتر ساقه بالكامل، هل سوف يموت؟ بالتأكيد لن يموت، ولكن هذا لن يعني أنَّ الساق عضو غير مهم في جسم الإنسان.

عمومًا، هذه النقطة لا أراها هامة على الإطلاق، وسوف أتناول موضوع الأعضاء الأثرية بشيء من التفصيل في حينه. ما يهمني هنا أنَّ الدكتور هولي بايبل في محاضراته يُحاول القول بأنَّ نظرية التطور هي خديعة من مجموعة من العلماء يحاولون بها إقناع الناس أنَّ "الله" غير موجود، أو على أقل تقدير أنَّه لم يخلق الإنسان. وبالطبع فإنَّ هذه الفكرة لها جذورها من العقيدة التي ينطلق منها الدكتور هولي بايبل، محاولًا التمسك بكل قوة بما جاء في الكتاب المُقدس فرضية الخلق المُستقل، وهو بذلك لا يدع لنفسه، أو حتى للمُتابعين له، خط رجعة، على أنَّنا نرى الآن ميلًا عامًا من المُتدينين سواءٌ من المسيحيين أو المسلمين للتسليم بصحة نظرية التطور لما لها من أدلة قوية لا يُحاجج فيها إلَّا مُعاند أو جاهل. ولنبدأ من أول نقطة.

الدكتور هولي بايبل بنقده الذي يُقدمه لنظرية التطور، يُقدِّم وجهة نظره الشخصية، والتي تختلف تمامًا مع توجه الكنيسة الذي بدأ منذ فترة طويلة وبصورة واضحة وجلية جدًا، في القبول بنظرية التطور ومحاولة إيجاد تفسيرات أكثر حداثة للنص الديني بناءً عليها، ويظهر ذلك في الخطاب الذي ألقاه البابا يوحنا بولس الثاني في الأكاديمية البابوية للعلوم في الثاني والعشرين من تشرين الأول لعام 1996 (راجع نص الخطاب الوارد في موقع New Advent) وهو الرأي الذي يُمثل موقف الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام، رغم ما أُثير حول هذه التصريحات من جدل (راجع ما كتبه أستاذ القانون في جامعة ميسوري كانساس سيتي: دونغ ليندر Doug Linder حول ذلك) وعلى أي حال، فإنَّ هنالك توجهًا عامًا يسير إليه كل علماء البيولوجيا المُتدينون الذين لم يكن بإمكانهم رفض فكرة التطور جُملة وتفصيلًا، ورضخوا تمامًا لحقيقة التطور وحدوثه؛ لاسيما عقب البيانات العلمية المُتتالية التي أصدرها عدد من الهئيات العلمية ذات السمعة والصيت، كالهيئة الوطنية لأساتذة البيولوجيا NABT والذي صرحت فيه بأهمية البيولوجيا التطورية وتدريسها بدءًا من العام 1997 (رابط البينان في الهوامش) وتم التأكيد على هذا البيان للسنوات التالية: 2000 و 2004 و 2008 و 2011 وكذلك البيان المُشابه الذي أطلقته الهيئة الأمريكية لتقدّم العلوم AAAS في العام 2006 (رابط البيان في الهوامش)

إذن فمن الواضح والجلي أنَّ نظرية التطور أثبتت رسوخًا أجمع عليه علماء البيولوجيا بصورة غير مسبوقة، ولم يعد بإمكان أحدهم أن ينكر التطور إلَّا –كما قلتُ من قبل- عنادًا لا مبرر له، أو جهلًا بالمُنجزات العلمية في مجال البيولوجيا التطورية، في حين اكتفوا (=علماء البيولوجيا المُتدينون) بأن يكون محور حديثهم وجدالهم حول "آلية" التطور، بعد أن كان لسنواتٍ طويلة مُنصبًا على إنكار التطور نفسه. وفي هذا الصدد نقرأ من موقع الرسمي لدُعاة ما يُسمى بالتصميم الذكي ما يلي ردًا على سؤال: "هل يتعارض التصميم الذكي مع نظرية التطور؟" فيقول الموقع:
It depends on what one means by the word "evolution." If one simply means "change over time,"´-or-even that living things are related by common ancestry, then there is no inherent conflict between evolutionary theory and intelligent design theory. However, the dominant theory of evolution today is neo-Darwinism, which contends that evolution is driven by natural selection acting on random mutations, an unpredictable and purposeless process that "has no discernable -dir-ection´-or-goal, including survival of a species." (NABT Statement on Teaching Evolution). It is this specific claim made by neo-Darwinism that intelligent design theory -dir-ectly challenges.
وترجمة هذا الكلام على النحو التالي: "هذا يعتمد على المقصود من كلمة (تطور). فإذا كنا نعني به التغير مع مرور الزمن أو حتى فكرة أنَّ الكائنات الحية ترتبط جمعيًا بسلفٍ مُشترك فلا تعارض بين نظرية التطور والتصميم الذكي. ومع ذلك فإنَّ نظرية التطور السائدة اليوم هي ما يُسمى بالداروينية الحديثة والتي تدعي أنَّ عملية التطور تتم عن طريق انتخاب طبيعي وفقًا لطفراتٍ عشوائية، لا يُمكن التنبؤ بها، وبلا غائية بمعنى أنَّها عملية بلا هدف ولا اتجاه ملحوظ، بما في ذلك حفظ النوع. وهذا الإدعاء بالتحديد الذي يرفضه التصميم الذكي جُملة وتفصيلًا."(راجع موقع التصميم الذكي intelligentdesign.org) وعلى هذا فإنَّ الدكتور هولي بايبل يبدو، في خضم كل هذه التأكيدات، كقائد يقود معركة خاسرة منذ بدايتها إن انطلق في معركته هذه من الإنكار الكامل لنظرية التطور من حيث هي عملية تطور وتغيير تحدث عبر الزمن للكائن الحي، ومن حيث أنَّها تقرير بواقع يقول بأنَّ الكائنات الحيَّة جميعها تتشارك سلفًا مُشتركًا واحدًا، لأنَّ هذا هو ما عليه العلم الآن بصورة قاطعة ونهائية، ولم تعد مُجرَّد احتمالات أو فرضيات قابلة للأخذ والرد.

إنَّ الطريق الذي أختاره هولي بايبل لنفسه في هذه المعركة هو طريق "الخلقيين" Creationism والذين يحاولون الدفاع عن وجهة النظر الدينية لفرضية الخلق الإلهي المُستقل، وهي الفرضية التي يرفضها دُعاة "التصميم الذكي" أنفسهم، في موقع التصميم الذكي نجد هذا الرفض بصورة قاطعة، في محاولة للتفريق بين فرضية التصميم الذكي وفرضية الخلق، ففي سؤال مباشر حول ما إذا كان التصميم الذكي ينطلق من النصوص المقدسة أو حول ما إذا كانت هنالك علاقة بين التصميم الذكي وبين الخلقيين كانت الإجابة بالنفي. ورغم أنَّني أعتقد أنَّ هذه ليست سوى حجة تقليدية الغرض منها إخفاء الطابع الديني لفرضية التصميم الذكي إلَّا أنَّه ليس بإمكاننا فعل شيء سوى الأخذ بظاهر ما هو وارد على صفحتهم الرئيسية، ولكن دون أن ننسى أنَّ فرضية التصميم الذكي قد رُفضت من قبل بقرار قضائي على اعتبار أنَّها ليست نظرية علمية إطلاقًا، وتلك حادثة مشهورة جدًا، ومن المهم جدًا قراءة ما جاء في موسوعة الويكيبيديا حول التصميم الذكي، لنفهم العلاقة بين التصميم الذكي والخلقية ولنفهم كذلك أنَّ الأمر ليس مُجرد بحث علمي: "التصميم الذكي هو شكل من أشكال (الخلقية Creationism) الذي تم الإعلان عنه من قِبل معهد ديسكفري وهو معهد بحثي سياسية مُحافظة مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية. ويقدم المعهد تعريفًا للتصميم الذكي بأنَّ: (التصميم الذكي هو أفضل تفسير يُمكن تقديمه للسمات الكونية وسمات الكائنات الحية، عوضًا عن عملية الانتقاء الطبيعي غير الموجهة) وهي تعتبر التكييف المعاصر للحجة التقليدية لإثبات وجود الله. وقد قام المدافعون عن التصميم الذكي بالتقديم لها على أساس أنها (نظرية علمية تستند على أدلة حول أصل ومنشأ الحياة) وذلك عوضًا عن القول بأنَّها تستند على أساس ديني. وجميع دعاة التصميم الذكي مشتركين في معهد ديسكفري ويعتقدون أن (المُصمم) هو الإله المسيحي. إنَّ القبول العلمي لفرضية التصميم الذكي يتطلب إعادة تعريف للعلم حتى يُمكن قبول التفسيرات الماورائية (الخارقة) للظواهر المادية الطبيعية. وهو نهج وصفه أنصاره بأنَّه واقعية إيمانية أو العلم الإيماني. لأنَّها تضع عددًا من الحجج التي تدعم فرضية وجود مُصمم ومن أهم هذه الحجج، حجة: (التعقيد غير القابل للاختزال) و (التعقيد المُحدد). والمجتمع العلمي يرفض توسيع مفهوم العلم ليشمل تفسيرات خارقة للطبيعة لمصلحة استمرارية قبول (المنهجية الطبيعية). كما أنَّ المجتمع العلمي رفض كذلك مفهوم أو حجة التعقيد غير القابل للاختزال وحجة التعقيد المحدد وذلك لمجموعة واسعة من العيوب النظرية والواقعية. وينظر لفرضية التصميم الذكي في الأوساط العلمية على أنها فرضية زائفة لأنَّها تفتقد إلى العنصر التجريبي فهي لا تقدم أي فرضيات يمكن الدفاع عنها وتهدف فقط إلى وصف وتفسير التاريخ الطبيعي بعوامل وأسباب خارقة غير قابلة للفحص العلمي."(راجع التفاصيل على الرابط المرفق) وسوف نتابع هذه السلسلة في الرد على الدكتور هولي بايبل حول موضوع نظرية التطور.






--------------------------
الهوامش:

طفل له ذيل: http://www.youtube.com/watch?v=BzR-J3C711M
رجل له ذيل: http://www.youtube.com/watch?v=QWHW-jxxS1U
رجل له ذيل: http://www.youtube.com/watch?v=r6Ex2DBDVVo

وجهة نظر البابا الفاتيكان
University of Missouri-Kansas City
http://law2.umkc.edu/faculty/projects/ftrials/conlaw/vaticanview.html

موقف البابا يوحنا بولس الثاني من نظرية التطور
http://biblelight.net/darwin.htm

موقف البابا يوحنا بولس الثاني من نظرية التطور
http://www.newadvent.org/library/docs_jp02tc.htm


بيان نابت حول التطور
http://www.nabt.org/websites/institution/?p=92
بيان الهيئة الأمريكية لتقدم العلوم حول التطور
http://www.aaas.org/news/releases/2006/pdf/0219boardstatement.pdf



التصميم الذكي من موسوعة الويكيبيديا
http://en.wikipedia.org/wiki/Intelligent_design








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 6 / 13 - 21:26 )
يجب أن يعلم الكاتب أن نظريّة : (التطور) هي نظريّه و ليست حقيقه مطلقه مؤكده , يعني : هذه النظريّه ممكن أن تندثر مع جلاء الحقيقه المعاكسه لها .
أنصحك بالإطلاع على هذا الرابط :
http://antishobhat.blogspot.com/2013/06/blog-post_6726.html

اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان