الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات حول البابا الجديد: العلمانية تمنح الدين وجها متسامحا وليس العكس

هويدا طه

2005 / 4 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النقل التليفزيوني الحي.. لحدثي وفاة بابا الفاتيكان القديم، وانتخاب البابا الجديد، لعب دورا كبيرا في لفت أنظار المشاهدين لما يمكن تسميته(الدور المعاصر)للدين- أي دين- في حياة البشر، الآن وبعد أن انتهت تقريبا التغطيات التليفزيونية الموسعة للحدثين، يمكن تجميع عدة ملاحظات.. بدت للبعض جديرة بالتأمل:
أولا: هناك نوع من(التعولم)لقضايا إنسانية.. تخص فئة معينة من البشر دون غيرها- يفرض نفسه عن طريق التليفزيون أساسا- فرغم أنه حدث مسيحي بالدرجة الأولى، إلا أن التليفزيونات في العالم الإسلامي أو الهندوسي مثلا أو البوذي(ويمكن معرفة ذلك.. من المرور بالريموت كنترول على عشرات القنوات التي تأتي على الدِش.. ولا نشاهدها أبدا! لكننا نعرف جنسياتها من اللغة أو الشعار أو الملامح)جميعها تابعت الحدث وبثته، في حالة من التعولم الموّجه، الذي يختص بقضايا تهم الأقوياء، إذ يمكن أن تتساءل.. هل رحيل أو انتخاب كاهن جديد لرئاسة المعابد البوذية، على سبيل المثال، يمكن أن يحظى بنفس القدر من التغطية الإعلامية؟ لماذا إذن كان(البابا المسيحي).. أكثر نجومية؟ ربما يبدو البابا أهم- لا لأنه مسيحي- وإنما لأن غالبية سكان العالم(المتقدم)الذي سبق البشرية إعلاميا وحضاريا.. هم مسيحيون، وهو ما يعني أن(التقدم)العلمي والاجتماعي والديمقراطي.. هو ما منح المسيحية الغربية تلك الأهمية العالمية، وليس العكس، فبم تفترق المسيحية الغربية- كدين- عن الأديان الأخرى؟ كلها أديان.. بكل ما يحمله الدين- أي دين- من رؤى الأسلاف.. وكلها تدور حول الجنة والنار والحياة بعد الموت، والتفسير البدائي للظواهر الكونية، الأهمية هي أهمية الناس أنفسهم.. وليس ما هم عليه من دين ورثوه من أسلافهم بدون(رفاهية الاختيار)، المسيحية الغربية تتمتع باهتمام كوني لأن مسيحيي الغرب هم الأكثر تحضرا وحرية وديمقراطية.. وليس لأنها الدين الأهم..
ثانيا: ربما دهش الكثيرون من حجم الحشود التي تجمعت في ساحة الفاتيكان.. مرة في انتظار إعلان وفاة البابا القديم.. ومرة لمعرفة اسم البابا الجديد، وكانت الكاميرات تنقل(بحرفية عالية)لقطات متنوعة للناس.. أحداهن تبكي خاشعة، وأحدهم يبدو مستغرقا، وآخر يحمل طفله على كتفيه بينما يحملق نحو نافذة غرفة البابا، وكثيرون شاردون.. لتقترب اللقطات أكثر على العيون الساهمة، والوجوه المتعبة الحزينة.. هذا المشهد ظل ينقل يوميا تقريبا إلى أنحاء العالم، ليفرض تساؤلات حائرة: ما الذي دفع هؤلاء إلى هذا الاهتمام بوفاة بابا وانتخاب آخر؟ ما الذي يجذب هؤلاء إلى الدين مرة أخرى، بعد أن تمردت عليه أجيالهم الأسبق، منذ نجحت أوروبا في عصر النهضة.. في تهميش دور الكنيسة المتوحش الشرس، الذي كان مهيمنا على حياة الناس خانقا لها، قاتلا لأي إبداع وأي حرية في التفكير.. معاقبا لأي شك من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة لا حصر لها، ربما.. الثمن الذي دفعه أبناء الغرب لتحقيق هذا التقدم المذهل على كل المستويات.. هو الاستيقاظ ذات يوم في مطلع القرن الواحد والعشرين.. ليجدوا أنفسهم تروسا في(ماكينة)تعمل بلا هوادة.. بلا توقف، أسرى لنظام يعمل بانتظام آلي بارد مخيف.. يفتقد إلى دفء التوقف لحظة للاسترخاء.. ومراقبة السماء.. لعل وراءها عرشا مجيدا! فالتقدم الغربي وإن قام على أسس ٍ من الحرية والديمقراطية.. يحسدهم عليها باقي سكان الكوكب، إلا أنه يفتقد- بدرجة أو بأخرى- لشيء من(العدالة)شيء من(التراحم الإنساني)، فهل تراجع(سطوة المقدس)كانت السبب في هذه الآلية غير الإنسانية؟ أم هي الرأسمالية المقيتة.. التي صحيح جعلتهم يحققون تقدما مذهلا.. والتي صحيح جعلتهم يتوسلون طرقا ديمقراطية وحرية إبداع بلا حدود.. لكن بطريقة(المنافسة الضارية)، المنافسة الشرسة الطاحنة.. التي تقوم على(استغلال الإنسان لأخيه الإنسان)والتي أنهكت الغالبية.. وجعلتهم يفكرون مرة أخرى في مقولة(لعل المسيح ينقذني)! والأمل في المسيح- لا في غيره- ليس نتيجة بحث مثلا، وإنما يسببه فقط أنهم(ورثوا المسيحية)ولا يعرفون غيرها، ففي ظل فشل التجارب الاشتراكية المبتدئة التي جربتها البشرية لوهلة من الزمن، وبدت فيها كتجارب قبيحة، لا ترضي حاجة الإنسان لكليهما معا(الحرية والعدالة)، وفي ظل عجز البشرية- حتى الآن- عن ابتكار نظام(يلغي)الاستغلال من حياة البشر.. دون أن يوقف الإنتاج والتقدم وحرية الإبداع، تناسى هؤلاء المتقدمون المنهكون أن المنقذ المتواري وراء السحب.. يوكل عنه(بشرا مثلهم).. سرعان ما ينقلبون إلى وحوش.. تستغلهم استغلالا وصلت بشاعته إلى.. دفع أجدادهم للثورة عليهم وتحطيم أيقوناتهم قبل قرون، ليعود الأحفاد اليائسون مرة أخرى- في دورة تاريخية صارمة- ودون الانتباه لما فُعل بأجدادهم في الماضي.. إلى الحنين لمنقذ ٍ.. يأتيهم من السماء!
ثالثا: استجابة مسيحيي الغرب للحدث تطرح تساؤلا آخر.. ما هي طريقتهم في(التعاطي)مع فكرة الدين.. في القرن الواحد والعشرين؟ أو بمعنى آخر.. هل جاءت تلك(الصحوة المسيحية)بحالة هستيرية من العنف تجاه الآخر غير المسيحي؟ هل قسموا العالم مثلا إلى(فسطاطين)أحدهما مسيحي يجب أن يعيش.. والآخر غير مسيحي يجب أن يقتل؟ مسيحييو الغرب(والحديث هنا عن.. الناس.. المسيحيين الغربيين العاديين وليس حكوماتهم ودولهم الاستعمارية).. ينزعون إلى(تدين معاصر)بالانفتاح على(الآخر غير المسيحي)؟ الديانة المسيحية القديمة الشرسة لن تعود أبدا.. فقد روضتها العلمانية.. أعظم إنجاز فكري بشري.. ومنحتها وجها متسامحا.. وجعلتها دينا(روحيا بحق)رغم ما يحتويه في أفكاره اللاهوتية من أفكارٍ.. عفا عليها الزمن وفضحها العلم والعقل! ولم تعد الديانة المسيحية- في ظل العلمانية- منظومة قيمية تقتل وتخنق وتحاصر كما كانت في العصور الوسطى، لهذا يبدو مسيحيو الغرب(لطفاء)! يتحدثون عن.. المحبة.. التسامح.. الرفق.. الرحمة.. إلخ! ولم يخرج من بين(المتدينين الجدد).. من يطالب بإنشاء(دولة دينية).. فهو يريد أن يتسامى روحيا بسبب قسوة المادية التي يعيشها.. لكن في إطار دولته العلمانية.. المنفتحة.. الحاضنة للجميع.. من المتدينين إلى الملحدين.. وحتى المجانين! بينما في بقاع ٍ أخرى من العالم.. ينادي أصحاب(صحوة أخرى)بقتال المختلف دينيا حتى يذعن! العلمانية تحتمل الجميع.. حتى هذا الصنف من المتطرفين الدمويين.. من أصحاب الديانات الأخرى، الذين يشوهون تسامح دينهم الأصلي بتطرفهم، فمن لندن التي تحتضن لاجئين إسلاميين.. يعيش بعضهم بطفيلية منقطعة النظير على معونات بريطانيا.. ومع ذلك يتهمونها بالكفر، خرج أحدهم ذات يوم على شاشة إحدى الفضائيات العربية.. واصفا طريقته في فهم التعاطي المعاصر مع الدين الإسلامي بقوله: الإسلام شجرة.. لا تروى إلا بالدم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa


.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم




.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك