الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع عربي أم شتاء سلفي ؟!

رياض حمادي

2013 / 6 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الثائر طاهر حتى تثبت نجاسته بدعم سعودي قطري !
عبارة "اختر أهون الشرين" تقال في موقف المضطر للاختيار . لكن مقام الثورات له مقال أو خيار آخر ثالث إن لم تكن خيارات أخرى . من ضمن هذه الخيارات هي عدم الاختيار , لأن الخياران المطروحان على ساحات الثورات لا يجمع بينهما الشر فقط بقدر ما يجمعهما القذارة أو النجاسة . وهنا تتساوى النجاستان , الثوار والأنظمة , حتى لو كان أحدهما أهون من الأخر !

دعم الثورات من الخارج ليس أمراً جديداً مرتبطاً بثورات الربيع العربي , وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها , فقد دعمت مصر ثورة 1962 اليمنية كما دعمت مصر عبدالناصر ثورات أخرى حول العالم . وكذلك فعلت كوبا و أرنستو تشي جيفارا الذي ترك مقاعد السياسة الوثيرة ليلتحق بثورة الكونجو ثم ثورة بوليفيا . وكذلك فعل الشاعر الإنجليزي جورج لورد بايرون – أحد أعمدة الحركة الرومانسية الإنجليزية والأوروبية – عندما انضم في عام 1823 إلى اللجنة الثورية اليونانية التي كانت تقاوم الاحتلال التركي وظل على ذلك الحال حتى توفي عام 1834 . والأمثلة على الدعم الفردي والمؤسساتي والدولي لثورات التحرر كثيرة . لكن هذا الدعم أتى من جهات تؤمن بقيمة الحرية والتحرر لأنها تمارسه فكراً وسلوكاً .
الجديد دعم الثورات التي تطالب بالحرية من قبل أنظمة ودول قمعية ديكتاتورية لا تعرف للحرية في بلدانها طعما ولا لون ولا رائحة . والجدير بالملاحظة أن الثوار الذين تلقوا دعما من أمثال هذه الدول لم يعرفوا وقد تمكنوا من طرد المحتل , أو إسقاط النظام المعتل , طعما للحرية ولا للاستقرار ! ولنا في أفغانستان والعراق خير مثل ! كما أن لنا في ثورة 26 سبتمبر 1962 اليمنية وتدخل السعودية في تغيير مسارها سلباً , مثال آخر . وهو ما يعني أن لثورة 2011 نفس المآل . والسبب ليس لأنها نصف ثورة أو شبهها , بل لأنها تلوثت بنجاسة التدخلات الخارجية التي لم تكن تهدف تحقيق أهداف الثورة بل تغيير مسارها .
يقبل منطق السياسي ازدواجية هذه الدول وموقفها من ثورات "الربيع العربي" حين تدعم ثورات وتقمع أخرى . لكن المنطق نفسه تحالفاً مع منطق الشاعر , يشير إلى نجاسة هذه الازدواجية وبالتالي إلى نجاسة أي ثورة ترتبط بها !
عرف العالم العربي مصطلح "الربيع العربي" في عام 2005 "عندما اجتاحت مصر ولبنان مظاهرات مناهضة" . نسبة "العربي" إلى الربيع هي الجديدة , أما مصطلح "ربيع" لوصف أحداث وتحركات ثورية فليس بالجديد . فقد ظهر في عام 1968 م في براغ "لما سمي آنذاك بربيع براغ , عاصمة تشيكوسلوفاكيا . فعندما فشلت إصلاحات الرئيس التشيكوسلوفاكي انتونن نوفوتني في إنعاش الركود الاقتصادي , أقدمت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي على التصويت بنزع الثقة من الرئيس , وعلى إثر ذلك وفي ربيع عام 1968 من شهر إبريل نشرت اللجنة المركزية سجلات مبرزة ضعف مستوى المعيشة والإسكان والنقل , ثم دعت اللجنة أعضاء الحزب إلى التمرد على سياسة الحزب الحاكم" . تلك كانت الخلفية التاريخية للمصطلح . لكن يبدو أن ربيعنا قد تحول من ربيع عربي إلى ربيع سلفي أو شتاء قارس كما توقع بريماكوف .

أعتقد بأن الحماس هو ما دفع كثير من المنظرين والمحللين السياسيين إلى القول بتفاجُأ الولايات المتحدة الأميركية بثورات الربيع العربي . لكن واقع الحال السياسي يقول بأن أميركا تبشر بالتغيير منذ مطلع القرن الواحد والعشرين وتصرف في سبيل تحقيقه على المنظمات والمؤسسات والأفراد والتيارات السياسية الملايين من الدولارات ! وقد كانت البداية بتغيير الأنظمة بالقوة الأميركية كما فعلت مع نظام صدام ونظام طالبان , لكن نتائج هذه السياسة جعل أميركا تعيد حساباتها في هذا النوع من التغيير . الأكثر دهشة – في استبعاد معرفة أو علم أميركا المسبق بثورات الربيع العربي - هو أن معنى تحليلهم هو أن أميركا - ودول الغرب المتقدم عموماً - انتقلت من دولة تمارس الفعل السياسي , الذي يقتضي التخطيط ووضع الأجندات والسيناريوهات , إلى دولة تمارس رد الفعل السياسي حين تتفاجأ بانتفاضات "الربيع العربي" لتقرر الاستفادة منها لاحقاً ! لكن يبدو أن مكانة أميركا في تراجع وتفاجئها هذا ربما يكون مؤشر إلى تحولها إلى دولة تشبه الدول العربية التي لا تمارس الفعل ولا رد الفعل السياسي وتكتفي بالتأمل !
لنعد لمطلب الخيارات المتاحة ومنطقها . ليس بيد الثوار من خيار سوى الاستعانة بالدعم الخارجي ولو كان نجساً في سبيل القضاء على نظام متعفن وفاسد وقامع للحريات . فمن المستحيل عليهم مواجهة نظام , يستخدم الأسلحة الفتاكة , إلا بأسلحة مثلها , وهذا لا يتأتى دون دعم خارجي . وطالما أن يداً أو أيادي امتدت لهم بالعون فعليهم أن يصافحوها ولو كانت نجسة ولها مطالب مؤجلة . وهذا منطق سليم نضيف إليه آخر – لن نختمه بأي علامة تعجب - يقر بأن هذه دول نجسة لكنها تريد أن تتطهر بدعمها لثورات التحرر . ومنطق ثالث يقول : ليس بمقدور الثوار إسقاط النظام بطرق سلمية , كما أن شرط توفر وعي ثوري وفلسفة ثورية تنويرية بمرجعية الحرية غير متاح , ويتطلب زمن ليس باليسير .

السبب في سلامة المنطق أعلاه مرتبط بطبيعة السؤال المطروح وهو في هذه الحالة عن , كيفية التخلص من الأنظمة الفاسدة بأنظمة فاسدة أخرى . لكن السؤال عن النتيجة المتوقعة كفيل بتقويضها جميعا , وهي نتيجة واحدة لا تتغير . صحيح أن شكل ورود الربيع وربما رائحتها ستكون واحدة , فهي لا تفرق بين مياه المجاري ومياه زمزم . لكن جوهرها مختلف . وصحيح أنها ستتفتح , لكنها لن تتفتح حرية . السبب يكمن في البذر , فمن يزرع حنظل لا يحصد عنب كما يقول المثل . مع ذلك علينا أن نعترف أن هناك ثوار زرعوا حرية ويأملون في حصاد ما زرعوه , لكن هناك أيضاً أغلبية من الثوار يزرعون أو يبذرون , لحى و "الله أكبر" , وطموح دول دينية مذهبية وطائفية , وهؤلاء لن يحصدوا سوى ما زرعوه .
يبدو من وجهة نظر المصطفين مع خيار الثورة أيا كانت عواقبها أن خيار الصمت يخدم النظام ولا يخدم الثورة . خصوصا إذا كان الصامت مثقف أو مفكر كبير فهنا يتحول الصمت إلى عار . إذ عليه , في ظل غياب شرط الثورة الناجحة , أن يختار , وإلا وصم بوصمة "مثقفي الانتظار" !

هي إشكالية عويصة , ومن قال بأنها مشكلة أو معادلة سهلة قابلة للحل بمنطق "اختر أهون الشرين" ! . إما البقاء في جحيم النظام أو الاعتماد على قوى لها مصالح ليس من بينها بلوغ الحرية . ويبدو أن الخيار بالنسبة لمن اختار طريق الثورة على شكلها الموصوف سهل , وفق منطق آخر يرى أن الفرصة مواتية لتحطيم صخرة النظام الكاتمة للنفس, لكن ربما تغيب عن أعينهم صخرة أخرى قد تشبه سابقتها وقد تكون أبشع . لكن من يدري فقد يأتي الأمل من خلال هذه الصخرة الأخيرة , كما بشرنا هاشم صالح . فالشفاء من مرض الدولة الدينية قد يكون بتناوله أو بتجريبه . لكن ما لم يقله لنا صالح أن هناك نسخا كثيرة من هذا المرض يلزمنا تجريبها لنصل لنتيجة تحييدها جانباً بعد عمر طويل . وقد لا نصل إلى هذه النتيجة في ظل تفعيل المقولة التبريرية السائدة في أن "العيب أو الحجة ليست في الدين أو في نسخه الكثيرة وإنما في المتدينين" ! أو أن العيب ليس في الوصفة وإنما فيمن يطبقها ويتناولها !

حجة الفرق بين النظرية والتطبيق جاهزة دائما لتبرير أي فشل إسلامي . في هذه الحالة قد يكون من السهل إشعال ثورة على نظام سياسي ديكتاتوري , يوظف الدين أو لا يوظفه . وقد يصدق عليها ما قاله المفكر عزمي بشارة , نقلا عن برهان غليون , في أن الثورة على الدول التي توظف الدين قد يتخذ شكل ثورة على الدين . لكن هل سيجرؤ المسلمون على الثورة على إسلامهم أو بالأحرى على دولتهم الإسلامية , في ظل التبريرات السابقة , التي تضع الحق على المسلمين لا على الإسلام ؟!

خاتمة : قصيدة ساحة لصلاح الدين الدكاك :

ولغت فيها الكلابُ
فاغسلوها سبع مرات بماء وتراب
اغسلوها يا شباب
علها تبرأ من رجس المرابين ,
وثوار المنصات ,
وفرسان السباب
اغسلوها يا شباب
واقطعوا كل خراطيم اللعاب
علها تغدوا – كما شئنا –
فضاءً لارتياد الكون ,
لا جحراً لمرضى الاكتئاب
***
ولكي تسقط هذه السلطة الحبلى
بعشرين ” علي , وعلي “
وبها عشرون جيشاً ,
ولها مليون باب
اكسروا هذا البيات الأزلي
واعقروا ناقة مبعوث السراب
واهجروا مصحف نجدٍ
واشهروا طهر النبي
لا الدعاء المستجاب
واذهبوا الآن – إلى أقصى
مُتاحات الذهاب
نحن لن نمكث في الساحات
بالقطع – إلى يوم الحساب
فلقد ثرنا وفي الثورة لا دور إياب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية