الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي

إبراهيم حسن

2013 / 6 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في مستهل حديثه، لم يكن من المتوقع كعادته أن يسترجع التأريخ ليجعلهُ حاضراً لفهم حركة الهوية العراقية بصورة عامة وصيروراتها. حيث يبدأ البروفيسور د.قيس النوري في بحثه الموسوم : الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي بقوله (( في مطلع القرن العشرين، كانت دائرة الروابط القرابية والعشائرية تهيمن على عملية التبادل والتضامن الاجتماعي، في المجتمع المحلي في العراق. ومن الطبيعي إن التبادل الاجتماعي في تلك الحقبة كان في ابسط أشكاله لا يتعدى عملية الأخذ والعطاء في نطاق اقتصاد الفقر والكفاف واحتياجاته )). وبهذه المقدمة الموجزة يبدأ البروفيسور النوري حديثه عن العلاقات العشائرية والقرابية التي كانت تشكل دعامة من دعائم التماسك الاجتماعي في المجتمع العراقي آنذاك. غير إنها وبحسب د.النوري كانت داخل العشيرة الواحدة. بحيث إن قوة التنظيم الداخلي الذي يتبلور على شكل تضامن آلي كانت لا تتجاوز حدود العشيرة الواحدة، خصوصا إزاء أهل المدن، حيث كانت نظرة أهل العشائر إلى أهل المدينة نظرة مريبة بالإضافة إلى ضعف الروابط الاجتماعية بين المدينة كحاضرة إنسانية وبين الريف كثقافة متجذرة لا تسمح بإي تغيير. مما سوّغ لأهل العشائر حصر الزواج بالأقارب فقط ( الزواج الداخلي ) الامر الذي قوض عملية التواصل والتفاهم بين المدينة والريف في المجتمع العراقي. وفي ظل هذا الانطواء العشائري تطوّرت المدينة وازداد انفتاحها على العالم الخارجي في ظل نظام مؤسساتي قائم على علاقات مهنية ومصلحية غير قرابية او عشائرية. مما جلعنا اما تيارين - بحسب النوري- الأول يمثل العشيرة وتقاليدها فضلا عن انكفاءها على ذاتها. والثاني يمثل الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. والظاهر من تحليل الدكتور النوري هو انه يعالج هذه الموضوعة من زاوية الانثروبولوجيا الحضرية وكيف يمكن لها ان تستقطب ابناء الريف وما يصاحب ذلك من صراع وتغير في القيم الاجتماعية. إن عملية التحضر والتمدّن سرعان ما تزايدت مع بداية تأسيس الدولة العراقية في مطلع القرن العشرين. وبذلك انتعشت الطبقة الوسطى وتأسست المنظمات المدنية وغيرها مما أدى إلى دخول العراق إلى مرحلة الحداثة - كما يقول النوري. وهي مرحلة يكون فيها المجتمع مهيئاً للتغيير ( تقدماً او نكوصا ) طالما ان هناك تفاعل وحراك داخل هذا المجتمع.
* الإطار النظري للتبادل
يرى د. النوري وبحسب ملاحظاتهِ الميدانية حول أنشطة التبادل في المجتمع المدني في العراق أن بإمكانهِ تحديد محورين رئيسيين بهذا الخصوص : الأول يتمثل بالمحددات الاجتماعية للتبادل.. بينما يتحدّد الثاني في الصعوبات المنبثقة من المشهد الاقتصادي، حيث تحولت القيم في المجتمع العراقي، وأصبحت المنافع الفردية تتغلب على المنافع المجتمعية. ورغم تعدد أشكال ودوافع التبادل في كافة المجتمعات الإنسانية إلا إن د. النوري يحدد نوعين له. الأول يُطلق عليه التبادل القصير المدى. والثاني التبادل البعيد المدى. الأول يغلب عليه طابع الأنانية وحب الامتلاك . في حين يُعنى الثاني بإعادة إنتاج النظام الاجتماعي . بحيث يسعى إلى تعزيز المصلحة المجتمعية . وبالتالي فالذي يريد أن يقوله الدكتور النوري، هو إن هناك قوتان تتصارعان في الواقع المجتمعي. قوة المنافع الذاتية - الشخصية ( الأنانية ) وقوة المنافع المجتمعية التي تهدف إلى تعزيز الرفاهية والاستقرار في المجتمع. بحيث إن كل قوة تعمل في ضوء سياقاتها الخاصة في المجتمع. لكنهما يعملان سوية لضرورة التكامل.
وهنا يتساءل الدكتور النوري : هل للديموقراطية دور في تفعيل الحراك الاجتماعي ؟
الاستدراك في هذه النقطة من قبل الدكتور النوري مطلوب. وهو إنما جاء ليفسّر حركة كل من تيار المنافع الشخصية وتيار المنافع المجتمعية أولا، والتحولات التي شهدها المجتمع العراقي في بنيته بحيث تحوّل تدريجيا من نموذج القبيلة إلى نموذج الدولة ثانيا. بحيث إن النموذج الأخير هز دعائم الحياة الريفية وغيّر من طبيعتها الا انه لم يزلها كما يرى النوري. كذلك فإن الحاضرة المدنية ما زالت تلاحقها السمات الريفية في بعض من أوجهها الثقافية . وان كل هذا الحراك برأي الدكتور النوري انما يفسّر انفتاح المجتمع العراقي على كل تيارات التغيير : التحديث- العولمة – التكيف- التحضر الخ. -
إن التبادل - التثاقف بين المدينة والريف في المجتمع العراقي ما زال موجوداً غير إن المؤشر لصالح اتساع الرقعة الحضرية يبدو واضحاً. وذلك لأن مجالات التبادل والتثاقف والحرية والانفتاح كبيرة في البناء الاجتماعي الحضري بعكس البناء الريفي الذي تغلب عليه صفة الجمود والتضامن الآلي وطريقة تنسيب الأعمال والمراكز الاجتماعية. بحيث ان التحضر بصورة عامة اضعف من سيطرة القرابة على البناء الاجتماعي وحل بدلاً عنها التخصص المهني. مما فتح المجال أمام علاقات اجتماعية جديدة وتعامل من نوع آخر وفرص زواج خارجي، مما أسهم في زيادة الوشائج الثقافية التي تربط أبناء الحاضرة المدنية، الأمر الذي انعكس إيجاباً في تدعيم الوحدة الوطنية.

* الهوية وحركية التبادل
في هذه الجزئية يرى الدكتور النوري إن العلاقة العضوية بين التبادل الاجتماعي بشكليه وبين الهوية بدت واضحة. والمقترح النظري لتفسير ذلك كما يرى النوري هو نظرية ثنائية التبادل التي يرى د. النوري أنها تتيح حل عملي يتمثل في نمو المساحة الحضرية - الوطنية على حساب المساحة العشائرية التي أصبحت هامشاً. بحث إن امتداد مساحة الوسط الحضري والوطني تزيد من رقعة التبادل بعيد المدى على حساب مساحة التبادل قصير المدى. استدعى ذلك عقلنة الهوية العراقية وإغناء رؤيتها الكونية وتعميق قدراتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وفي سياق العلاقة بين العشيرة - القبيلة والدولة يبدو التبادل القصير المدى غالباً ما يستهوي الأفراد الاقل تعليماً وتحضراً، وذلك لتفضيلهم مصالحهم على المصلحة العامة.و إن سمات هذا النموذج التبادلي هو الانفعال والعاطفة بحيث تسيطران على العلاقات القرابية بين أفراد أصحاب هذا النموذج.
ولا يفوت الدكتور النوري انّ يشخّص سلبيات هذا النموذج التبادلي وما يمكن أن ينعكس على المجتمع من تبعات. بحيث إن أصحاب هذا النموذج يفضلون المنافع السريعة و - الآنية على المنافع الكبيرة ذات الامد البعيد. مثل تفضيل بعض الطلاب التخرج من دورات المعلمين السريعة بدلاً من التخرج من الكلية والانتظار لأربعة سنوات. وهذا يعد عائقاً أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كذلك فإن ممارسة هذا النموذج من التبادل قد يلحق الضرر بالمؤهلات والقدرات العلمية التي ربما تتطلب وقتا وصبراً كبيرين. أما نموذج التبادل الاجتماعي البعيد المدى فهو ينسجم مع مصلحة المجتمع – برأي الدكتور النوري. ويسهم في تدعيم بناءه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ويسهم في تدعيم عملية التنمية. وكذلك يسهّل هذا النموذج عملية التقارب بين المكونات الاثنية أو الوحدات الاجتماعية داخل المجتمع الكبير.

ويخلص د. النوري إلى مجموعة من الاستنتاجات التي يختم بها بحثه ويمكن اختصارها ومناقشتها بالاتي :

أولاً: يرى الدكتور النوري إن الفرد العراقي ممكن أن يتوسّع نطاق تفكيره مع تحسن مستوى تعليمه ، وهذا بالتأكيد يدعم نموذج التبادل البعيد المدى . مما يؤدي بالنهاية الى التقارب بين المكونات والى تغليب المصلحة العامة على المنفعة الشخصية وتبلور الحس الوطني بدل الحس الطائفي أو العشائري.
ثانياً: بإمكان منظمات المجتمع المدني ان تساهم في رفع مستوى وعي الافراد وتدعيم الرؤية الكونية الوطنية بدل رؤاهم العشائرية الضيقة. وهذا يتم عن طريق الندوات والمؤتمرات التثقيفية الخ.
ثالثا: للديموقراطية - حديثة العهد في العراق - دور كبير ممكن أن تساهم به في تفعيل الحراك الاجتماعي مما يساهم في تغيرات بنيوية في المجتمع تنعكس ايجابا بالتأكيد.
رابعا: من المؤمّل في ظل انفتاح العراق والتغييرات التي حصلت أن يتم رفع مستوى المرأة التعليمي والفكري مما يساهم في تنمية المجتمع أكثر والتقليل من نسبة الامية وردم الفجوة بينها وبين الرجل مما يساهم في بناء اسرة متماسكة وواعدة.
خامساً: يمكن للمواطنة العراقية أن تكون اكثر عقلانية وواقعية بحيث تلامس الواقع في ظل توفر الحرية وانفتاح العراق فضلا عن التأثيرات الخارجية والاستفادة من التجارب الناضجة السابقة والمعاصرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د.قيس النوري: الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي، مجلة بيت الحكمة - دراسات اجتماعية - 2005
ـــــــــــــــــــــــــ
عرض ومناقشة : إبراهيم الساعدي
باحث في الانثروبولوجيا - بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة