الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الأفكار المعلبة والبحث عن الذات

عبدالحليم حفينة

2013 / 6 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان لإلغاء الخلافة العثمانية في مارس 1924 أثرًا كبيراً في زيادة الحراك الفكري في المجتمعات الإسلامية، فبرز دور حركات فكرية مؤيدة لفكرة إلغاء الخلافة وتطالب بالعلمانية والحداثة، وعلى الجانب الآخر ظهرت حركات أخرى كرد فعل "عاطفي" لإلغاء الخلافة؛ كجماعة الإخوان المسلمين التي قامت دعوتها على حلم الخلافة "أستاذية العالم"، ومن هذا التاريخ ونحن نعيش في جدل لا ينتهي، وكل فصيل ينادي بفكرته ويدعي أنها الحق المطلق، وأنا ما دونها إما كفر وضلال أو إما رجعية وتخلف، وأنفقنا في هذا الجدال زمنًا طويلًا تأخرنا خلاله كثيرًا عن ركاب العالم المتحضر.

المشكلة الحقيقية تكمن في النظرة الضيقة والسطحية للأمور من جميع الأطراف، فجميع الفرق المتناحرة، لا تنظر إلى المصلحة العامة بقدر ما تنظر إلى مصلحة أفكارها ومدى إنتصارها، الجميع يفضل أن يخوض معارك لا يملك فيها إلا التعصب لفكرة لم يبتكرها أصلا، ولم يجتهد حتى لتطويعها لتناسب الزمان والمكان، فنرى مثلًا في التيار الإسلامي تعنتاً شديداً ومهاجمة شرسة للخصوم تصل لحد التكفير لأنهم يروا من وجهة نظرهم أن هؤلاء يعادوا الدين ويرفضوا تطبيق الشريعة، والحق أن هذا التيار برمته يدافع عن الثقافة البدوية الآتية من الصحراء لا عن الدين الإسلامي الحضاري.

وتجد في الطرف الآخر العلمانيين الذين لا يتورعوا عن وصم كل مُختلف معهم بالتخلف والرجعية وأنه عدو للحضارة والحداثة، والحق أن هذا التيار أيضاً يدافع عن فكرة لم يبدعها بل فضل أن يستدعي فكرة معلبة نجحت في ثقافة غير ثقافتنا وحتى نجاحها جزئي مرتبط بالمادة أكثر من إرتباطه بالإنسان.

الجميع فضل الأفكار المعلبة الآتية من ثقافات وأزمنة غير التي نعيشها، فضل أن يحارب في معركة ليست معركته من الأساس وترك دوره الحقيقي في أن يُشخص مشاكلنا ويبحث لها عن علاج مناسب.

وبين أولئك وهؤلاء تظهر لنا بارقة أمل، فنرى مفكرين من خارج هذا السياق، إنشغلوا بالمشكلات الحقيقية لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، بحثوا عن حلول لمشكلات حقيقية من خارج إطار تعليب الأفكار، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الراحل العظيم الدكتور عبدالوهاب المسيري والمفكر البديع الدكتور جلال أمين، ومن جيل الشباب الدكتور عمار علي حسن وبلال فضل وغيرهم الكثير من المفكرين الذين ينادون بالحداثة في إطار تراثنا وحضارتنا، والعجيب هنا أنك ستجد لكل هؤلاء المفكرين المستنيرين مواقف ضد أنظمة الحكم المستبدة، وستجد تطابق شبه تام بين مواقفهم وأفكارهم، عكس بعض المتطرفين سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين، فمعظمهم إما يرتمي في أحضان الأنظمة أو يتاجر بمعارضتها.

وما دفعني لطرح هذا الموضوع هو مشاهدة تبدو لي خطيرة، وهي إنجراف كثير من الشباب في صراعات الأفكار المعلبة، دون أن يُكونوا أراء خاصة تعبر عن قناعات إكتسبوها من خلال القراءة والإطلاع على كل الأفكار والأراء لا من خلال الحماسة والإفتتان بشخصيات وشعارات، وهنا تتجلى حتمية القراءة والمعرفة لبناء مجتمع يوازن بين التراث والحداثة، ولهذا أتمنى أن يكون العلم نبراس الفترة القادمة من تاريخ أمتنا، وأن نتجاوز فيها الأفكار البالية التي أذابها الزمان بين طياته، هذا إذا أردنا أن نُعلي مصلحة أوطاننا فوق أي إعتبار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني