الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هشاشة المعرفة

فريدة النقاش

2013 / 6 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تفاقمت بعد صعود الإخوان إلي السلطة ظاهرة تديين السياسة وتسييس الدين، وتجلت هذه الظاهرة في المؤتمر الحاشد الذي نظمه الإسلاميون لمناصرة سوريا بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه سوف يمد المعارضة السورية بالسلاح.

وباصرارهم علي أن الأديان هي نهاية المعرفة في السياسة كما في الأدب والعلم والفلسفة، وأن الدين الاسلامي علي نحو خاص ـ لأنه ديننا ـ هو أكمل أشكال المعرفة الانسانية يحبس دعاة الإسلام السياسي الذين يحكموننا أنفسهم بل ويسعون لحبس المجتمع كله في هشاشة المعرفة، ويصبح النقد الثقافي علامة علي حكمهم.

يحدث هذا بينما أصبحت إدارة المعرفة تمثل إحدي التطورات الثقافية الفكرية الغنية المعاصرة عقب ظهور عدد من المفاهيم والنظم الإدارية الجديدة التي تنعكس علي مجالات كثيرة منها مجالات الحكم والسياسة رغم أنها موجهة لمجال إدارة الاعمال، مثل إدارة الجودة الشاملة، وإعادة الهندسة، وإعادة الهيكلة.. إلخ.

ويري علماء الإدارة أن إدارة المعرفة اصبحت علامة علي مجتمع يسمونه مجتمع ما بعد الرأسمالية يدار فيه رأس المال والخامات وغيرها من عناصر الانتاج ادارة جديدة ووفقا لهذه العلوم التي تطورت والتي يجري تدريسها في الجامعات وتتغير مناهج التعليم طبقا لها.

ولابد هنا من التوقف امام وصف هذا المجتمع بأنه ما بعد رأسمالي وهو وصف غير دقيق لانه في حقيقة الأمر مجتمع رأسمالي متطور بامتياز أو ما سماه احد المفكرين بمجتمع الدراسة العليا ذلك أن العلاقات الاجتماعية فيه مازالت قائمة علي الاستغلال في العالم كله حيث يحظي ما يسمي بالخمس الذهبي فيه أي 20% من سكانه بأربعة اخماس الثروة ويحظي أربعة الاخماس الآخرون بالخمس الباقي منها.

ورغم هذه الحقيقة المؤلمة والساطعة، ورغم الطاقات البشرية الغنية الهائلة والمهدرة بسبب الفقر والبؤس والمذلة فقد حققت الانسانية طفرات هائلة في ميدان انتاج العلم والمعرفة وتطورت متوالية هندسية في العقود الاخيرة بسبب ثورة الاتصال والانجاز اليومي الذي تتوصل اليه.

ويقودنا هذا الانجاز الي قضية الهشاشة المعرفية والفقر الثقافي الذي تعاني منه في هذه الايام كل المجتمعات العربية التي أدت الثورات الديموقراطية فيها الي صعود الاسلام السياسي إلي السلطة لأن قوي اليمين الديني كانت في كل هذه البلدان هي الأكثر تنظيما والاكثر ثراء من كل القوي الاخري بما فيها قوي الثورة ذاتها فإذا كانت قوي الثورة خاصة من الشباب قد نهضت في هذه البلدان وانجزت مهمتها في مواجهة حكم الاستبداد فإن قوي اليمين الديني كانت قد انتعشت موضوعيا في احضان الاستبداد خلق لها بيئة مواتية احتضنتها باغلاق كل الأبواب أمام القوي الديموقراطية والمدنية، وهكذا تفشي اليمين الديني رغم التناقض الظاهري بينه وبين نظم الحكم الاستبدادية وأهل نفسه للانقضاض علي السلطة فور سقوط الاستبداد.

المهم ان اليمين الديني واصل رسالته التي بدأها قبل الوصول إلي السلطة في تجفيف كل منابع الفكر الحر، وتحريم النقد باسم السمع والطاعة وانشاء مناخ التكفير للمخالفين وتعميم الفكر الجبري في مواجهة الاسئلة وتاريخيا كان الفكر الجبري في الاسلام من ابتكار بني أمية تبريرها لطغيانهم.

ويشهد المصريون الآن استبدادا جديدا باسم الدين يرتبط وثيقا بمخطط افقار الثقافة وهشاشة المعرفة.

وربما يكون شخص وزير الثقافة الجديد تجسيدا لهذا الفقر الثقافي والهشاشة المعرفية هذا اضافة إلي أنه يواصل بثبات تطبيق الاجندة التي جاء بها من دهاليز وكتب الارشاد هذا المكتب الذي يرأسه احد تلاميذ سيد قطب بمنظومته الفكرية المتطرفة والتكفيرية والتي تعادي الثقافة الحديثة باعتبارها حراما ولا تعترف سوي بعلوم الدين والفقه المنظور اليها من الموقع اليميني المعادي لحرية التفكير والتعبير وقد كانت مصادرة حرية التفكير والتعبير في ظل نظم الاستبداد أداة لوأد جهود الاصلاح الديني عبر العصور.

وهو ما وضع كل القوي الديموقراطية والحديثة في مأزق تاريخي يخص علاقتها بالجماهير.

أوقف وزير الثقافة الجديد مهرجان السينما بعد ان تم الاعداد له وبعد ان كان قد دخل في السجل العالمي للمهرجانات كواحد من أهمها، كما بات مصير جوائز الدولة السنوية التي انطلقت في البلاد منذ الستينيات غامضا ولا تعرف لجان المجلس الاعلي للثقافة بعد مصير هذه الجوائز ومثلما أطاح الوزير ببعض أهم وألمع المثقفين المصريين من مواقعهم مدعيا انهم فاسدون رغم انه لم يقدم ادلته علي هذا الفساد يتربص الآن بالمجلس الاعلي للثقافة بلجانه ونشاطاته وهو المجلس الذي يقوم عليه ما يقارب الألف من المثقفات والمثقفين المصريين من كل الاجيال حيث يكرسون معارفهم ومواهبهم واوقاتهم لخدمة الثقافة المصرية وتمهيد التربة للاجيال الجديدة من المثقفين والمبدعين وفتح الابواب لتهب رياح الفكر الحر علي البلاد بعد ان حاصرها الفكر التقليدي النصي الذي ازداد شراسة بعد صعود اليمين الديني إلي السطة وجهوده المستميتة لفرض الاظلام الشامل علي العقول حتي تسهل لهم قيادة البلاد وإرغامها علي السير في الطريق الذي اختاروه أي طريق الاستبداد الشامل باسم الدين طريق الافقار المادي والمعنوي للجماهير وقطع الطريق علي علاقتها بمبدعيها ومثقفيها عبر هشاشة المعرفة وتكفير الابداع.

ولكن الملايين التي وقعت علي وثيقة تمرد سوف تقف بثبات ضد المشروع الجهنمي الاخواني القائم علي هشاشة المعرفة وافقار الثقافة لانها تفتح باب الامل للتغيير وهي تتوجه صوب اهداف ثورة 25 يناير عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة انسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إشكالية هذه اللحظة التاريخية
حسن نظام ( 2013 / 6 / 19 - 06:57 )
الشكر موصول للرفيقة القيادية لهذا المقال المتميز
نعم ... تقع اليوم على اأكتف لشعب المصري والجماهير المصرية الباسلة مسؤولية تاريخية ثقيلة وكبيرة وهي : وأد المخطط الجهنمي لأخونة المجتمع المصري وتأسيس مجتمع اسلاموي رجعي ديكتاتوري واستبدادي، يكون رديفا وتوأما لنظام الملالي الايراني
إن مصير العرب المعاصر سوف يُكتب فوق أديم أم الدنيا هذه الايام
لا أحد يستطيع التنبؤ بما قد يحدث، خاصة بعد الحلف الامريكي الاخواني القذر
أنا متشائل بالرغم من احساسي المتفائل وثقتي في الانسان المصري البسيط .. لكن تخوفي قادم من النخب السياسية اليمينوية واليساروية (خاصة اليسار المتطرف الانعزالي) ، الذين لم يتعلموا درس التاريخ بعد
نأمل خيرا


2 - تحية تقدير واحترام للكبيرة الأستاذة فريدة النقاش
ليندا كبرييل ( 2013 / 6 / 19 - 10:01 )
أستاذتنا الكريمة ، تفضلت بالقول
اصرارهم علي أن الأديان هي نهاية المعرفة في السياسة كما في الأدب والعلم والفلسفة، وأن الدين الاسلامي علي نحو خاص ـ لأنه ديننا ـ هو أكمل أشكال المعرفة الانسانية

ولي سؤال هنا : ما دام الدين نهاية المعرفة، وأكمل أشكال المعرفة ، طيب ولماذا تنكب خلفاؤنا المشقة والجهد في ترجمة علوم الأوائل اليونانيين والمعارف للثقافات القديمة؟
أما كان الأحسن أن يركنوا إلى كتاب القرآن والشريعة التي بين أيدهم ما دامت تكفي وتوفي بالحاجة المعرفية؟
ولماذا يسعى سعياً حثيثاً أبناء البلاد المؤمنة بالكتب المقدسة التي تكفينا علماً للذهاب إلى بلاد بره والدراسة ؟ عندهم الأزهر وجامعة محمد بن سعود فليكتفوا بها
ولماذا يسعون لتعلم الإنكليزية واللغات الأخرى ؟لالا ~ سأغض النظر عن اللغة ، ذلك أنهم بحاجة إليها في رحلاتهم السياحية والتفاهم مع بنات الحلال ، أم أن بنات وشباب الحلال يتعلمون العربية لغة العلم والتكنولوجيا؟
تفضلي احترامي وتقديري


3 - تحية تقدير واحترام للكبيرة الأستاذة فريدة النقاش
ليندا كبرييل ( 2013 / 6 / 19 - 10:01 )
أستاذتنا الكريمة ، تفضلت بالقول
اصرارهم علي أن الأديان هي نهاية المعرفة في السياسة كما في الأدب والعلم والفلسفة، وأن الدين الاسلامي علي نحو خاص ـ لأنه ديننا ـ هو أكمل أشكال المعرفة الانسانية

ولي سؤال هنا : ما دام الدين نهاية المعرفة، وأكمل أشكال المعرفة ، طيب ولماذا تنكب خلفاؤنا المشقة والجهد في ترجمة علوم الأوائل اليونانيين والمعارف للثقافات القديمة؟
أما كان الأحسن أن يركنوا إلى كتاب القرآن والشريعة التي بين أيدهم ما دامت تكفي وتوفي بالحاجة المعرفية؟
ولماذا يسعى سعياً حثيثاً أبناء البلاد المؤمنة بالكتب المقدسة التي تكفينا علماً للذهاب إلى بلاد بره والدراسة ؟ عندهم الأزهر وجامعة محمد بن سعود فليكتفوا بها
ولماذا يسعون لتعلم الإنكليزية واللغات الأخرى ؟لالا ~ سأغض النظر عن اللغة ، ذلك أنهم بحاجة إليها في رحلاتهم السياحية والتفاهم مع بنات الحلال ، أم أن بنات وشباب الحلال يتعلمون العربية لغة العلم والتكنولوجيا؟
تفضلي احترامي وتقديري


4 - تعليق من نوع آخر
رمضان عيسى ( 2013 / 6 / 19 - 17:50 )
اسوب التحفيظ يلغي العقل
الحفظ أولا : يعني الغاء العقل وتحييده عن التفكير ، ومن يتعود على الحفظ يضع دماغه في الثلاجة .
ثانيا : يعني أن تبصم لغيرك وتكون منقادا ومربوط بحبال غير مرئية لقوى الماضي والنصوص .
ثالثا : لن تكون باحثا عن الحقيقة ، ويكون تفكيرك في اتجاه واحد .
رابعا : لن تستوعب أي فكرة جديدة .
-- والمعلم يقول : وأنا رأيتُ أن المعلمين بعد 10 أيام يقعون في غرام ربة البيت، أو ابنة البيت، ويبعثون برسائل يبثون فيها مشاعرهم-. - See more at: http://www.elaph.com/Web/news/2013/6/819091.html?entry=world#sthash.hmjXZYNe.dpuf
ماذا يعني هذا : أن تعليم القرآن وسيلة لكسب المال أو لتغطية سلوكات وأخلاقيات من نوع آخر مختفية تخت ستار الدين .
وهذا خبر من ايلاف قرأته اليوم : شيخ مصري يُحفّظ الأطفال القرآن... يغتصبهم ويعاقب بقسوة من يرفضون نزواته - See more at: http://www.elaph.com/Web/news/2013/6/819160.html?entry=Egypt#sthash.fC3iO2c7.dpuf
فما رأي القارئ بعد كل هذا ؟

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي