الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع براعم وضدّ طيور الجنة.. أطفالنا بين الحياة و الموت

أحلام طرايرة

2013 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"لقد أصابني الفواق" قالت ابنة أختي ذات الخمسة أعوام بعد أن باغتتها نوبة "حازوقة" أو "زقزيقة" وهي تلك الانقباضات التي تصيب الحجاب الحاجز وتسبب صوتا غريبا يشبه الزقزقة. فاجأتني كلمة "فواق" التي كنت أسمعها لأول مرة وسألتها ماذا تعني فشرحتها لي وأخبرتني أنها سمعتها على قناة براعم للأطفال. تذكرت أنه دائما ما يثلج صدري عندما يصادف أن أتابع برنامجا ما على هذه القناة مع أطفال العائلة ودرجة الكفاءة العالية التي يخاطبون بها الطفل والمعرفة والمتعة المفيدة التي يقدمونها له، وسرعان ما أبدأ بمقارنتها مع قناة "طيور الجنة" التي نادرا ما أرصد فيها النهج الذي تقدمه براعم.

الفرق في الحقيقة واضحٌ في اسم القناتين: "براعم"، تعبيرٌ جميلٌ راقِ عن إنسان بمرحلة عمرية كتلك التي تشبهها في النباتات، مرحلة التكون التي يليها التفتح والانطلاق لنور الحياة بأزهى زهر، هو اسمٌ يحتفي بالحياة. أما "طيور الجنة" فهو اسمٌ وإن بدا رقيقا للوهلة الأولى من خلال كلمتين محببتين لمعظم الناس "طيور" و"الجنة"، إلا أنه صادمٌ لو نظرت إلى معناه المعروف، فهو مصطلحٌ ابتدعه رجال الدين لوصف الأطفال الموتى ومواساة أهلهم بأنهم "طيورٌ في الجنة" الآن. هو اسمٌ يحتفي بالموت إذن.

وهذا نراه فيما تعرضه القناة في تفاصيل كثيرة في اغنياتها – فهي بالمناسبة محطة أغاني، بالذات تلك التي تجمّل وتبجّل الموت الذي على سبيل الشهادة ومنها أغنية منتشرة ومحببة للاطفال ولذويهم والتي يغني فيها أطفال صغار قائلين: "لما نستشهد بنروح الجنة!" في إشارة خطيرة لما ينشأ عليه الأطفال منذ وقت طويل في البلاد العربية- الشرقية منها على وجه التحديد. لكن المؤسف حقاٌ هو أن الأطفال والكبار من قبلهم تلقنوا وتلقمواّ فكرة "الشهادة" كهدف نبيل وغاية سامية- وهي موت وغياب وفقدان في حقيقتها- لينتهي الأمر بالأمة العربية أن تستخدمها فقط لتخدّر بها نفسها. فتصمت الأمة كما صمتت لعقود طويلة مثلا فيما يُقتل أطفال فلسطين ويسمّون شهداء. وكانت هذه التسمية كفيلة أن تخنق غضب الكبار وتكتمه بفكرة تقول أن أطفال لهم يطيرون في الجنة الآن وسيشفعون لهم يوم الحساب بأجر فقدانهم وثواب الصبر عليه في الدنيا! وفي الوقت ذاته، سيكبر الصغار دونما أي شعور بالنقمة على ذويهم وعلى كل الكبار الذين شهدوا موت أقرانهم وسيشهدون موت آخرين، لأن من ماتوا ماتوا شهداء ويحلقون الآن في فضاءات الجنة دونما قيود أو حدود أو حواجز عسكرية. ويزاد على ذلك أن من كبروا يمررون وسيمرروا نفس الرسالة البائسة لأطفالهم القادمين، وستستمر سُنّة تقتيل الأطفال ولن تغضب "الأمة" العربية لذلك كما ينبغي لها أن تغضب ولن تشعر بالذنب، ولن توقفه بطبيعة الحال لا في فلسطين ولا في غيرها، فعلى الأطفال أن يموتوا مرضا أو قتلا لكي يشفعوا لأهلهم الخاطئين الخطائين في الآخرة. هذا ما تقرّه قناة "طيور الجنة" وتحشوه في عقول وقلوب أطفالنا بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولهذا يحتفل الأطفال بموتهم مسبقا ويقولون: "لما نستشهد بنروح الجنة".

وتستمر المقارنة، فقناة براعم تفسّر للأطفال بما يتناسب مع مستوى إدراكهم ضرورة أن تتعامل مع محيطك بحب ورفق وانسجام وما سيعود به ذلك لهم بالمنفعة والبيئة السليمة والسعادة ومما سيؤدي بدوره لعالم أجمل سيمنحهم حياة جميلة بالضرورة. فيتعلم الطفل أن أيّا كان ما يقدمه وما يفعله فسوف يؤثر عليه هو قبل أي شخص آخر- وهذا في الواقع ما كانت ستعمله له الحياة لو تركناه لفطرته وسليقته دون تدخل. بهكذا توجه، تتطور معرفة الأطفال بحيث تصنع منهم عندما يكبرون أناسا محبين للحياة ولأوطانهم وللبشرية، أناسا سيحرصون على احترام الأرض وتقدير خيراتها والمساهمة البناءة في تعميرها. أناس يفهمون جيدا علاقتهم بهذا الكون كجزء مهم منه، سيزدهر ويعمر الكون بصلاحه، وسيُدمّر وينهار بفساده.

لكن قناة "طيور الجنة" بالمقابل تقول للأطفال أن احترامهم للكبير وإلقاؤهم التحية على الجار وعدم إيذاء الحيوانات هي أمور يكون الهدف الأول والأخير منها هو تجنب عواقب عدم فعلها. فالأرنب الذي لا يحترم توجيهات أمه كاد أن يكون عشاءً للثعلب ذلك اليوم، والطفلة "سارة" المغرورة يعاقبها الله بأن تسقط أرضا وتكسر كل ما لديها من البيض لأنها لم تلق التحية على جارتهم العجوز، فيما يُعاقب "حميدو" الولد الشقي الذي يطارد ويؤذي قطة بيضاء بريئة بأن تنقض عليه قطة سوداء ليست بريئة وتخرمش وجهه وتشوّهه. فالفكرة المحورية من العمل الصالح هي تجنب "غضب الله" وعقابه الذي سيكون في الدنيا أو سيؤجله للآخرة كما تطرحها أغنيات أخرى، وليست بناء مجتمع صحي وبيئة منسجمة جميلة يتعايش فيها الجميع بسلام. قد يقول البعض: ما الفرق، والمهم النتيجة. ولكن النتيجة أبدا لن تكون واحدة لأن الرسالتين لا تتقاطعان، فالأولى تتحدث عن الحب والانسجام والجمال والنتائج الايجابية، والثانية تنقل الخوف والرعب وترقب العذاب (النتائج السلبية). ولنا أن نتخيل تركيبة الإنسان الذي ستنتجه "براعم" مقابل ذلك الذي تنتجه "طيور الجنة". فالأخير يمكن أن نعرفه جيدا فهو متمثلٌ فينا نحن هذا الجيل، الذين نشأنا في مدارس ومؤسسات دينية على وتيرة "طيور الجنة"، فهذه القناة في الواقع ليست إلا امتدادا طبيعيا للمنظومة التربوية السائدة في هذه البلاد، منظومة الخوف لا الحب.

وقد اتطرق سريعا هنا لحقيقة أن "براعم" تخاطب الطفل العربي بصرف النظر عن أية "تصنيفات" تفصيلية. فيما يبدو جلياّ أن "طيور الجنة" توجه خطابها للأطفال المسلمين، أو بشكل أدقّ للذين ولدوا لعائلات مسلمة، متناسيةً أو متجاهلةً أن في العرب من هم غير مسلمين أيضا، وأن قناة للأطفال لا ينبغي عليها أن تصبغ نفسها بتوجه دينيّ بعينه، وأن الأصل هو ترسيخ الأخلاق والقيم النبيلة والتي هي قيم إنسانية عالمية لا يحتكرها دينٌ دون غيره.

هذه المقارنة عامة، وأعلم ان هناك الكثير الكثير لمقارنته بحيث نخلص في النهاية إلى أنه لا مجال لمقارنة بين النقيضين. وربما يلزم هكذا موضوع بحثاً مستفيضا بعد متابعة كلتي القناتين متابعة حثيثة ودقيقة تحليلية لكل ما يتم إيصاله للطفل العربي والأثر الذي سيتركه ذلك عليه كراشد مستقبلاً. وربما سيقودنا ذلك لتنظيم حملة ترفض طيور الجنة مطالبة إياها أولا بتغيير اسمها ومن ثم تحسين خطابها التعليمي التربوي، حتى ينعم أطفالنا بالحياة بعيدا عن جنة وجهنم الآخرة!

يكفي الآن أن أختم ب: شكرا "براعم"، وسُحقا "طيور الجنة"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اسم مرعب
فادي يوسف الجبلي ( 2013 / 6 / 26 - 06:58 )
اتفق معك تماما في وصف (طيور الجنة ) بحقيقتها
ومن العار تسمية قناة تهتم بالطفل بهذا الاسم البغيض
لأن منطق الجنة والنار هو فوق تصور الطفل وهي ستحدث له صدمة في يوم ما
في حياتي اليومية اتجنب ذكر كلمة الموت امام اطفالي ولا اسمح لأحدهم بذكرها امامهم
كل الود

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | عمليات نوعية وغير مسبوقة للمقاومة الإسلامية في


.. «توأم الروح والتفوق» ظاهرة مشرقة بخريجي 2024




.. تغطية خاصة | إيهود باراك: في ظل قيادة نتنياهو نحن أقرب إلى ا


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع مستوى الإسناد




.. لماذا تخشى الكنيسة الكاثوليكية الذكاء الاصطناعي؟