الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توافق ما لا يتوافق

داود روفائيل خشبة

2013 / 6 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خلط المفاهيم هو واحد من أخطر أسلحة الإخوان المسلمين وغيرهم من جماعات الإسلام السياسى فى سعيهم للسيطرة على الدولة. بدأوا ذلك مبكرا بعد أن انتهت هَبَّة شباب 25 يناير 2011 إلى إسقاط واجهة النظام الذى كان سائدا وبدأ الناس يتلمسون الطريق إلى وضع أسس نظام جديد. لم يكن ما يتطلع إليه الناس فى هذه المرحلة نظاما جديدا تماما، بل كان المطلوب إصلاح النظام القديم وتخليصه من أفدح انحرافاته وعيوبه. كان المطلوب إحياء طموحات 1919 مطعمة بأحلام 1952، وكان هذا يعنى ضرورة إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وكان هذا بكل وضوح لا يتولفق مع غايات الإخوان المسلمين، لكنهم لم يستطيعوا معارضته صراحة، فكان أن لجأوا لخديعتهم الأولى فاطلقوا أكذوبة "دولة مدنية بمرجعية إسلامية". ومن المؤسف أن هذه الخديعة المدمّرة لم تجد من جانب القوى المدنية من يتصدّى بقوة لفضح ما فيها من زيف وتضليل، ربما لأنهم كانوا يتحرّجون من أن تؤخذ أى معارضة للمرجعية الإسلامية على أنها معارضة للإسلام، وهذا بالضبط هو ما تشيعه الآن كل جماعات الإسلام السياسى – يقررون ويعلنون أن كل معارضة للإسلام السياسى معارضة للإسلام بل عداء للإسلام. كان على القوى المدنية أن تكون أكثر وعيا وأكثر التزاما بالمبدأ وأكثر شجاعة وأن تجاهر بأن المرجعية الدينية والدولة المدنية نقيضان لا يجتمعان؛ إما أن تزيح الدولة المدنية المرجعية الدينية وتلزمها حدودها التى لا تتجاوز الحياة الشخصية للأفراد الذين يختارون لأنفسهم الانطواء تحت تلك المرجعية الدينية، وإما أن تقوّض المرجعية الدينية كل دعائم الدولة المدنية وتنفيها بل تفنيها تماما.

دعونى هنا أدلى باعتراف شخصى. فى فترة الانتخابات البرلمانية والرئاسية كان أخشى ما أخشاه أن يصل الإخوان إلى الحكم فينجحون فى معالجة بعض المشاكل الملحّة ويحققون بعض المكاسب لفئات من الشعب فيتمكنون بذلك من تثبيت دولتهم الدينية التى تقمع الحريات وتؤدّى بنا إلى تخلـّف ثقافى وحضارى يصعب الفكاك منه. لكن حدث أن قبض الإخوان على مقاليد الحكم فلم يعالجوا مشكلة ملحّة ولا حققوا للناس مطلبا ولا حتى أظهروا التزاما بمرجعيتهم الدينية المزعومة. بل إن كل ما كان قائما من قبل من مشكلات ومعاناة تفاقم واستفحل. كان من الطبيعى أن يَهُبّ الناس يطلبون إزاحة هذا الحكم الفاشل الذى ينزلق بالبلاد إلى هاوية بلا قرار، فإذا بالإخوان يحدّثوننا عن الشرعية وعن صلاحيات الرئيس المنتخب وعن احترام إرادة الشعب، وكل هذه مفاهيم ومعان تفقد معناها وتخلو من المضمون فى إطار منظومة الفكر الإخوانى.

وتجىء ثالثة الأثافى، لا من الإخوان ولا من معسكر الإسلام السياسى، بل من منابر الفكر المدنى العلمانى، فنسمعهم يتكلمون عن ضرورة توافق كل التيّارات السياسية، وعن خطأ إقصاء أىّ فصيل، وعن ضرورة الاعتراف بحق الإخوان المسلمين فى المشاركة، وعن حقوق المواطنين المنتمين للتنظيمات الإسلامية. المخلصون من العلمانيين يضللهم فى كل هذا منطق زائف فيقعون ضحية لاختلاط المفاهيم. التوافق لا يمكن أن يكون إلا على أرضيّة مشتركة. الرأسمالى والاشتراكى لهما موقفان متعارضان، لكنهما يقفان معا على أرضية الكسب والخسارة بالمعايير الإنسيّة، فإذا كانت الظروف لا تمكن الرأسمالى من تحقيق كل ما يبتغى ولا تسمح للاشتراكى بالوصول إلى ما يطمح إليه فمن الممكن أن يرضى الرأسمالى بأن تنقص مكاسبه قليلا وأن يرضى الاشتراكى بأن يهبط بمطالبه قليلا فيصلان إلى توافق مرحلى. لكن ليس ثمة أرضيّة مشتركة بين العلمانية والثيوقراطية. إما أن تكون الدولة مدنية علمانية أو أن تكون دينية ثيوقراطية. وضع العلمانية والثيوقراطية فى إناء واحد لا ينتج عنه خليط أو مزيج بل لا بدّ أن يُبيد أحد العنصرين العنصر الآخر. لذا فإن إقصاء التنظيمات الدينية عن العمل السياسى ليس خطأ ولا جريمة ولا افتئاتا، بل هو ضرورة حتمية لكينونة الدولة المدنية الحضارية. وليس فى هذا إنكار لمبدأ المساواة فى الحقوق المدنية لجميع المواطنين، فلا أحد ينكر على أعضاء التنظيمات الدينية كأفراد أن يمارسوا حقوقهم المدنية كغيرهم من المواطنين، لكن ليس لهم أن يأتوا بتنظيماتهم الدينية.

كان السماح بإنشاء أحزاب دينية زلـّة كبرى ومأزقا خطيرا أوقعنا فيه المجلس العسكرى الذى كان يتولى السلطة من فبراير 2011 حتى يونية 2012، والآن يعمل بعض دعاة الدولة المدنية على اقتراف تلك الزلـّة نفسها وعلى استمرار وقوعنا فى نفس المأزق إذ يتحدّثون عن التوافق مع التيّارات الإسلامية وعن مغبّة الإقصاء وعن الاعتراف بحقوق جميع المواطنين فى العمل السياسى.

اختلاط المفاهيم وضبابية الرؤية يستفيد منهما أولئك الذين ينحدرون بنا إلى غياهب عصور الظلام.

يستحيل أن يكون ثمة توافق بين الحرية والعقلانية واستقلال الإرادة الإنسانية وبين الخضوع أو الاحتكام لسلطةٍ تتناقض تناقضا جوهريا مع سيادة القانون الوضعى الذى ينبع من الإرادة الإنسانية.

داود روفائيل خشبة
القاهرة، 22 يونية 2013

حاشية: أحبّ أن أثبت هنا ما دوّنته أمس على موقع "تويتر": "رغم أنى لم أكن يوما عضوا فى اتحاد الكتاب المصريين فإنى بوصفى كاتبا ومترجما أعلن انضمامى لقرار اتحاد الكتاب بسحب الثقة من د. محمد مرسى."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah