الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فهم ثورات 2011 ضعف الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط (3-3)

هاشم نعمة

2013 / 6 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ما بعد الثورات

من المرجح أن يصاب أولئك الذين يأملون في تحقيق انتقال سريع نحو ديمقراطية مستقرة في تونس ومصر بخيبة أمل. حيث أن الثورات ليست سوى بداية لعملية طويلة. وحتى بعد الثورة السلمية، فهي تأخذ بشكل عام نصف عقد لتعزيز أي نوع من أنواع الأنظمة المستقرة. وفي حالة نشوب حرب أهلية أو ثورة مضادة، فإن إعادة بناء الدولة تظل بحاجة إلى وقت أطول.

بشكل عام، بعد أن تنتهي فترة شهر عسل ما بعد الثورة، تبدأ الانقسامات تظهر إلى السطح في صفوف المعارضة. وعلى الرغم من أن تنظيم انتخابات جديدة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الحملات الانتخابية ومن ثم القرارات التي تتخذ من قبل المشرعين الجدد سوف تفتح النقاش حول الضريبة ونفقات الدولة، والفساد، والسياسة الخارجية، ودور الجيش، وسلطات الرئيس، والسياسة الرسمية تجاه الشريعة وعلاقتها بالممارسة العملية، وحقوق الأقليات وهكذا. وبما أن المحافظين، والشعبويين، والإسلاميين، والمصلحين الذين يتبنون التحديث يتنافسون بشراسة من أجل الوصول للسلطة في تونس، ومصر، وربما في ليبيا، فمن المحتمل أن تواجه هذه الدول لفترات طويلة تغيرات سريعة ومفاجئة في الحكومات وانتكاسات سياسية – بشكل يشبه ما حدث في الفلبين والكثير من دول أوروبا الشرقية بعد حدوث ثوراتها.

لقد دعمت بعض الحكومات الغربية لفترة طويلة ابن علي ومبارك كحصون للوقوف في وجه المد المتصاعد للإسلام المتطرف، والآن يخشى من أن تتمكن المجموعات الإسلامية من تولي المسؤولية. الأخوان المسلمون في مصر هم أفضل المجموعات المعارضة تنظيما، وهم سيكسبون في الانتخابات العامة، خصوصا إذا نظمت بوقت مبكر، قبل أن تتأسس أحزاب أخرى. وبعد الحدث التاريخي للثورات في الأنظمة السلطانية ينبغي التخفيف من هذه المخاوف إلى حد ما. حيث لا يوجد مؤشر بأن سقوط أي سلطان في الثلاثين سنة الأخيرة – يشمل هايتي، والفلبين، ورومانيا، وزائير، وأندونيسيا، وجورجيا، وقيرغيزستان- قد أدى إلى صعود أيديولوجيا أو حكومة متطرفة. وبدلا من ذلك، وفي كل حالة، كانت النتيجة النهائية ديمقراطية ناقصة– في كثير من الأحيان فاسدة وعرضة للتوجهات الاستبدادية، لكنها غير عدائية أو متطرفة.

ما حدث يمثل تحولا كبيرا في التاريخ العالمي. بين عامي 1949 و1979، كل ثورة قامت ضد نظام سلطاني – في الصين، وكوبا، وفيتنام، وكومبوديا، وإيران ونيكاراغوا- نتج عنها حكومة شيوعية أو إسلامية. وفي ذلك الوقت، فضل معظم المثقفين في الدول النامية النموذج الشيوعي للثورة ضد الدول الرأسمالية. وفي إيران كانت هناك رغبة في تفادي النموذج الرأسمالي والشيوعي وبسبب تزايد شعبية السلطة التقليدية لرجال الدين الشيعة أدى ذلك إلى صعود حكومة إسلامية للحكم. ومنذ الثمانينات لا النموذج الشيوعي ولا النموذج الإسلامي اجتذبا الكثير من الناس. حيث بات كلاهما ينظر لهما على نطاق واسع بفشلهما في تحقيق النمو الاقتصادي وإقامة نظام للمساءلة الشعبية. كلا هذين الهدفين الرئيسيين يتم تبنيهما من قبل جميع الثورات الأخيرة التي اندلعت ضد الأنظمة السلطانية.

لا شيء يحفز على تغيير النظام مع ارتفاع معدلات البطالة، وقد دعا البعض في الولايات المتحدة الأمريكية لتبني مشرع ماريشال في الشرق الأوسط لدعم استقرار المنطقة. لكن في عام 1945، كان لأوروبا تاريخ من الأنظمة الديمقراطية قبل ذلك الوقت، وكان تدمير البنية التحتية المادية بحاجة لإعادة البناء. في حين أن اقتصاديات تونس ومصر غير مصابة بأذى وقد سجلت حديثا نموا ممتازا، لكنهما بحاجة لبناء مؤسسات ديمقراطية جديدة. وتوجيه الأموال إلى هذه الدول قبل أن تشكل حكومات عرضة للمساءلة سيشعل فقط الفساد ويقوض تقدمها نحو الديمقراطية.

ما هو أكثر من ذلك، إن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تتمتع بمصداقية قليلة في الشرق الأوسط لأنها دعمت ولفترة طويلة الدكتاتوريات السلطانية. وأي جهود لتوظيف المساعدة لدعم مجموعات معينة أو التأثير في النتائج الانتخابية من المرجح أن تثير شكوكا. ما يحتاجه الثائرون من الخارج هو الدعم الصريح للعملية الديمقراطية، والرغبة في قبول جميع المجموعات التي تمارس العمل وفق القواعد الديمقراطية، والاستجابة الإيجابية لأي طلبات لتقديم المساعدة التقنية في بناء المؤسسات.

إن أكبر خطر تواجهه تونس ومصر الآن يمثل بمحاولات تحرك الثورة المضادة والمتمثلة بالقوى المحافظة في الجيش، وهي مجموعة غالبا ما سعت للمطالبة بالسلطة عقب زوال السلطان. حدث هذا في المكسيك بعد الإطاحة بدياز، وفي هايتي بعد رحيل جان كلود دوفالييه، وفي الفلبين بعد سقوط ماركوس. وبعد أن أجبر سوهارتو على مغادرة السلطة في اندونيسيا، استعمل الجيش قوته في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحركات المطالبة بالاستقلال في تيمور الشرقية، التي احتلتها اندونيسيا منذ عام 1975.

في العقود الأخيرة القليلة، انتهت محاولات الثورات المضادة (كما في الفلبين في 1987-1988 وهايتي عام 2004) نهاية غير مرضية بدرجة كبيرة. فلم تتمكن من عكس المكاسب الديمقراطية أو قيادة الأنظمة التي اعقبت الأنظمة السلطانية لتكون في احضان المتطرفين – المتدينين أو غيرهم.

مع ذلك، فإن مثل هذه المحاولات تضعف الديمقراطيات الجديدة وتشغلها عن القيام بالاصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. وهي يمكن أن تدفعها إلى اتخاذ ردود فعل متشددة أيضا. إذا حاول الجيش في تونس ومصر المطالبة بالسلطة أو أعاق الإسلاميين من المشاركة في النظام الجديد، أو سعت الملكيات في المنطقة للمحافظة على أنظمتها مغلقة من خلال ممارسة القمع بدلا من انفتاحها من خلال تنفيذ الاصلاحات، في هذه الحالة، فإن القوى المتشددة فقط هي التي ستعزز من قوتها. وعلى سبيل المثال، كانت المعارضة في البحرين تسعى من أجل إجراء اصلاحات دستورية، لكن كان رد فعلها تجاه الإجراء السعودي لقمع محتجيها هو المطالبة بالإطاحة بالملكية في البحرين بدلا من إصلاحها.

يتمثل التهديد الرئيسي الأخر للديمقراطيات في الشرق الأوسط بالحرب. تاريخيا، تتصلب الأنظمة الثورية في مواقفها وتصبح أكثر تطرفا استجابة لحالة الصراع أو النزاع الدولي. فلم يكن سقوط الباستيل بل كانت الحرب مع النمسا هي التي سمحت لليعاقبة المتطرفين بالوصول إلى السلطة خلال الثورة الفرنسية. وبشكل مشابه، كانت الحرب العراقية-الإيرانية قد اعطت آية الله روح الله الخميني الفرصة للتخلص من العلمانيين المعتدلين في إيران. في الواقع، يمكن لحالة واحدة أن تجعل المتطرفين يخطفون ثورات الشرق الأوسط وهي إذا زاد توتر النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين فسيؤدي ذلك إلى تصعيد العداء بين مصر وإسرائيل، وسيقود إلى تجدد الحرب.

على الرغم مما ذكر آنفا، لا يزال هناك سبب للتفاؤل. قبل عام 2011، كان الشرق الأوسط يبرز على الخارطة باعتباره المنطقة الوحيدة المتبقية في العالم الخالية تقريبا من الديمقراطية. يبدو أن ثورتي الياسمين والنيل قد بدأتا بمهمة تغيير كل ذلك الوضع. ومهما كانت النتيجة النهائية، فإنه يمكن قول الكثير: بأن حكم السلاطين قد وصل إلى نهايته.
_______________

المقالة بقلم جاك غولدستون وهوعالم أمريكي في علم الاجتماع والسياسة، متخصص في الحركات الاجتماعية، والثورات والسياسات العامة، نشر تسعة كتب تأليفا أو تحريرا وحوالي مائة مقالة بحثية، ويعمل حاليا أستاذا في مدرسة السياسات العامة في جامعة جورج ماسون.

الترجمة عن مجلة: Foreign Affairs, Volume 90, Number 3, May-June 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا