الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغزى ما يحدث في تركيا

نجيب الخنيزي

2013 / 6 / 23
المجتمع المدني



على غرار بلدان " الربيع العربي " فاجأت تركيا العالم باندلاع المظاهرات والاعتصامات في ساحات وميادين استنبول والعاصمة أنقرة وغيرها من المدن التركية ، والتي شارك فيها مئات الألاف وتخللتها مصادمات عنيفة بين المحتجين الأتراك وشرطة مكافحة الشغب ، والتي نجم عنها حتى الآن مصرع أربعة أشخاص و اعتقال المئات و جرح خمسة الاف من بينهم بضعة مئات من الشرطة . تصدرت احتجاجات ساحة تقسيم وحديقة غازي القريبة منها و التي تم اقتحامهما بالقوة من قبل الأمن التركي بعد مضى ثلاثة اسابيع العناوين الرئيسية لأجهزة الاعلام المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي في داخل تركيا وخارجها، كما وصل صداها إلى الجوار الإقليمي ، كما انتقدت بلدان مؤثرة في الشأن التركي مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي التي تطمح تركيا لنيل عضويته الإستخدام المفرط للقوة من قبل الأمن ضد المتظاهرين . زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة التركية طيب رجب اردوغان والعديد من اقطاب الحكم في تركيا ردو بقوة على تلك الانتقادات معتبرين ما جرى محاولة من المعارضة التركية لإستغلال لقضية بيئية محدودة من اجل توظيفها سياسيا لزعزعة الحزب الحاكم ، وبأن ذلك التصعيد تقف ورائه بعض القوى المتطرفة ، والرعاع والسراق والمخربين .. وبأن تركيا حققت في عهد أردوغان الكثير من المنجزات ( وهي حقيقية ) التنموية والاقتصادية والاجتماعية حتى في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية . السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل يستحق إزالة 600 شجرة من حديقة غازي لغرض إعادة بناء ثكنة عثمانية قديمة ، أو تشييد برج تجاري وسكني حديث كل هذه الاحتجاجات الواسعة التي تمثل أخطر وأكبر تحدي يواجهه حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم قبل أكثر من عشر سنوات ؟ من الواضح بأن المعارضة ( القومية واليسارية ) العلمانية وانصار البيئة بل وكثير من المواطنيين العاديين لهم رؤية أخرى مغايرة للرواية الرسمية ، إذ يعتبرون بأن الحديقة تعد متنفسا لسكان استنبول وهي احد المعالم الحضارية للمدينة التي تتوزع مابين أوربا وأسيا ، وان هدم الحديقة يندرج في اطار ارضاء جشع كبار رجال الاعمال الأتراك والأجانب ، وقبل كل شيء يأتي في سياق المحاولات المحمومة للحزب الحاكم للإجتثاث التدريجي لمقومات الدولة المدنية و قيم العلمانية والديمقراطية التي ارسى دعائمها مصطفى كمال اتاتورك باني تركيا الحديثة على انقاض الخلافة العثمانية التي انهيت رسميا في عام 1924 ، وبأن الحزب الحاكم الذي التزم بالحفاظ على الدستور المدني / العلماني والذي على ارضيته حقق فوزه في الانتخابات ، يعمل جاهدا لإعادة عثمنة الدولة والمجتمع والثقافة، وبأن وراءأحلام إعادة امجاد الأمبراطورية العثمانية يكمن التورط و التدخل التركي الواسع والنشط في بلدان المشرق والمغرب العربي ، وذلك من خلال تبني واحتضان الإسلام السياسي وخصوصا جماعات الأخوان المسلمين في تلك البلدان ، وبأن الخطاب الرسمي التركي يحمل طابعا مزدوجا ، فهو يخاطب الغرب بتأكيده على قيم العلمانية والديمقراطية ، في حين يتضمن خطابه الموجه للعالمين العربي والإسلامي التركيز على تعميم فهمه وتطبيقه للنموذج الاسلامي المنشود . الغرب من جهته يسعى إلى تعميم النموذج التركي ( الإسلام المدني المعتدل ) في العالميين العربي والإسلامي ، وليس لديه مشكلة في قيادة تركيا ( ايدلوجيا وسياسيا ) لهذا التحول ، وذلك لأسباب مهمة عدة من بينها ، كون تركيا كانت ولا تزال وثيقة الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبالغرب عموما على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية ، سواء في مرحلة الحرب البارد أو ما بعدها ، وفي العهود الديكتاتورية العسكرية أوالديمقراطية على حد سواء ، بما في ذلك الحكومة الحالية التي تمثل اليمين المحافظ ، حيث تتبنى بقوة أليات السوق الحرة والخصخصة ، وحرية التجارة ، كما تمتعت تركيا من قبل بعضوية السوق الأوربية المشتركة ، و تحتل مكانة متقدمة في حلف شمال الأطلسي ، و تنتشر فيها العديد من القواعد والمنشئات الأمريكية والغربية بمافي ذلك منصات صواريخ باتريوت ، ولا ننسى العلاقات السياسية و العسكرية والاقتصادية ( بغض النظر عن أزمة قافلة غزة ) المميزة التي تربط تركيا مع إسرائيل ، كما تعمل الحكومة التركية جاهدة من أجل نيل عضوية الاتحاد الأوربي. لقد عملت الولايات المتحدة وحليفاتها في أوربا والمنطقة كل ما في وسعها من أجل إفراغ الحراك الثوري في بلدان " الربيع العربي " من مضمونه الاجتماعي والسياسي المستند الى الحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وفك التبعية للخارج ، وذلك من خلال إعادة تأهيل تلك الآنظمة المتهالكة عبر بوابة الإسلام السياسي، حيث النموذج الاسلامي التركي كان حاضرا ، رغم الاختلاف الموضوعي بين الحالة الإسلامية التركية ( المتقدمة) على شوائبها وقصورها ، مقارنة بالحالة الإسلامية العربية ( المتخلفة ) سواء على صعيد انساق السلطة والمجتمع والثقافة ، أو طبيعة المكونيين الإسلاميين رغم جذرهما المشترك. ختاما نقول أردوغان يستطيع إبراز الكثير من المنجزات المهمة التي حققها في حين رجعت البلدان العربية تحت حكم الإسلام السياسي عقودا إلى الوراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أوردوغان إسلامي رجعي و أمريكا تباركه!
حميد كركوكي ( 2013 / 6 / 24 - 12:50 )
أودوغان إسلامي وهابي ومتستر تحت راية{ الإسلام المعتدل } أوردوغان سيجلب الكارثة على البلاد عاجلا أم آجلا، يأخذ معونات من شيوخ الخليج والسعود سرا، أنه دكتاتور ديني، الشعب التركي يفضل دكتاتور علماني مثقف على فاشي أسلامي، رياح الخريف العربي آتية رويدا رويدا و إنشاء الدولة الأسلامية العثمانية المتخلفة.
شعوب أناظول(تركيا) تشعر و تحس هذه الآفة القادمة من بلاد الرمل والزمهرير(الجزيرة الحجازية) الوهابية، لذلك لا تخمد هذه الثورة وستنشط يوما بعد يوم، إلى أن يرفع المقنعة من رأس زوجة أوردوغان المغفلة المتخلفة، كأنها نعجة وديعة في حرم آل عثمان البائدة.

اخر الافلام

.. الصفدي: الأونروا ما زالت بحاجة إلى دعم في ضوء حجم الكارثة في


.. مفوض الأونروا: 800 ألف من سكان رفح يعيشون في الطرقات.. ومناط




.. المغرب يفتح بحثاً قضائياً للتحقيق في تعرض مواطنين للاحتجاز و


.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م




.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف