الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول المجتمع المدني العربي بعد الحراك

مضر رياض الدبس

2013 / 6 / 24
المجتمع المدني


منطقياً: كان "من الطبيعي" ، بالإسناد النظري للمقاربة ، أن يكون المجتمع المدني مشوهاً و معدوم النشاط الفعال في ظل حكم استبدادي أكثر ما يخاف من الصيغ التي تشكل تكريساً لثقافة الحرية. و منطقياً: أن يتحرك هذا المجتمع المدني ، بعد الحراك العربي ، تحركاً مطروداً مع هامش الحريات و مع التغيُر في طريقة الحياة. إن المجتمع المدني يتبع دائماً للحرية و الثقافة ، و يشكل تجسيداً حضارياً لهما على المستوى السياسي و الإجتماعي و الفكري. حيث أن للفرد الحر قابلية أكثر للمبادرة و للنداء بحماية حقوق باقي الأفراد ، هو أكثر قدرة على الوعي و الإدراك بضرورة الإرتباط مع الآخر للمساهمة الفاعلة في الحكم بالصيغة المدنية التي تشكل رقابة على الدولة و تحصيناً لحماية الفرد من المجتمع و حماية للأقلية من الأكثرية ، (ذلك بعد إزالة اللوثة المفاهيمية التي تقسم المجتمع إلى أكثرية و أقلية بالمعنى الطائفي أو المذهبي أو الإثني و استبدالها بالمعنى السياسي)، كذلك فالفرد الحر أكثر قابلية لتكريس معادلة العقد الإجتماعي: في التنازل للقانون مقابل مردودٍ من السعادة و الأمن. و يتبع المجتمع المدني للثقافة ، كإسلوب حياة و إدراك للقيم ، فالثقافة مفهوم كثيف بدلالته الإجتماعية و السياسية و حتى الإقتصادية ، و بانعكاساته على مختلف الميادين. من طبيعة إدراك القيمة أول ما يتبلور شكل فنٍ للإرتباط بين الأفراد في سبيل المناداة بها ، و أول ما تتكرس فكرة الثورة الفكرية للتخلص من المسلمات الفكرية الإجتماعية التي أحياناً كثيرة ما يكون لها القدرة على الإستبداد أكثر من أعتى الأنظمة استبداداً و طغياناً.
هذا يقودنا إلى أن السؤال حول المجتمع المدني بعد الحراك الإجتماعي هو نقاش لمستوى الحرية و لطبيعة الثقافة ، الثقافة و الحرية متلازمتان ببعديهما الإجتماعي و السياسي ، فلنا أن نقول أن الحرية ثقافة ، و أن الثقافة تتأثر بمستوى الحرية ، و هنا ربما تكون العادات و سلطة الموروث مكبلاً للحرية و ثقافةً نقيضةً لها. و من أجل تعيين طبيعة المجتمع المدني عموماً ، و بعد الحراك العربي خصوصاً ، يجب النظر بعلتين متشابكتين: الأولى هي كيفية فهم المجتمع المدني و تلك أكثر ما تتبع للحرية و الثقافة ، و الثانية هي القدرة على تطوير فن الإرتباط بالآخرين و تتبع لكيفية الفهم بالإضافة لشكل الحوار السائد و طبيعة التواصل و خبرة المجتمع بأشكال التجمع المدني و كذلك تتبع للقيمة المستهدفة.
فهم المجتمع المدني:
يقودنا التحليل إلى أنه من أجل مجتمع مدني فاعل وجب تكريس الحرية و هدم الصيغ التي تقيد الإبداع ، و إن كان زوال الإستبداد شرطاً لازماً لذلك فإنه يبقى غير كافٍ بوجود قيود أخرى تتمثل في التجذر القبلي و الطائفي و العادات و التقاليد التي هي سلطةٌ مزمنة الإستبداد ، دوغمائية الطرح غالباً ، وجب استبدالها بصيغة المواطنة و التسامح بالتزامن مع بناء دولة الحريات و العدالة الإجتماعية. و إذا انطلقنا من الحرية بمفهومها الأولي ، و هذا أضعف الإيمان ، فلنا أن نقول أن الفرد يكون حراً للقيام بفعل ما إذا اجتاز عقبتي أساسيتين و هما أولاً : القدرة و الإستطاعة على القيام بهذا الفعل أو عقبة الإمكان المادي و ثانياً : السماح له بفعل ذلك بحيث لا يتعرض لعقاب من جراء القيام به أو عقبة الإمكان القانوني. و بهذا لا تكفي ممارسة الحريات و سلطة القانون العصري لبناء مجتمع مدني صحِّي إنما يجب أن تترافق بتنمية الإمكان المادي من خلال حملات التوعية و التعاون لتكوين ثقافة تؤمن بالتعلم من الآخر و الإنفتاح عليه ، وهذا دائماً مقرون بمردود السعادة و الرفاه و الأمن ، و يتطلب إسقاط الزعامات و الولاءات البديلة للوطنية مهما كان نوعها. إذا تحقق ذلك يمكن للمجتمع المدني أن يرصد و يحلل الحقائق بدقة و بذلك يقترح حلول براغماتية و فعالة. ومن أجل وضع القطيعة مع تلك الممارسات و الأفكار التي شجعها الإستبداد و محاربة الثورة المضادة وجب بناء "بيداغوجيا المجتمع المدني" متمثلة في المساهمة المباشرة و الفعالة في الحياة السياسية بهدف خدمة مصالح الأفراد و الجماعات و الدفاع عن حقوقهم بمعزل و باستقلال عن الإيديولوجيا و بتحرر كامل منها. تحتاج بيداغوجيا المجتمع المدني نفساً طويلاً و فكراً يحرر العقول ، بأن تقدم المعلومات غير مدموغةٍ بالصحة أو بالخطأ من قبل معلمٍ أو مؤلف ، إنما تقدم المنهجية و للعقل الإختيار فيما يراه من صحةٍ و من خطأ حتى لو كان يمس أكثر الأفكار تقديساً ، و ليس لهذا أن يتم إلا بالتوازي مع بيداغوجيا حوارية مبكرة لها كذلك كل الإنعكاس على تطوير فن الإرتباط.
فن الإرتباط:
إن فن الإرتباط ، و إن كان يتبع لفهم المجتمع المدني ، هو أكثر ما يعكس ثقافة المجتمع في الحوار و التواصل ، هو فنٌ يعززه التسامح و تشوههُ الدوغمائية ، فنٌ لا يلجم رأياً بفرضية خطأه المسبقة ، هو يكسر النير ، مهما كان ، و لا يفترض العصمة ، و كما يرى ستيورات ميل : " إن كل إسكات لمناقشة هي افتراض بالعصمة". في الحقيقة ليس الإستبداد السياسي وحده من يسكت نقاشاً ، خصوصاً في العالم العربي ، بل إن كل ما تُفترَضُ قدسيته "تسليماً" ، من عادات و تقاليد و دين و موروث ، له فعل المستبد ، و إن كان الأخير قد "سقط" فإن إسقاط باقي "المقدسات" هو أول مهام المجتمع المدني التاريخية التي تقع على عاتق فئة النخبة المبدعة التي كسرت كل قيدٍ و امتطت العقلانية. إن نشر هذه الثقافة: التواصلية ، الحرة ، العقلانية ، هي مفتاح نجاح المجتمع المدني بعد الحراك ، وهي الضامن لعدم انحدارٍ جديد نحو الديكتاتورية أو الإستبداد ، فلا يمكن أن يُستبد بعقلٍ لا تَستبِد به أفكاره. إن نشر هذه الثقافة بمكوناتها الثلاثة هي علاج للمجتمع المدني : "إسعافياً" بالتوعية ، ثم "فيزيائياً" ، إن صح التعبير ، ببناءٍ لبيداغوجيا مبكرة تضمن استمرار الأداء الصحيح و عدم العودة للخلف. و ربما تأتي ثقافة الحوار ضمن أولويات التغيير في مجتمع ليس من الصعب اكتشاف "ميكافيليلة " منهجه الحواري، بما يحتوي من مراوغةٍ و مكرٍ و خداع و عنفٍ في سبيل الإقناع ، تكرست تحت نير إستبداد ديماغوجي الخطاب و مجتمع دوغمائي الأفكار. لا أرى شِفاء تام من آثار التاريخ إلا بالتربية الحديثة العقلانية التي تنظر للآخر كذات لها كرامة يجب الإعتراف بها ، نفهمه أو نتفهمه ، غاية و ليس و سيلة ، مشروعٌ للإرتباط المدني حول مصلحة مشتركة نبيلة فيها الخير و الصلاح. إن لهَذا من إرهاصات فنٍ مكتمل للإرتباط المدني و دونه شِفاءٌ مقنع لجسدٍ مايزال يحمل جرثومةً خاملةً للشقاء.
أخيراً: لا أجد بداً من القول أن على المجتمع المدني أن يحارب الفكر القصووي، فالتاريخ يعلمنا أن القصووية لا تنتج إلا إعادة إنتاجٍ للديكتاتورية لكن بصيغٍ جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة


.. لبنان وأزمة اللاجئين السوريين.. -رشوة- أوروبية أم حلول ناقصة




.. وقفة لرفض اعتقال ناشط سياسي دعا لا?سقاط التطبيع مع الاحتلال