الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرق الألوهي...!!

حملاوي فاطمة الزهراء

2013 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل أن نخوض معراج التيه و نمضي سالكين ما هو محضور أورد ملاحظتي هذه أن كل ما سيتم العرض له لا يلائم الجمهور المتعصب و لا ينصح قراءته من طرف الأشخاص النمطيين المحملين على التصديق لكل ما وجدوا آباءهم عليه ...
على مدى التاريخ البشري ضلت الشعوب و القبائل تتغيى التدين و التعبد بالإله الواحد سواء تعلق الأمر بإله السماء عند البعض أو إله الأرض عند البعض الآخر أو بتقديس حيوانات معينة كالخنافيس المصرية و البقرة الهندية... و لعل الأمر مرتبط هنا برغبة جامحة في أن نغلق ذلك الفراغ النفسي/ العقلي وفقا لعوامل داخلية ، خارجية تحت وطأة مشاهد روحية روحانية شكلت مسألة الإله نواتها ..لماذا الله و ما حاجتنا إليه ؟ ثم من يكون ؟ و إذا كان هنالك إله فأين هو ؟ كيف تسنى لنا الحكم أن الذي نعيشه حياة و ليس الموت بعبارة أخرى حياة ما بعد الحياة ...؟
ظلت فرضية الإله من الإشكالات المؤرقة التي لم يتم الإثبات لها حتى زمننا الراهن، فمجرد لمح البصر لها شكل عائقا لدى البعض ، أولئك اللذين حملوا ذواتهم وزر أنفسهم و رأوا أنه من الضرورة بمكان الإيمان بما وجدوا عليه أسلافهم و لعل الأمر هنا يعزى لمجموعة من العوامل أبرزها الخوف من التفكير و اعتبار مسألة البحث عن أصل الكون و حقيقة الإله من الأمور الغير قابلة للمناقشة إلى جانب الخوف من فقدان السلام الروحي و الهناء النفسي المتحقق لديهم من قبل الوهم ...إلا أن قمع التفكير الذاتي الأصيل النابع من ضرورة الالتزام بالموضوعية ا يسلب الموضوع لبه ، و نقصد هنا بالموضوعية أن يتجرد الإنسان من آراء غيره و أفكارهم و أن يجهز ذاته ويعطي عقله قابلية التفكير الحر في الظواهر التي يراها و يكتشفها و بصيغة أخرى أن يناضل الإنسان ضد الأفكار المتوارثة يضع بينه و بينها حاجز اللاجدوى من المتداول و السائد بعبارة إيريك فروم إن الذاتية الأصيلة الصادقة أكثر موضوعية من الموضوعية التقليدية التي يفقد الإنسان فيها تفكيره الأصيل و يصبح تفكيره نمطيا مشابها للآخرين... و عندما يتحقق كل هذا نكون قد استلمنا تأشيرة العبور للمرحلة التانية من الموضوع ...ما حاجتنا للإله ؟
حتى لا تكون كلمة الله عديمة المعنى و غوغائية بدون فائدة حري بنا أن نتلمس تعريفا دقيقا لها : و نعني بكلمة الله خالق من عالم الماوراء أي ما وراء الطبيعة و شيء جدير بأن نتوجه له بالعبادة ...و ترتبط حاجة الإنسان لإله خالص بذلك الخصاص الوجداني أولا و الفراغ العقلي تانيا الناتج عن عدم القدرة على تفسير مجموعة من الظواهر التعجيزية ، إن الأمر هنا رهين بضعف المخلوق أمام خبايا الطبيعة و سحرها و قوتها و عدم القدرة على تعليلها ، و موازاة مع هذا الضعف كان من الضروري للإنسان البحث عن قوى خارقة أكبر منه يعلق فيها تساؤلاته ، و البحث عن شيء جبار يتخذه محل قداسة و تبجيل لتتجسد لنا بذلك علاقة القوي بالضعيف ، ذالك القوي الذي يضمن للإنسان استمراريته و يوفر له الأمن و الأمان النفسي / المادي و يحجز له مقعدا في صفوف الباقين ... وقد تطرق نجيب محفوظ في العديد من رواياته لهذه المسألة عن طريق نموذج الحارة و من عجائب أهل حارتنا أنهم دوما يصفقون ...علام يصفقون ؟ إنهم يصفقون و يهللون للغالب كيفما كان الغالب الأمر متجدر فينا إذن مرتبط بتلك الحاجة الدفينة في البحث عن القوي و الانضمام لريعه ، كما هو الحال عند الطفل الصغير الذي يلجأ للبحث عن موطن للحماية إذا أصابه أدى من غريب ، بناء عليه جاءت الحاجة لإله كنموذج أعلى لتعلق عليه البشرية طموحها و فشلها أو تعزي له نجاحاتها و تبحث عنده عن ما يفسر عجزها و ضعفها .
و بات الإنسان بذلك ملزما بصنع آلهته التي يرى فيها سدادا لذلك الشرخ الذي أحدثته الطبيعة في نفسه و الوضع الغير قار الذي كان يعيشه في مراحل حياته الأولى ، الإنسان العار الذي لا وسائل له للحماية ...فكان لتعدد الآلهة مداه آنذاك إذ أصبح لكل مظهر من مظاهر الطبيعة إله معينا ، فالإنسان المفتقر للحب يجد راحته الوهمية مع آلهة الحب و آلهة الخصب و آلهة المعرفة ...و هكذا في محاولة للبحث عن عناصر صماء يرى فيها القوة و القداسة برزت بذلك مظاهر متعددة للتعبد و التدين كخاصية طبيعية و فطرية في ذات الإنسان مع خلقه منذ البداية و التي تتضح ملامحها أكثر عندما يشعر بالعجز و النقص و الاحتياج لعوامل خارجية فكان للديانات الأرضية و السماوية وقعها في أن تثبت الطريق للعالمين : من الكونفوشية التي كانت ترى في الإمبراطور كإبن لإله السماء الذي يتولى مسؤولية رعاية شعبه و الهندوسية التي حعلت من الإله إندرا إله الرعد و إغني إله النار قمة الآلهة اللذين يشتغلان معا في تدبير و ضبط الكون بمخلوقاته ...و البوذية التي رأت في براهمان الإله العظيم الغير الطيب القوي و العاجز في آن واحد عن مساعدة الناس و انتشالهم من المآسي المحلقة بهم و بذلك تسقط صفة الطيبوبة عنه ، أما اليهودية فرأت بأن الإله الواحد رب إبراهيم هو الذي يملك زمام الكون و السيطرة المطلقة على جميع المخلوقات ، في حين ظلت النصرانية تحتفظ بأقنوم الأب و الإبن و الروح القدس باعتبارهم قمة الكيانات المقدسة و تلتزم بظرورة الفصل بين الدين و الدولة عملا بوصاية المسيح اعط ما لقيصر لقيصر و ما لله لله . إلى أن جاء الإسلام الذي رأى بأن الله لا إله إلا هو الواحد الأحد و أن محمدا صلى الله عليه و سلم رسول من الإله و أن رسالته القرآن و سنته ينبغي اتباعها و تطبيقها حتى تستوي أمور الحياة لدى التائهين .
فمن التعددية الألوهية إلى البحث عن الإله الواحد الخالص و الحقيقي و لعل الأمر هنا راجع بالأساس لذلك التطور في ذهنية الإنسان الناتج بدوره عن التطور الحضاري ، كيف ذلك ؟ ساهم غياب التطور في آليات الحضارة و العلم في تعميق الفجوة الروحية التي ظل الإنسان البدائي يكابدها و لما كانت الحاجة لسد ذلك الفراغ ارتكن الإنسان إلى البحث عن آلهة يؤاجر بها عجزه ، إلا أنه مع مرور الزمن و التقدم الحضاري لم يعد الإنسان في حاجة لكل تلك الآلهة إذ حلت محلها عناصر جديدة تعوض ذلك النقص ، و تنتشله من الضعف الذي كان غارقا فيه باعتبارها كائن غير منتج مع افتقاره لسلطة الطبيعة أما الآن فقد أصبح قادرا على التحكم في الطبيعة الشيء الذي منحه القوة و جعل منه سيدا لها، و بالتالي قوة العلم و الحضارة عوضت قوة الآلهة .
من هنا ستظهر مجموعة من الجماعات اللادينية التي استغنت عن الدين فأصبح الناس يتحررون من قيود الكنيسة و أصبح العلم و الحضارة و التقدم مصدر الأمن و الأمان الروحي بالنسبة لهم ، و بالتالي أصبحت الديانات عنصر متقادم مستغنى عنه لصالح عنصر جديد هو التطور .
فبرزت مجموعة من التيارات التاوية وراء مجموعة من الرؤى منهم اللاأدريين و الربوبيين و الطبيعيين و المؤمنين ، أما الربوبيون فيختلفون عن المؤمنين بأن إلههم لا يستجيب للصلوات و ليس له أدنى اهتمام بذنوبهم ولا يتدخل بمعجزاته النزوية و هو بالنسبة لهم نوع من الوجود الكوني عكس الطبيعي الذي يطلق تسمية الإله كبديل لقوانين الكون و هو بذلك من مشتقات الملاحدة . في حين أن اللاأدريين هم اللذين لا ينتمون لأي تيار و لا يؤمنون بأي ديانة بل يرون في الدين أفيونا ، إذ تستوي لدى هؤلاء تلك النظرة القائلة بأن العالم من دون دين هو عالم هادئ و جميل ، عالم بدون انتحاريين بدون تفجيرات 11 أيلول بدون حرب إسرائيلية فلسطينية بدون مدابح و اضطهاد بدون جرائم الشرف أو مبشرين إنجيليين لا قطع لرؤوس الكفار لا سياط على جسد المرأة لأن أحدا لمح جلذها ...ربما هنا تبدوا اللأدرية هي الموقف المعقول و التوجه العقائدي الناضج .
و لكن بالرغم من كل هذا ظلت مسألة الإله الأعظم تصنع الفارق حتى لدى العلماء و المفكرين ، فعملية تفكير الإنسان تقوده بدون أدنى شك إلى أن هناك قوة خارقة تتحكم في صيرورة الكون ، فنحن عندما نخضع الذرة كأصغر شيء في الكون للتمحيص نستشف تلك الحقيقة القائلة بإمكانية وجود قوة عصية على الإدراك المادي الملموس ، و يحدث ذلك في نظام حركة شحنات الذرة الذي إما أن يخلق نفسه بنفسه كاحتمال أول و إما أن نفس شحنات الذرة من إلكترونات و بروتينات هي التي تخلقه ، و لكن و بالنظر لأن كلا منهما بحاجة للآخر فلا نظام بلا شحنات ولا شحنات بلا ذرة ، و لأن كلا منهما بحاجة لعامل خارجي أو قوة قادرة على الخلق و التدبير كان التفسير الوحيد هو وجود إله يتحكم في كل هذا ؟ فأين هو إذن ؟
إن الله روح لا يمكننا رؤيتها بالمرصاد الفلكي أو المجهر كما أننا لن نجد لذلك أفكارا و مشاعرا من تحليل الدماغ تزيل شقاءنا ، الله موجود باعتباره الطبيعة الكلية لا يمكن حصره في شيء معين ، هو الروح التي تسكننا ، هو الجمال هو الأخلاق هو المبادئ هو الشجر هو النبات هو البحر هو الحب هو الصدق هو الإخلاص هو كل شيئ جميل نفتقره ...لعل هذا هو التصور الحري بالفرضية الإلهية فبدل أن نتساءل هل الله يأكل ؟ استوى على عرشه فهو إذن يجلس ؟ ما هو شكله ؟ الأجدر أن نتساءل هل تتحقق لنا هذه الصفات ؟ هل هناك العدل ؟ هل هناك الخير ؟ هل هناك الرأفة ؟ ...متى تحققت هذه المبادئ وجد الإله فلا معنى لما ندعوه اليوم إيمانا بالله و نحن لا نراعي أرقى صفات الله ...
سنعود مجددا لنتساءل إذا كان الله هو الطبيعة الكلية فمن أين جاءت هذه الطبيعة إذن ؟ ربما كان من غير المجدي طرح هذه التساؤلات فالأمر هنا مرتبط بضرورة التسليم بعالم الماوراء بعبارة أصح التصديق بالغيبيات ، و نكون بذلك أمام احتمالان : الأول يتعلق بغض البصر عن تلك الإشكالات و الأسئلة و اعتبارها تدخل في إطار الغيب بحكم الإيمان و ما يتطلبه من تصديق بالمعجزات و بالأشياء الماورائية باعتبارها تدخل في حكم الله و في سره هو وحده ، فالله حملنا بقوة الأشياء على التصديق بتلك الغيبيات . و الثاني هو طريق اللادينيين اللذين لا إيمان لهم يمضون في الحياة كما يريدون منكرين وجود أي خالق مدبر . الأمر هنا شبيه بذلك البحار الذي يقود مجموعة من المسافرين إلى وجهة لا يعرفها إلا هو ، أما هم فلا يدرون مدى مهارته و قدرته و لا إجادته ، اللهم من ورقة في مدخل السفينة كتب عليها تعاليم السفر ، إذ هو في غرفة القيادة لا يعلم بوجوده أحد ، المهم أن القارب يمضي و يشق عباب البحر ، و بذلك أمامهم اختياران إما وضع الثقة في ذلك البحار الغيبي و التصديق بما هو مكتوب على الورقة أو التشكيك في وجوده و مهاراته و النزول ليتخد كل مسافر طريقه الخاص و قد يصل بذلك إلى بر الأمان و قد لا يصل... تلك مسألة يصعب الحسم فلكل شرعة و منهاجا .

يبقى الله إذن تلك الروح الغائبة فينا التي نفتقرها بافتقارنا لصفاتها أما الدين الحق فهو الذي لا يفرق بين إنسان و إنسان و لا بين رجل و امرأة و لا بين فقير و غني ولا أسود و أبيض ...الدين هو الذي يرفض الكذب و البهتان إذ لا يقول للناس اخفوا مشاعركم الحقيقية أو زاولوها في خفاء و أظهروا العفة و الرقي أمام الناس ، الدين ضد الكراهية و مع الحب النابع من النفس ليس المفروض لسبب اقتصادي ، الدين هو السلام و الأمن و السعادة النفسية ...الدين هو الحقيقة القابعة وراء التلحف بالباطل... و من تم كانت الحاجة لتعرية النفس و فهمها فهما إنسانيا حتى يتسنى لنا إدراك الإله الحقيقي .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمن سيصوت يهود أميركا في الانتخابات الرئاسية؟


.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم




.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah