الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة ..مابين الحقد المسيس وجمع الغنائم

نرمين خفاجي

2013 / 6 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



مش باقي مني غير شوية ضي ف عينيا....أنا هاديهوملك
وامشي بصبري ف الملكوت....يمكن ف نورهم تلمحي خطوة
تفرق معاكي....بين الحياة والموت
من فوق منصة اعتصام المثقفين المنتصبة أمام ديوان وزارة الثقافة كانت أغنية "مش باقي مني" ...تروي ملحمة مليئة بالمآسي من العبارة لقطار الصعيد، ورفرف على المكان أرواح ضحايا محرقة بني سويف، تاريخ من الألم تم ربطه بمآسي أخرى عايشناها ونعيشها تحت حكم مبارك ثم العسكر والإخوان.
لعل أكثر ما ميز اعتصام المثقفين هو خلق تلك المساحة الحرة للفنون على المنصة المقامة أمام ديوان الوزارة ويديرها لجنة منظمة ، ...الروح المعنوية العالية..يشوبها حالة من الإختلاط الطبقي ما بين الشعبي والبرجوازي ، أما الأزمة مع الوزير والإخوان فقد اتخذت عدة أبعاد أهمها الصراع الفكري الرهيب على هوية مصر الهلامية وضرورة الخلاص من الإخوان ومن الوزير الإخواني الذي أسفر فورا عن انعدام أي كفاءة باختياره قيادات خصوصا لدار الأوبرا ودار الكتب والوثائق القومية، لا تتوفر لها خبرات كافية لإدارة تلك المؤسسات وانتشالها من عثراتها وتطويرها، متاجرا بمصطلحات راجت بعد الثورة مثل التطهير من الفلول وأتباع النظام السابق، فاختيار علاء عبد العزيز كوزير للثقافة جاء ترجمة أمينة لرؤية الإخوان لوزارة الثقافة كجزء من غنائم السلطة التي يجب قنصها. وقوف المثقفين أمام الوزير والنظام الذي جاء به، خلق مناخ كثيف تطل منه صورة وزير كفاروق حسني يعبر عن نظام مبارك وزوجته، ووزير كعلاء عبد العزيز يعبر عن مرسي وعشيرته، أما الإعتصام فعكس صورة من صور مقاومة نظام الإخوان الذي يعد تهديدا لبعض الفنون الرفيعة كالباليه، وبالتالي تهديدا لمستقبل العاملين في هذا الحقل أيضا، مع الرفض المطلق للإخوان بوصفهم أعداءا للفن والثقافة والحرية، فتغير القيادات فقط حتى لو كانت من الكفاءات لن يغير من واقع تلك الوزارة التي يحكمها نظام إداري مركزي، مع جيش من البيروقراطيين الغير معنيين أصلا بالثقافة.
وما بين جشع الإخوان وتكلس المؤسسات وتحجرها، تضاءلت الثقافة كقضية وكمشروع وكخدمة من حق الشعب وفي خضم هذه الأزمة الطاحنة توارت المشاكل المزمنة لوزارة طال استخدامها لخدمة السلطة الحاكمة، حتى تحجرت هياكلها تحت ترسانة اللوائح والقوانين التي تحكم الواقع الثقافي الرسمي. واحتجبت مؤقتا قصص الفساد الفاضح في كافة هيئاتها.
والحديث عن تحفر وزارة الثقافة وانعدام وجود سياسات ثقافية لها قديم وتم طرحه قبل الثورة من مثقفين مستقلين بعدما توالت الكوارث بداية بحريق المسافر خانة في أواخر التسعينات ثم محرقة مسرح بني سويف وحريق المسرح القومي انتهاءا بسرقة لوحة زهرة الخشخاش، وايضا مع انهيار أوضاع دار الكتب والوثائق واعاقة البحث بسبب السطوة الأمنية المفروضة على هيئات عديدة بالوزارة، تحت دعوى حماية الأمن القومي والحفاظ على المقتنيات، والتي لم تمنع سرقة المتاحف ودوريات دار الكتب.
والوزارة المتحفرة تضم 10 مؤسسات كبرى كل مؤسسة منهم تفتح على قطاعات وادارات واحيانا مؤسسات أخرى مثلا المجلس الأعلى للثقافة الذي يضم اربعة قطاعات بالإضافة إلى ثلاثة شعب منبثقة من هيئة المجلس وهذه الشعب بدورها تضم اثنان وعشرون لجنة ثقافية في كافة فروع العلم والثقافة غير السراديب وجحور الديب، ولم يمنع وجود لجنة للتربية تتبع هيئة المجلس من انتشار التحرش بالفتيات، ولم تقف لجنة الثقافة العلمية حائلا دون انتشار الخرافات وتدهور المستوى العلمي لغالبية المصريين، ولم تقم لجنة الآثار بأي دور حيال التعديات على المناطق الأثرية أو بث أي وعي أثري للجمهور أو حتى التشجيع على زيارة المتاحف ..الخ.
والعشر مؤسسات التي تضمهم الوزارة هم:- المجلس الأعلى للثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، المركز الثقافي القومي – دار الأوبرا، المركز القومي للترجمة، الهيئة العامة لدار الكتب الوثائق القومية، قطاع صندوق التنمية الثقافية، أكاديمية الفنون، الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والأكاديمية المصرية للفنون بروما.
كل هذه المؤسسات تعبر فقط عن حالة من التمدد البيروقراطي، وتقف عاجزة تماما عن خلق مشروع ثقافي واضح الملامح يضع الشعب بكافة طبقاته على قمة أولوياتها، ويقدم معالجة ثقافية بسيطة وشعبية تسد الفراغ الثقافي وتقدم حلول للعديد من الكوارث الإجتماعية التي نعيشها، هذا غير عشش الفساد، والسيطرة الأمنية، واستخدام الوزارة وكرا لأهل الثقة وليس أهل العلم وانعدام الشفافية فيما يخص الكلام عن الميزانية وأوجه الصرف والمكافئات والحوافز لأباطرة الوزارة، في الوقت الذي تتدنى فيه تماما رواتب معظم موظفي الوزارة.
وقد وصل التمدد البيروقراطي إلى درجة تفصيل هيئات جديدة في السنوات الأخيرة لفاروق حسني وهذه الهيئات مستمرة وموجودة حتى الآن كهيئة التنسيق الحضاري، والمركز القومي للترجمة، وصندوق التنمية الثقافية، على الرغم من وجود لجان وهيئات أخرى بالوزارة تقوم بنفس أدوارهم، فمثلا الهيئة العامة للكتاب تقوم بترجمة الكتب، والمجلس الأعلى للثقافة به لجنة للدراسات الأدبية واللغوية ولجنة للترجمة، أما صندوق التنمية الثقافية فكان من الممكن أن يتبع هيئة قصور الثقافة أو قطاع الثقافة الجماهيرية.
بعد ثورة 25 يناير ظهرت عدة مبادرات من بعض المثقفين منهم من وضع دستورا ثقافيا أكد في بنوده على الحق في الثقافة- إبداعًا وتلقيًا وانها كالخبز والتعليم، كالماء والهواء وان المؤسسات الثقافية للدولة ليست ملكًا للحكومة، أو لوزارة الثقافة، بل هي أحد ممتلكات الشعب المصري. وجميع مسئوليها موظفون تكمن مهمتهم في حُسن إدارة هذه المؤسسات، بما فيه صالح الشعب المصري، وهذه المؤسسات يجب أن تحكمها آليات ديموقراطية في تقلد مناصبها الرئيسية؛ وهي ليست سلطةً؛ هي أداة "خدمية" تعمل في المجال الثقافي، لصالح ازدهار الثقافة المصرية، ورقيها نحو الأفضل وهي بذلك، ليس لها الحق في الوصاية على الحركة الثقافية أو المثقفين، أو توجيههم، أو ممارسة أية ضغوط- من أي نوع- عليهم. وليس لها الحق في أن تكون أداةً سياسية بيروقراطية في مواجهة الحركة الثقافية والمثقفين.
كما نص في بعض بنوده على تأسيس كيانات ثقافية مستقلة، في المجالات الثقافية والفنية المختلفة، لتغيير الواقع- على الأرض- إلى الأفضل والأرقى.
كما ظهرت مبادرات أخرى لهيكلة الوزارة أو تفكيكها لمؤسسات مستقلة مع إلغاء الهيئات التي ليس لها أي ضرورة وربط قصور الثقافة والبيوت الفنية بالمجالس المحلية ووضع سياسات ثقافية تحقق مطالب الثورة في الحرية والعدالة الإجتماعية وتسعى لنشر الثقافة والفن ودعم الفنانين، مع تطوير وتفعيل قصور الثقافة والبيوت الفنية والمكتبات خصوصا في الأقاليم، وإعداد منشطين ثقافيين واعدين للعمل بها لنشر الثقافة والفنون ورعاية الحرف التقليدية واكتشاف الموهوبين في كافة ربوع مصر.

لقد فتحت ثورة 25 يناير آفاقا جديدة للمقاومة والتغيير من أجل حياة أفضل، ومن هنا تأتي أهمية بلورة سياسات ثقافية، وخلق كتل ضغط تقف أمام الفساد ووضع حلول تنقذ المتاحف والمؤسسات الثقافية من الإنحدار الذي تتسارع وتيرته، فدار الكتب والوثائق والمتاحف بمختلف أنواعها تحتاج خطة سريعة لإعادة الهيكلة وفرز اللوائح والقوانبن التي وضعت لحماية الفساد، الخطة يجب أن تكون طويلة المدى وعلى مراحل، وتضع على أولوياتها تدريب كوادر من داخل الوزارة وتطوير قدرات العاملين ورفع أجورهم، وفتح قنوات تعاون مع المؤسسات الثقافية المستقلة، والأهم من كل ذلك وضع معايير واضحة لتولي المناصب الهامة حتى ننتقل من عصر أهل الثقة إلى عصر أهل العلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي


.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن




.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر