الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الأستاذ برهان غليون .. انه النبأ اليقين
حامد حمودي عباس
2013 / 6 / 29مواضيع وابحاث سياسية
كتب الاستاذ ، والمعارض السوري المعروف ، برهان غليون مقاله بعنوان ( اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) على صفحات العدد 4135 من صحيفة الحوار المتمدن وذلك بتاريخ 26/6/2013 .
ومع ان احد المعلقين على هامش ذلك المقال ، كان قد دفع بغير السوريين عن ساحة التعقيب او التعليق ، معتبرا ان ذلك حوارا للعاطلين ما دام يصدر عن غير أهل الدار .. مع هذا ، فإنني وجدت من المتاح لي ، أن أقحم قلمي في محاورة الاستاذ غليون ، كونه ، على ما أضن ، أهلا لقبول الرأي الاخر مهما كانت جنسيته .. فسوريا لها شرايين تشترك فيها مع العراق منذ ان تسلط عليهما معا نظامان لا يفرق بينهما غير اسلوب التعامل مع مواطنيه على أساس توفير سبل البقاء لا غير .. وحين قدر للنظام في العراق أن يرحل تحت مطرقة الاحتلال ، هب حكام سوريا للانتقام مما هب ودب على ارض الرافدين ، من خلال الترويج والاعداد لسلسلة طويلة من التفجيرات والاعمال الارهابية بشتى صنوفها ، لا زالت آثارها قائمة حتى اليوم .
ورب مدع يذهب الى ان سوريا ( النظام ) لم تكن لها الاصابع الفاعلة وبشكل مباشر فيما جرى من تخريب ودمار للبنى البشرية في العراق .. ولكنها كانت على الأقل ، ممرا يوفر الحماية للمئات من الإرهابيين المتطفلين ، ممن هدتهم منابر الوعظ في ليبيا وتونس والمغرب ومن ثم السعودية واليمن ، للمرور عبر اراضيها لضرب الشعب العراقي وبقسوة فاقت بكثير قسوة قوات الاحتلال الامريكي .
إن الوضع الجديد في المنطقة ، وما آلت اليه التغييرات الحاصلة وبشكل متسارع وخطير ، يجعل لعملية التحاور في الشأن السوري ، من الاهمية الكبيرة والى الحدود التي تجعلها أكثر اهمية من أي شأن آخر ، وذلك للاعتبارات التاليه :
1- لقد حادت مسالك ما سمي بالربيع العربي عن محاورها التي حددتها طبيعة الثورات المستندة على الغضب الشعبي المجرد من أية نوايا سياسية بعينها ، غير انها جاءت كردود افعال على عظم التسلط الدكتاتوري للانظمة القائمة ، ليبدو بعد حين من قيام تلك الثورات ، وكأن خارطة طريق كانت قد أعدت تفاصيل خطوطها مسبقا لسيادة عناصر الفوضى ، ومن ثم وصول التنظيمات الدينية المتطرفة الى مواقع القرار .
2- ادى هذا الطابع الجديد والمتجسد بغوغائية حركة السلاح وتجنيده لارهاب عامة السكان كما هو الحال في ليبيا حاليا وتونس ومصر وان كانتا باقل حدة ، الى خلق ظروف راحت تتحكم بحياة الناس وبشكل فضيع ، وذلك من خلال بروز ميليشيات مسلحة لا تهاب القانون لغياب الجهات التنفيذية وقلة هيبتها في الشارع .
3- وكانت سوريا ، باعتبارها ، وبموجب تفاصيل ومبررات خارطة الطريق الجديدة ، والتي تم اعدادها دون الاخذ بنظر الاعتبار مصالح الشعوب ، واعتمادا على معطيات ونتائج غياب الديمقراطية في هذا البلد المهم جدا من حيث الموقع والتأثير على افرازات الصراع الايراني الامريكي في المنطقه ، اعتمادا على هذا كله ، فان حدة الصراع قد بلغت ذروتها هذه المرة ، وشعرت جميع الاطراف المحيطة بالقضية السورية ، بان المعركة الجارية تعنيها وبشكل مباشر .. سيما وان تلك المعركة اضحت قريبة جدا من حدود الدول المعنية بتوابع الصراع ، وتوضحت هنا معالم وخطورة ان تسقط سوريا في براثن التنظيمات المتشددة ، لا لشيء إلا لكي تبتعد مكامن الخطر الشيعي عن قصور الاسر الحاكمة في الخليج ، وتتنحى ايران عن سلوكياتها في معاداة الغرب وبشكل نهائي ، فكان ان دخلت القوى المسلحة الخارجية هذه المرة وبشكل مباشر لتمثل جبهتي الصراع ، وبرزت وبصورة واضحة مبادىء الانقسام المذهبي على الاراضي السورية ابتداء من معركة القصير ( رفع حزب الله على مأذنة احد الجوامع بعد انتهاء تلك المعركة لصالحه شعار .. لبيك ياحسين .. ) حتى دون ان يعلم بمدى موافقة النظام السوري الرسمي على اطلاق هكذا شعار على اراضيه .. انه صراع بدت معالمه تتحدد وبشكل سريع ، واطرافه اصبحت مكشوفة للجميع ، متمثلة بجبهتين تتزعم احداهما ايران ، واطرافه حزب الله والعراق مع النظام السوري ، والاخرى تتمثل بالمعارضة السورية مدعومة من دول الخليج والولايات المتحدة الامريكية اضافة الى تركيا والمتشددين السلفيين القادمين من خارج الحدود .
هذه هي الحقيقة ، وليس كما يدعي البعض ، بان الركون الى هذا الفصل بين جبهات الصراع في سوريا هو التزام بمبدأ قديم ومتهالك ، كان يعتمد على نظريات المؤامرة ويضع تفسيرات افقدها عنصر التقادم فاعليتها واقترابها من الواقع الجديد .
ما يهمنا اليوم ، هو موقع المعارضة السورية من مجمل الاحداث الجارية من حولها ، وهو الموضوع الذي كان هدفا للاستاذ برهان غليون ضمن مقاله المذكور .. حيث كان الاستاذ غليون حميما في اطلاق وصاياه ( التربوية ) لاصلاح حال كان هو ضحيته شخصيا عندما بدت له الامور اكثر ضبابية ، وان اطراف المعارضة السورية بدأت تتشرذم رويدا رويدا ، فهي لم تكن ، على ما يبدو ، مستعدة فكريا وتنظيميا ، وحتى عسكريا ، لوجود كل هذا الزخم من الحركة المتسارعة على اراضيها ، والتي اتخذت طابعا اكثر اتساعا مما كانت قد اعدت نفسها اليه .. وهذا ما جرى في العراق بعد دخول القوات الامريكية عام 2003 ، حين وجدت المعارضة العراقية نفسها وعلى حين غرة ، امام وضع يحتم عليها اشغال فراغ لم تتعود على الوجود فيه ، فضلا عن ادارته وامتلاك القدرة على تحمل المسؤوليات الجديدة وبشكل انسيابي وسلس ، فكانت ان تخبطت ولاكثر من عشرة اعوام في عملها ، مما كلف الشعب العراقي الكثير من الارواح والاموال ، وهذا ما سينتظر الشعب السوري أيضا ، لو وجدت المعارضة السورية نفسها وبطريقة مفاجئة على كرسي السلطة .
لم يكن الاستاذ برهان غليون ، وهو يطلق وصاياه لاطراف المعارضة ان تتوحد ، بعيدا عن حسن النوايا الحاملة للغيرة على مصير وطنه ، ولكنه لم يكن موفقا ، في ذات الوقت ، بحمل مبضع تشريح القضية السورية لينفذ الى اعماقها كي يشخص اسباب عدم التوحد هذا ، ولم يكن منصفا حين ابتعد عن الشعور بالقلق البالغ على مصير شعب اصبح اكثر من نصفه مشردا ، وبهذا لابد من التحرك السريع والجاد لايجاد السبل الكفيلة بابعاده عن مخاطر الضياع خارج حدود بلده وبهذه الصورة المفزعة .. لم يكن منصفا ابدا ، حينما أفرد مرجعية الضرر الحاصل بحق المشردات من نساء سوريا بين فيافي الدول المجاورة ، وقريبا من خيوط العقال الخليجي المعروف بشرهه الحيواني المقرف ، والقاء تبعة ذلك كله على النظام السوري دون المرور على مسؤولية المعارضة ذاتها عن ما حصل ويحصل من دمار .. لم يكن باعتقادي متمثلا لخطورة ما يجري على ارض بلاده عندما ظهر وكانه يتحدث في مؤتمر من مؤتمرات اصلاح البيئة ، وليس من موقع الشعور بضخامة مسؤولية تتعلق بمصير شعب بدأت اوصاله تتمزق ، بفعل ارادات خبيثة تنزع لتحقيق مصالحها الدولية المحضة ..
يقول الاستاذ برهان غليون ( وضعنا يالتأكيد من اصعب الاوضاع التي عاشها شعب في التاريخ ) ، وهو تعميم يفتقر الى اي سند تاريخي .. ولو سلمنا بمقولة كهذه ، فماذا يمكننا ان نسمي ما مر به العراق وشعبه على سبيل المثال لا الحصر كنموذج قريب جغرافيا ومن حيث الزمن ؟ .. أليس من الموضوعي بمكان ان يستبدل الكاتب استناده الى النصوص الدينية المتعارف على سماعها من فوق منابر الوعظ ، وهو يوصي بلملمة شتات المعارضة ، بنصوص اخرى تدعمها تجارب المعارضة العراقية وهي اقرب من حيث الظروف والمواصفات الى المعارضة في سورية ؟ ، على اعتبار ان ما يمر به الشعب السوري ومنذ اكثر من سنتين يتطلب الحديث بلغة الجد المناسبة لحجم الكوارث اليومية والتي وصفها السيد غليون بانها ( اصعب الاوضاع التي عاشها شعب في التاريخ ) وليس بلغة اعتاد الاباء ان يوصوا بها ابنائهم قبل خروجهم الى المدارس كل صباح ؟ .
ثم يقول الاستاذ برهان في موضع آخر من المقال متسائلا ( من أين للمعارضة ان تأتي بالسلاح وخبرة العمل والتنظيم وتوزيع الاغاثة على مستوى 23 مليون ، وفي مدن وقرى تخضع للقصف الجوي والصاروخي والهجمات بالغازات السامة على مدار الساعة ؟ ) .. الجواب من المؤكد سيكون على لسان الطفل السوري والذي أضحى فريسة للعري والجوع والتهديد بالموت في كل لحظة وهو يستجدي رحمة مكاتب الاغاثة الدولية ، وكأني اسمعه يقول ( اذا كانت هذه حالكم ، فمن الذي أوحى لكم بان تتقدموا صفوف شعب اعزل لتضعوه في موقف المقاتل ، وانتم بعيدين عن ساحات حربه ، لا تجمعكم كلمة وليس لكم منهاج عمل موحد ؟ ) .. ( ماذا كنتم تنتظرون من بشار الاسد ان يفعل امام ردة فعل مسلحة ضد نظامه ؟ ) .. ( ماذا كانت تقديراتكم مسبقا للتداعيات التي ستحصل في سورية جراء ربيع شبيه بما حصل في الدول التي سبق لذلك الربيع ان حل بها من قبلكم ؟ .. ) .. ( أمن المعقول ان تحسب الاحداث ، كل الاحداث ، وبهذه الطريقة العفوية خاصة تلك التي تتعلق بتمزيق اجساد بشر، وهدم دور سكنية ، وتشريد نصف شعب والعبث بمقدراته ، ويركن لاصلاح الامر في النهاية الى توصيات أبوية قد يؤخذ بها او لا يؤخذ كما ورد على لسان الاستاذ برهان غليون ضمن مقاله الاخير ؟ ) ..
ان سورية ستمر حتما بمخاض عسير سوف يستمر ولأمد طويل ان غاب نظام الاسد وبالطريقة الحالية ، وان لم تنتقل المعارضة في هذا البلد الجريح من موقع المحلل من خارج الحدود ، وان لم تتخلى اطراف هذه المعارضة عن القيام بدور المراقب والمتربص للحضور عندما تنتهي لعبة الصراع بين دول لا تحترم حقوق الشعب السوري بقدر احترامها لنتائج قد توصلها لتحقيق مآربها الاقتصادية والسياسية والمذهبية .. ولابد للجميع ممن يضعون انفسهم في مواضع المدافعين عن مستقبل بلدهم من السوريين ، ان يفهموا ، بان قوعد اللعبة لا تقبل ابدا الاحتكام لدوافع الهوى الشخصي في رسم الاحداث ، ما دامت تلك الاحداث تدور بين رحى التخريب والهدم واستباحة حقوق الانسان ..
ان ما جرى ويجري في سورية ، وما سيحل في المستقبل ، لو بقيت المعارضة السورية ممعنة في التغريد خارج السرب ، لهو الخراب الشامل ، وسبقى مصير الانسان السوري محكوما بالعدم ، وسوف تنهال المزيد من الضربات على هامة هذا الشعب المسكين ..
انه النبأ اليقين .. ولم يكن من اختراع فاسق .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الى ادارة الحوار المتمدن مع وافر التقدير
حامد حمودي عباس
(
2013 / 6 / 29 - 10:39
)
عملا بالاعراف السائدة لدى اغلب مراكز النشر الورقية والالكترونية ، ارجو وضع مقالي هذا وفي نفس الموقع الذي عرض عليه مقال الاستاذ برهان غليون .. تقبلوا فائق احترامي مع خالص الود
2 - وجهة نظر منطقية
سيمون خوري
(
2013 / 6 / 29 - 17:43
)
اخي حامد حمودي عباس المحترم تحية لك للحقيقة مقالتك هذه عبرت عن بعض موقفنا اشكرك على تحليلك الراقي ونأمل من الأخ برهان قراءتها. مع التحية
3 - السيد حامد حمودي عباس
عبد الرضا حمد جاسم
(
2013 / 6 / 29 - 19:13
)
تحية و محبة و سلام واحترام
احسنتم فيما ربطتم و شملتم و اوضحتم
نتمنى ان يصحى او يصحو برهان وغيره وان يعترفوا بما ارتكبوا
سنحاول الرد عليه في موضوع منفصل
لكم الموده والتقدير
4 - الانفصال عن الواقع
عتريس المدح
(
2013 / 6 / 30 - 05:21
)
سيدي الكاتب المحترم
أحد المشاكل الرئيسية التي ابتليت فيه الشعوب العربية، هي وجود جزء من نخبة مثقفيه في ابراج عاجية يحملون ثقافة عامة عالية لا تتفاعل مع هم المواطن العربي
السيد برهان غليون هو من تلك النخبة التي تنفصل بشكل كلي عن هم المواطن العربي و إما أن يكون وبشكل متعمد لا يرى إلا من جانب واحد وهنا الكارثة تكون أكبر
ما معنى أن لا يرى بدو الصحراء الخليجية ينفثون ذلك الحقد الاعمى سما زعافا رصاصا دمارا ونهبا وتدميرا
ما معنى أن لايدرك أن فاقد الشيء لايعطيه، وبالتالي كيف لناهب ثروة في الخليج أن يدعم معارضة تريد ديموقراطية وازدهارا؟
ما معنى نهوض كل عتاة الامبريالية في العالم ليقدموا سلاحا ومساعدة لجبهات الظلام والتخلف
وبعد كل هذا لايرى استاذ السوربون شيئا
5 - الاخ سيمون خوري المحترم
حامد حمودي عباس
(
2013 / 6 / 30 - 08:53
)
يشرفني ما ورد عنك من تعقيب .. الشعب السوري يا سيدي تأكله المنافي ، ومعارضة نظامه لا زالت تأكلها ارضة اقتسام الادوار .. اكرر شكري وتقديري
6 - الاستاذ عبد الرضا جاسم المحترم
حامد حمودي عباس
(
2013 / 6 / 30 - 08:56
)
انا بانتظار مساهمتك القيمة في ذات الموضوع .. اثمن معاضدتك لي مع فائق التقدير
7 - الاستاذ عتريس المدح المحترم
حامد حمودي عباس
(
2013 / 6 / 30 - 08:58
)
ما جاء في تعقيبك هو في الصميم .. شكرا على المساهمة
.. أبرزها محور -جبل زين العابدين-.. 3 محاور تحاول من خلالها الف
.. بعد التطورات العسكرية -المتسارعة- شمالاً.. كيف بات مشهد توزي
.. جريمة تهز الشارع الأميركي: اغتيال من المسافة صفر
.. الفصائل المسلحة تحاصر حماة.. ومعركة واحدة تحسم مصير المدينة
.. ترمب يعين سفيرا خاصا لشؤون الرهائن ويعلق: آدم بوهلر تفاوض مع