الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع الدكتور جعفر المظفر: هل يخلع حسن نصر صاحبه مثلما يخلع الخاتم من اصبعه؟

مالوم ابو رغيف

2013 / 6 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


{عندما يكون هناك تصادم وخصومة بين الموقف الاخلاقي والموقف السياسي الى حد الالغاء، ان امتناعنا عن الفعل السياسي الذي يتقاطع مع عقيدتنا الاخلاقية يصبح ضروريا لكي لا نخرج منتصرين في السياسة وخاسرين في الاخلاق}
الدكتور جعفر المظفر في مقاله المعنون
{حزب الله والموقف من الثورة السورية.. بين الصحيح السياسي والخطأ الأخلاقي}
تناول الدكتور المظفر في مقاله المذكور العلاقة بين الاخلاق وبين السياسة، وهي مسالة غاية في الاهمية، ففي عهد الاحزاب الاسلامية الاكثر نفوذا في المنطقة، اصبحت المصالح والصراعات والتجاذبات والعلاقات السياسية في الشرق الاوسط تسوق كمبررات اخلاقية.
الاتجاه الاخلاقي في السياسة العربية ليس جديدا، فقد استخدم النبي محمد الدعوة الاسلامية لتحقيق غايات سياسية، تمكن من خلالها التسيد على قريش وفرض السيطرة على شبه جزيرة العرب، ثم فيما بعد اخضع الخلفاء الذين اتوا بعد دولا كثيرة غزوها لنشر المنظومة الاخلاقية الاسلامية.
فالدين نفسه ليس الا مجموعة نظم اخلاقية وطقوس عبادية لا تبتعد كثيرا عن الاخلاقيات، ولعل القول بان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر تفسر هذا التداخل بين العبادة والاخلاق. وتلعب الالقاب الاسلامية دورا في تاثير على بسطاء المواطنين، مثل لقب الحاج والسيد والشيخ والأية والسماحة والمرجع، ويمكننا هنا الاشارة الى ما لعبته الالقاب الدينية في حسم الانتخابات لصالح الاحزاب الاسلامية، هذه الالقاب لا تحمل مدلولات دينية فقط، انما مدلولات اخلاقية ايضا، كالصدق والنزاهة والامانة والوقوف بجانب الحق يمكنها التاثير على الذهنية العامة للمواطنين. ان الاخلاق توظف دائما لخدمة السياسة وليس العكس، اي لا توظف السياسة لخدمة الاخلاق.
قبل ان تشارك الاحزاب الاسلامية في العملية السياسة، وتصبح فصيلا شاذا من فصائلها، اذ ان احزاب الاسلام السياسي كانت تعتبر الديمقراطية والحرية رجسا وأثما لا ينسجمان مع الشريعة الاسلامية، وكانت هذه الاحزاب تسعى لأعادة دولة الخلافة ، لم يكن للجانب الاخلاقي في السياسة دورا يذكر، فالاحزاب السياسية العلمانية تعكس مصالح الطبقات والشرائح التي تمثلها ولا تعكس اخلاقياتها. لكن بعد ان ساند الامريكيون احزاب الاخوان المسلمين في المنطقة، وبعد نجحت هذه الاحزاب بدعم غربي وخليجي واضح بالوصول الى السلطة، تحولت السياسة من تمثيل مصالح طبقية الى منظومات اخلاقية وفتاوى دينية.
ومثل ما استخدم النبي محمد الاخلاق في نشر الدعوة الاسلامية واجتذاب الناس للدخول في الدين الجديد، استخدمت الاحزاب الاسلامية الاخلاق لنشر سياستها وتبرير اهدافها والاقلال والتشهير بالخصوم. لقد استطاعت الاحزاب والتيارات الدينية تحويل الصراع السياسي الى صراع اخلاقي، طائفي في احيان كثيرة، مما اثر سلبيا على الفهم السياسي العام للناس، بحيث اصبح التركيز الاول على الالتزام الاخلاقي الديني-الاجتماعي وليس النضال من اجل انتزاع الحقوق والدفاع عن المصالح الطبقية. وكمثال واضح على ذلك هو ما يجري في مصر، اذ اننا امام خطابين مختلفين، خطاب جبهة تمرد الذي يعتمد على تسليط الاوضاع على الفشل الذريع الذي رافق حكم الاخوان، وخطاب تجرد، وهي الجبهة المؤيدة لمرسي العياط، والتي تعتمد خطابا اخلاقيا يطعن بسيرة ونزاهة وشرف الخصوم.
ولقد برزت مقولة العقاب والثواب الديني كتبرير لفشل الاحزاب الدينية حتى بالتزاماتها الاخلاقية. فالمؤمن مبتلى، والابتلاء هو امتحان الهي للانسان لاختبار القدرة على الصبر الذي سيثاب عليه في السماء بعد الموت.
الدكتور المظفر في مقاله يطرح اثابة معنوية وليس مادية، معجلة وليس مؤجلة، اذ ان الامتناع عن الفعل السياسي اذا ما تعارض مع العقيدة الاخلاقية، يعني الانتصار اخلاقيا!! فقط لا غير.
ان ما يقوله الدكتور هو اقرب الى التصورات الصوفية البعيدة كل البعد عن عقيدة حزب الله الثورية التي تعتمد على تقديرات المنفعة والمصالح وليس على احلام الجنة. فالتحالف مع عدو الامس الجنرال ميشال عون فرضته متطلبات السياسة وليس اخلاقيات العقيدة. والتقارب مع نظام البعث في الفترة التي سبقت حرب الاطاحة بصدام، كانت لاعتبارات تكتيك السياسة وليس تكتيك الاخلاق. ورغم ان الوقوف مع البعث الصدامي كان تعارضا مع العقيدة الاخلاقية وفشلا سياسيا، الا ان ليس من احد، لا من التيارات السنية الحزبية ولا من التيارات الحزبية الشيعية اعتبر ذلك مثلبة او غلطة كبرى.
فهل على حزب الله ان يربح نفسه اخلاقيا حتى وان قاد ذاك الى خسارته سياسيا حسب ما يقول الدكتور المظفر؟
ان ذلك هو اللامعقول بعينه. اذ ان اي حزب في العالم هو مشروع لنجاح سياسي وليس مشروع لنجاح اخلاقي. الاخلاق تذبح دائما على محراب المصالح.
دعونا نستذكر حادثة شهيرة اضاع علي بن ابي طالب فيها نصرا وشيكا بعد ان اضطر للقبول بالتحكيم، فقد رفع معسكر معاوية بن ابي سفيان القرآن فوق الرؤوس وقالو ان كتاب الله بيننا وبينكم.
اضطر علي بن ابي طالب للقبول بالتحكيم، وقاد ذلك الى خسارة سياسية، فقد خرج عليه اصحابه واتهموه بانه ليس واثقا من حقه، فمن يثق بحقه عليه ان لا يخضعه للتحكيم ولا لاعتبارات الاخلاق. وعلي بن ابي طالب نفسه قد خرج على المقدس عندما قال لا تجادلوهم في القرآن فانه حمال اوجه تقولوا ويقولون.
ابو موسى الاشعري الذي اختير كاحد المحكمين، او الذين يتولون حسم مشكلة الصراع، خسر سياسيا واخلاقيا بعد ان خلع صاحبه{ علي بان ابي طالب} مثل ما يخلع الخاتم من اصبعه بينما ربح عمرو بن العاص سياسيا ولم يخسر اخلاقيا بعد ان ثبت صاحبه{ معاوية بن ابي سفيان} مثلما يثبت الخاتم باصبعه. فهل يخلع الملا نصر الله صاحبه مثلما يخلع الخاتم من اصبعه ويعيد التاريخ نفسه مرتان كلاهما على شكل مهزلة؟!
ان الصحيح السياسي هو دائما الصحيح الاخلاقي، وليس العكس، فالمنتصر هو الذي يفرض اخلاقه ودينه وشريعته، والخاسر السياسي يخسر كل شيء.
واذ كان حزب الله اتخذ الخطوة السياسية الصح كما جاء في مقالة الدكتور المظفر، فان ذلك يعني انه اتخذ الخطوة الاخلاقية الصح ايضا، هذا بمنطق السياسة وليس بمنطق الدين، اذ لا يصلح الدين ان يكون لا قاعدة ولا غطاء للسياسة.
اذ ان السياسة لها اخلاقها الخاصة ، وهي تختلف في اغلب مفاصلها عن تلك الاخلاق التي نستمدها من تربيتنا الدينية او الاجتماعية.
ان التغير والتبدل الذي يلاحظه الناس على السياسيين بعد استلامهم السلطة، هو انهم، اي السياسيين، يخلعون عنهم جلباب اخلاق العامة ويلبسون جبة اخلاق السياسة، فيبدون كالاغراب.
الدكتور مظفر ينظر الى موقف حزب الله من {الثورة السورية} بنظرة الحريص على مصلحة الطائفة، نظرة نرى فيها اثر الثقافة الشيعية بشكل واضح تستند على القول بنصرة الحق، ثقافة تستمد اطروحاتها من مواقف علي بن ابي طالب وشجاعته الذي، وعندما ضربه عبد الله بن ملجم بالسيف على رأسه صرخ فزت وحق الكعبة.
لا اعتقد ان حزب الله سيرضى ان يضرب بالسيف على رأسه ليضمن الفوز اخلاقيا او ليبرهن على ان الشيعة طائفة لا يهمها الا الحق او كي يفوز بالجنة. ان فعل هذا فهو حزب احمق.
كما ان الدكتور المظفر قد جانبه الصواب عندما حصر مفهوم الشعب بـ اولئك الثائرين على النظام السوري واستثنى منه المواليين له، مع ان المواليين ليسوا بالاعداد الضئيلة وغير منحصرين بطائفة او مذهب او دين.
في الحروب، وخاصة الاهلية او الطائفية، وحتى الثورية، ليس من الصحيح التحدث باسم الشعب، اذ ان الشعب سيكون منقسما على نفسه اولا، والتحدث باسمه من قبل اي طرف يعني اتهام القسم الثاني بوطنيته ثانيا، وفي احسن الاحوال يعني اهمال او عدم الاخذ برأي قسم كبير من الشعب، او اعتبارهم اعداء يجب محاربتهم والقضاء عليهم. فقد اعلن الجيش الحر مرارا وتكرارا بانذارات متواصلة تنص على ان من لم يلتحق بالثورة ويعلن العصيان، ويتبرأ من الطائفة التي ينتمي اليها والمحسوبة على النظام فسيتم قتله وتدمير بيته وقريته.
فالقول بان الموقف الاخلاقي يستدعي الوقوف مع الشعب السوري الثائر على النظام، يعني ايضا الوقوف ضد الشعب الموالي للنظام، وهذا تأليب وتحريض واضح ضد الناس وليس ضد النظام فقط. ان هذا الموقف الخاطئ كان اساسا للاحتراب العراقي العراقي، او السني الشيعي، حيث تم احتساب السنة على القوى الموالية للنظام، واليوم نحتاج الى عقود اخرى من الزمن للقضاء على الاحكام المسبقة وازالة نظرة الاتهام المتبادلة بين الطرفين.
لم يعد الحديث يدور عن ثورة سورية، بل عن حرب في سوريا تشترك فيها جميع القوى المتخاصمة والمتنافسة دوليا وسياسيا وطائفيا ودينيا ومصلحيا. واخر ما يمكن التحدث عنه في هذه الحرب الملعونة هي العقيدة الاخلاقية على حد تعبير الدكتور جعفر المظفر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ مالوم ابو رغيف المحترم
جان نصار ( 2013 / 7 / 1 - 09:45 )
ان السياسه والاخلاق لا يطغيان على المصالح لذا نحن نرى انهما متغيران بحسب الحاله السياسيه لكن المصالح تنتصر على الاخلاق في السيايه وتصبح متغيره غير مطلقه ولاترتهن الى معيار الاخلاق الدينيه.فمثلا الاخوان زمن مبارك طالبوا بفتح الجبهه المصريه والحدود لمحاربة اسرائيل وامريكا,اليوم هم موجودون بغناء امريكي صهيوني ولا يتحدثون عن فتح جبهه تحت حكمهم.حماس اليوم تهاجم حزب الله حلفاء الامس وتطالب بعدم تدخلهم في الشأن السوري مع موافقه ضمنيه لدخول جبهة النصره والقاعده واخرين.بالامس كانوا يأخذون دعم من ايران اليوم من قطر.
مقالك رائع ومتجانس واحيي قلمك وفكرك
تحياتي استاذي الفاضل


2 - الاخ العزيز جان نصار: الاختيار بين السيء والاسؤ
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 7 / 1 - 12:17 )
الاخ العزيز جان نصار المحترم
شكرا لك على المساهمة القيمة في توضيح العلاقة بين السياسة والاخلاق وشكرا لك على اطرائك الجميل.ـ
في كل هذا العالم السياسة هي التي تحدد نوعية الاخلاق. السياسة هي تعبير عن مصالح، والاخلاق هي شكل تسويق هذه السياسات، فالاحزاب الاسلامية تكون الاخلاق فيها شكل تسويقها في فترة ما قبل السلطة، وبعد السلطة تتغير الاخلاق وتاخذ طابع التبرير لسياسة معينة، وغالبنا ما يتم تسقيط الخصوم اخلاقيا. فالقول بان حزب الله قد خسر اخلاقيا مثل ما جاء في المقالة، هو تسقيط للحزب لموقفه المغاير من الاحداث في سوريا، وغالبا ما يتم اغماض العيون عن الشنائع التي يتركبها الطرف الاخر، متكوينات المعارضة السورية قد ارتكبت جرائم لا يمكن تصورها، منها الاغتصاب والذبح والتقطيع بالسكاكين عضوا عضوا والضحية على قيد الحياة واكل القلوب وغيرها، لكن الدكتور جعفر المظفر يغمض كلتا عيناه عن هذه السادية المتوحشة ولا يرى فيها سقوطا اخلاقيا، بل يرى ان كفة الاخلاق في صالح هذه العصابات الاسلامية.ـ اذا كان لنا الخيار في الوقف مع السيء والاسؤ، فانا ارى ان النظام السوري هو الاقل سوءا.
اكرر التحية والشكر

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah