الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزان العدالة يا أمى هل يعتدل؟

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 6 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



جاءت هذه الرسالة من شهيد الى أمه، فى ٢٧ يونيو ٢٠١٣

كنت أظن يا أمى أن الثورة ستحقق لك العدل والكرامة، لكن الدماء أغرقت الشوارع والميادين دون أن يتحقق الحلم، شهدت عذابك يا أمى دون أن أملك القوة فى طفولتى لأخفف عنك، كنت أود أن أضحى بحياتى كى يعتدل ميزان العدل، فلا تحزنى أن مت، فقط ضعى يدك على رأسى ولا تفارقينى فأنت الوحيدة التى يمكن أن ترانى وأنا أموت.

وإذا جاءت زوجاتى فأغلقى بينى وبينهن الباب حتى لا يشمتن فى موتى، وإذا جاء أبى فامنعيه من الدخول، فهو الذى أدخلنى كلية التجارة رغم إرادتى، وتعرفين أننى لم أحب التجارة ولا أبى، منذ رأيته فى الليل معها، كنت طفلا وضربنى فى الصباح لأشرب اللبن، وكل صباح أصبح يضربنى، فأشرب اللبن ثم أتقيؤه، كان يهددنى بالموت إن قلت لك، حملت الثقل فى قلبى، تغسلين سرواله وفى أنفك رائحة الخيانة تشمين، وفى عينيك أدرك أنك تعرفين، تغسلين وتطبخين وحتى يعود آخر الليل تنتظرين، ترين الكذب فى عينيه وتصمتين، لو أنك نطقت مرة، لو أنك رفضت أو تمردت؟ لو ذهبت إلى رجل آخر؟ ربما نمى لدى إحساس بالعدالة.

كنت أسمع المدرس يقول العين بالعين والخيانة بالخيانة، وظلت خيانة أبى محفورة فى الكون بلا فعل منك يمسحها، يزداد الخلل فى ميزان العدالة حين أراك فى وجهه تبتسمين، لم يكف أبى عن خيانتك ولم تكفى عن الوفاء له، ثم اعترفت لك يا أمى، لكنك لم تسمعى وإن سمعت تصمتى، لم أفهم لماذا تقابلين الخيانة بالوفاء ثم عرفت أنك كنت تخافين، وكل ليلة تبكين، وفى النوم تحلمين أنك نفذت تعاليم العين بالعين والخيانة بالخيانة، لكنك فى الصباح تتراجعين، لو أنك قاومت الظلم مرة؟ لو أنك دافعت عن حقك؟ ربما عرفت أنا العدالة، إن عجزت عن الدفاع عن حقك فهل تدافعين عن حقى يا أمى؟

ترين أبى يظلمنى ويضربنى، وفى كل صراع بينى وبينه تقفين تتفرجين، وإذا اشتد الصراع تنحازين إليه وعنه تدافعين، هو على صواب دائما وأنت عن الحق لا تدافعين، لو أنك قلت مرة إنه أخطأ، لو أنك حكمت مرة بالعدل؟ ربما عرفت أنا العدل، ربما قابلت الوفاء بالوفاء، لكنى أصبحت مثلك يا أمى أقابل الخيانة بالوفاء، وأصبحت مثل أبى أخون من تخلص لى وأخلص لمن تخوننى، أول امرأة فى حياتى كانت الخادمة الصغيرة تشمر جلبابها وتنثنى لتمسح البلاط فيصعد الدم إلى رأسى ثم يهبط ساخنا إلى أسفل، وتغلقين عليها باب المطبخ بالمفتاح، كنت أرى أبى يسرق المفتاح، ولم أقل لك، وإن قلت فأنت لا تسمعين، وإن سمعت تصمتى، فأصبحت أصمت مثلك وأخاف أن أنهض فى الليل فأراه معها فى المطبخ، وأحبس البول حتى الصباح، ويقول أبى إننى أبول فى الفراش، وأمشى فى النوم، وأقول إننى رأيته معها فترتعدين ولا تصدقين، وإذا ضربنى وقفت معه وعن الحق لا تدافعين، لو أنك وقفت مع الحق مرة؟

ربما فعلت مثلك، لكنك أبدا لم تفعلى، وسرقت من جيبك المفتاح، وحين يرانى أبى يصمت وحين أراه أصمت، وأصبحت لى حياة علنية تتناقض مع حياتى السرية، سأموت يا أمى فهل يعتدل ميزان العدل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأساس هش والبناء اعوج ما ينتج عنه تفاقم الأعوجاج
فؤاده العراقيه ( 2013 / 6 / 30 - 08:32 )
أجمل تحية صباحية لكِ
هكذا هي مجتمعاتنا تشبة بناية اساسها هش وبنائها مائل , والأجيال الجديدة تمثل طوابقها التي تبنى بأعوجاج مضطرين كما هم آبائهم وهكذا يستمر الأعوجاج ويحرق كل شيء بسبب المفاهيم الخاطئة التي ورثناها , لأب يخون والأبن يخون , يصمت الأب لفساد ابنه ويصمت الأبن طائعا للقوانين التي تقف مع فساد والده , اساس البناء ان صحت التسمية هش ونحن نبني فوقه طابق تلو الطابق دون ان نفكر بهدمه لأجل ان نجدد اساسه ونبنيه متيناً , فلا أمل من أن تقابل الزوجة خيانة زوجها بالخيانة , ولا عدالة تأتي بالخيانة بل بنبذها والصراخ بوجهها , عليها ان تهدم هذه الأسرة المزيفة افضل لها من أن تخرّبها اكثر بالخيانة , فالبناية لا تحتمل اكثلا اعوجاجاً , ولا امل من زوج يخون ويخرّب ولا أمل يرتجى من خيانتها له سوى خراب اكثر, عليها ان تمسح خيانته بالصراخ وعدم الرضوخ لها ومهما كانت النتائج ستكون افضل من البناء على اساس هش وبناية معوجّة

فلا سبيل لهدم القديم الا بالثورة على المفاهيم الخاطئة , وهذه لا تأتي بغير الوعي


2 - خان يخون إخ...
محمد بن عبدالله ( 2013 / 6 / 30 - 12:30 )
مقالة تعبر بها الدكتورة نوال السعداوي عن موقفها من حكام مصر الحاليين


3 - جذور المشكله
على سالم ( 2013 / 6 / 30 - 14:57 )
بالطبع كلها اعراض امراض اجتماعيه خطيره والسبب فيها بدون جدال هو الاسلام وتعاليمه الشيطانيه ,الاسلام احل الكذب تقريبا فى كل شئ ,اننا امام منظومه مروعه من الكذب والتدليس والجبن وانعدام الكرامه والشرف والانحطاط الانسانى ,انه بدون جدال سرطان خبيث ينخر فى امه العربان والمسلمين لاكثر من الف وربعمائه عام كالحه ,لايوجد امل فى صلاح هذه الامه البائسه الا بالقضاء التام على الاسلام الصحراوى والتقيه الغبراء وشريعه الصلعم الرهيب


4 - ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
علقمة منتصر ( 2013 / 6 / 30 - 15:08 )
لست أدري ما علاقة هذا المسخ بالثورة وميزان العدالة هل يعتدل أم لا وهو الذي يملك عدة زوجات ويعتدي على الخادمة ويسير على هدى أمه في ذلها ومع أبيه في انحطاطه خاصة وان الكاتبة تتعاطف معه؟


5 - الدين يا أستاذ علقمة..ردا على رقم 4
محمد بن عبدالله ( 2013 / 6 / 30 - 15:27 )
أرى في الأم الشعب المستسلم للآمرين باسم الدين فهي وإن كانت تعي وتفهم لكنها لا تجد في نفسها الجرأة الكافية للثورة على الزيف..(((ترين أبى يظلمنى ويضربنى، وفى كل صراع بينى وبينه تقفين تتفرجين، وإذا اشتد الصراع تنحازين إليه وعنه تدافعين)))

هل نتخلص يوما من مقولة خصوصيتنا الثقافية وتقاليدنا لنصبح بني آدمين مثل باقي البشر أم سيظل المسلمون عبيدا لما فرض عليهم بالقوة منذ أجيال فأصابتهم متلازمة ستوكهولم وصاروا أول المدافعين عن المذل المهين


6 - هههه...هذه رسالة نوال السعداوي
عبد الله اغونان ( 2013 / 6 / 30 - 17:40 )

رسالة شهيد على المقاس اسمه نوال السعداوي
مههههههههههههزلة


7 - حول رمزية القصة
علقمة منتصر ( 2013 / 6 / 30 - 19:47 )
هي طبعا، سيد أغونان، هي رسالة رمزية جادة كتبتها الكاتبة، لكني أختلف قليلا مع السيد محمد بن عبد الله في التعليق رقم 4. لنفرض أن الأم تمثل الشعب المغلوب على أمره والذي كثيرا ما وقف مع الاستبداد طوعا أو كرها (الأب في القصة)، بدون وعي، وليس واعيا كما قال محمد بن عبد الله، فالأم (الشعب) لم تكن تعي وتفهم وضعها نتيجة الاستلاب، أي نتيجة اقتناعها بأن الطاعة للأب واجبة دينيا مع خوفها من بطشه، ولهذا ترضى بوضعها أو كما يقول فقهاء الإسلام دور: وازع القرآن إلى جانب وازع السلطان. لكن المشكلة في رمزية الابن وعلاقته بالثورة. تقديري أن الذين قاموا بالثورة وهم مستعدون للتضحية من أجلها ليسوا من طينة هذا الابن خاصة شباب الفيسبوك وثورتهم ضد الهيمنة السياسية والدينية المصاحبة للاستبداد ولهذا يواصلون اليوم مقاومة الاستبداد الجديد المتسربل بالدين(ماعدا شباب الإخوان المستلبين مثل الأم). لهذا يبدو لي أن موقف الابن في القصة فيه غموض ونشاز.


8 - أستاذ علقمة
محمد بن عبدالله ( 2013 / 7 / 1 - 12:43 )
لا أريد تحميل المقال تفاصيل ربما تركتها الدكتورة نوال مبهمة قصدا، لذا أقول أنني ومن منطلق شخصي بحت..
لست أرى في الأب استبداد الحكام بل أجد فيه خير ممثل لمجموعة العقائد والعادات ؟ ) التي تكبل المجتمع والتي عهدنا تسميتها بـ(ثوابتنا الدينية وقيمنا) والتي ما هي إلا عفونة وزيف

يرى الشعب مايرى ويعي __عبر مرآة الدين المشوهة للواقع وفي حدود (ثوابت الأمة) تلك ___ فيقبل ويستكين بل يكذّب من يواجهه بالحقائق على الأرض

أدين عبر المقال المجتمع بأكمله المتشبث بقيمه الفاسدة العفنة...فبفعل التربية والمثل الأعلى لم تختلف الأجيال الجديدة عمن سبقتها إلا ببعض شجاعة دفعتها إلى الانتحار لادراكها أن القبح الذي تراه حولها قد تأصل فيها حتى النخاع ولا خلاص لها إلا بالموت

اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك


.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا




.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح