الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الزواج تنغيص للإنسان في هذا الوجود ؟

إدريس الغزواني

2013 / 6 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا مراء في أن مسألة الزواج و بناء أسرة معينة، لم تكن مجرد صيرورة ضاربة في الهواء، بل حافرة عميقًا في أخاديد التراث الإنساني و مرتبطة بالأساس بالعلاقة التي تربط الرجل بالمرأة، بحثا عن فهم و تفهم ممكن لمغزى هذه العلاقة الخارقة التي تتولد أو تتجدد، وتجد امتداداتها في الماضي السحيق.
إن مصطلح العلاقة الذي يحدد في كثير من الأمور جانب من جوانب حياتنا الشخصية اليومية، له دلالات كبرى سواء على المستوى الفرداني، بمعنى في علاقتنا مع الذات، و سواء على المستوى العلائقي، أي في علاقتنا مع الأخر رجلا كان أم امرأة. و علاقة الرجل مع هذه الأخيرة (المرأة) هي ما يهمنا في هذا المتن، على اعتبار كونها تتميز بمبدأ الحميمية و مبدأ الالتزام، أي تتميز بالمشاركة و التواصل الشعوري النشط بين الأطراف المعنية. و منه، فحسب ما يظهر لي هناك ثلاث مراحل أساسية تستوي في تحديد العلاقة التي تربط الرجل بالمرأة: 1 مرحلة ما قبل العلاقة، بمعنى تلك المرحلة التي يتواجد فيها الإنسان بصفة عامة في "الإجتماعي" ما قبل التحديد بشكل عام. 2 مرحلة العلاقة، أي عندما يدخل الرجل في العلاقة مع المرأة دون ممارسة جنسية، بحيث يصبح في إطار الثنائي الذي يندرج ضمن الكل. 3 مرحلة ما بعد العلاقة، بمعنى بعد العملية الجنسية و خصوصا في إطار الزواج، لأن هذا الأخير ليس إلا ممارسة الجنس بطريقة مشروعة على حد تعبير إميل دوركايم، أي أن الزواج ليس إلا شرعنة للعلاقات الجنسية لا أقل و لا أكثر، و في هذا الهنا يصبح الإنسان خائنا لفردانية ذاته و ذلك بالإرتماء في أحضان الأخر. إن الزواج باعتباره فكرة عقلية يبقى مسألة ذاتية طالما يظل في رأس صاحبه، لكنها ما إن تخرج هذه الفكرة و تتحقق في العالم الخارجي حتى تنفصل عنه و تتموضع، و هذا التموضع يعني أن الفكرة قد تحققت و أصبحت موضوعا خارجيا ينفصل عن صاحبها بل ربما يعود فيقيد حركيته و يحد من تصرفاته، أي أن الفكرة تتحول من الداخل إلى الخارج، من العالم الداخلي الذاتي عند الفرد إلى العالم الخارجي الموضوعي. و عليه، فإن هذه السيرورة التي تمر منها الأفكار هي في النهاية ما يسميه هيغل بالإنتقال من العقل الذاتي إلى الروح الموضوعي التي تدرسه الفلسفة السياسية عند هيغل.
فإذا كان هذا الأخير (هيغل) يعرف الزواج على أنه الحب الأخلاقي المطابق للقانون، وإنه الحب الذي " تختفي فيه كل العناصر العابرة وكل الأهواء وكل ما هو ذاتي خالص"، فإن شوبنهاور يرى بأنه واهم كل الوهم الذي يزعم أن هذا الزواج يقوم أو يمكن أن يقوم على الحب الخالص الذي يؤدي إلى السعادة الشخصية لكلا الطرفين الرجل والمرأة، و بالتالي فهو يرى أن الغريزة الجنسية تدفع الإنسان إلى الإنجاب الذي ينطوي على أسباب البؤس والشقاء، كما أن الزواج لا يقوم إلا من أجل تحقيق غاية واحدة وهي حفظ النوع. و في الوقت الذي اقتنع فيه فريق بأهمية الزواج ودوره في الحياة وصيرورتها الإجتماعية التي تصير نظاما اجتماعيا موضوعيا يدخل فيه الإنسان وبكامل إرادته ولكن لا يستطيع الخروج منه إلا بشروط، و كذا دوره في خلق نوع من التوازن الإجتماعي داخل المجتمع، يرى فريق آخر أن الزواج ليس إلا تنغيص للإنسان في هذا الوجود ومصيدة للمرء لكي تجدد الطبيعة دورتها من خلال التناسل، و إعادة بلورة أشخاص آخرين ليست لديهم أية مسؤولية على مصائرهم، و ربما يرتهنون من قبل آبائهم و بالتالي يصبحون ضحايا خطأ تاريخي ارتكبه رجل و امرأة باسم الحب، هذه الكلمة التي لا وجود لها إلا عند أصحاب الشخصيات الضعيفة التي يستعملونها كميكانيزم دفاعي، أي أن الحب كما قال جاك لاكان "شيء لا نملكه، و نود أن نعطيه لشخص لا يرغب فيه"، و بهذا المعنى فإن عنصري ما يسمى ب"الحب" و كذا الغريزة الجنسية في رأي شوبنهاور يدفعان الإنسان إلى الإنجاب الذي ينطوي على أسباب البؤس والشقاء.
و عليه، فإذا أصبحنا في الآن و هنا شوبنهاوريين ( نسبة إلى الفيلسوف شوبنهاور)، سنجد أنفسنا أيضا نيتشويين ( نسبة إلى الفيلسوف نيتشه)، لأن هذا الأخير ناصر ما قاله أستاذه شوبنهاور في هذا المتن عندما يعتبر أن العلم و الأمانة والإبداع ليسوا من نعم الإحباط و الألم و التفكير الدائمين و حسب، بل أيضا من نعم العزوبية، بحيث أن جميع الأزواج مشبوهين من ناحية التفكير الفلسفي و التثقيفي، ومن الحمق والبله أن يشغل إنسان مفكر و عالم نفسه بأعباء الاهتمام بالحب والأسرة وكسب العيش وتوفير الأمن والراحة للزوجة والأولاد.
و بالرغم من كون الزواج هو عقد مدني و حب أخلاقي عند صاحب ميتافيزيقا الحق الفيلسوف إمانويل كانط، أي أن الزواج هو علاقات مشاركة بين كائنات حرة، وبالتأثير المتبادل لأحد الأشخاص في الأخر وفقا لمبدأ الحرية الخارجية يكونان شركة بين أعضاء تؤلف كلا من الأشخاص المتعايشين معا و تسمى الأسرة. فإنه أيضا فيه يستسلم كل من الرجل والمرأة لبعضهما البعض، وفي هذا الفعل يفقد الإنسان شيئا من ذاتيته و فردانيته الفردية، وهذا يتناقض مع حق الإنسان في شخصه و كينونته، وبالتالي فإن هذا الأمر لا يكون ممكن إلا بشروط، بحيث أنه بينما أحد الزوجين يمتلك الآخر كأنه شيء، فإن الآخر يمتلك الأول بدوره، و بالتالي تصبح هنا قيمة الشخص لا معنى لها على هذا الإعتبار لأنه يربط مصيره و حياته بإنسان آخر، أي أن الإنسان لم يعد حرا ( إذا ربطنا الحرية بمسألة الإستقلالية )، و لا حتى حداثيا لأن الحداثة في أحد معانيها هي إثبات و الإعتراف بالذات في ماهيتها و كينونتها و حريتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا