الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني بالمغرب : جنينية المفهوم و تشوهات الفعل

عبد الرحيم العطري

2005 / 5 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المجتمع المدني بالمغرب
جنينية المفهوم و تشوهات الفعل
عبد الرحيم العطري
باحث في علم الاجتماع من المغرب
في الوقت الذي تصر فيه المناضلة الاستثنائية خديجة الرويسي على تقديم نموذج حيوي ومتقدم عن خصوبة المجتمع المدني بالمغرب، وعن انضباطه لخلفية حقوقية كونية تنحاز إلى صوت الحق مهما كانت المسافة بعيدة بين صاحبه والمدافعين عنه، وفي هذا الظرف الاستثنائي أيضا الذي تعلن فيه الإضراب عن الطعام دفاعا عن مختطفي العهد الجديد الذين قد يصدرون في حقها فتوى التكفير واستباحة الدم، وذلك في سابقة نوعية، تعبر عن وجه مشرف من حركية هذا المجتمع، في هذا الآن بالذات ينفضح وجه آخر لمجتمع مدني مزيف، ولمناضلين مزيفين يتحركون ويدورون في فلك المصالح والغنائم، ويتأكد قويا بأن الوهم هو ما يسيج جانبا كبيرا من هذه الحركية التي تعلن انتماءها خطأ واعتسافا للحداثة وحقوق الإنسان.
 أسئلة البدء
لكن قبلا هل ما يتراءى أمامنا زمن هياكل جمعوية وتنظيمات مدنية يعبر حقيقة عن المعنى المفترض للمجتمع المدني؟ وهل ما يتناهى إلينا من حركيات وفعاليات يعكس المفهوم النبيل للمجتمع المدني الذي نحته المثقفون العضويون خلال عصر النهضة والأنوار؟
وإذا المجتمع المدني يشير رأسا إلى عدد من المؤسسات والبنيات والأنساق الوسيطة التي تمنع عن الفرد/المواطن شطط السلطة، فهل نجد تمثلا تاما وواقعيا لهذا المعنى في فضائنا المجتمعي؟ وهل ما يتعالى ويتراقص في حقولنا السياسية والثقافية وفي مختلف واجهات النضال والفعل الإنساني يدل على الإتكاء المباشر على البعد المدني في الإشتغال والحضور؟
إنها أسئلة تائهة تبحث عن معنى ما في زمن اللامعنى، تهفو من ورائها خلخلة وتفكيك كثير من صروح الجاهز واليقيني، على اعتبار أن مطمح السؤال السوسيولوجي هو التفكيك وصولا إلى الفهم والاحتواء المعرفي!
 مجتمع من مجتمع
إننا إذا نظرنا إلى المجتمع المدني باعتباره مجموعة من المؤسسات المدنية والاجتماعية وجملة من القنوات والمسارب التي يعبر بها المجتمع الحديث عن مصالحه وغاياته، ويتمكن من الدفاع عن نفسه في مواجهة طغيان المجتمع السياسي المتمثل بالدولة، فإننا نفهم كيف أن هذا المفهوم الذي يتمتع بوضوح شديد في أذهان المواطنين في الغرب، يقابل بالغموض في ذهن المثقف العربي فما بالنا بالإنسان العادي فهذا المجتمع الذي يبدو أن هناك سعي متواصل لتأسيسه وتفعيله، تأكيدا للحق في المواطنة، تعترضه عدة صعوبات "محلية الصنع" ! فباعتباره مجموعة من القنوات التي يحتمي بها الفرد اتقاء شرور وغطرسة النظام المخزني، وبالنظر إلى كونه نتاج اجتماعي خالص لواقع معين، فإنه يلتفح ويتأثر أيضا بمعطيات هذا الواقع وما يتفاعل فيه، ولهذا وعلى الرغم من كل هذا الاتساع الكمي الذي تعرفه هياكل المجتمع المدني مغربيا، والتي توحي بالانتقال والقطع المباشر مع التقليد، فإن طبيعة التكوين والنشأة تظل وفية لكل ما هو تقليدي .
 خلفية تقليدية
وإذا كان الانخراط في المجتمع المدني وحركيته يدل على مستوى السطح لا العمق على انخراط مسبق في خيار الحداثة وما بعد الحداثة، فإن ما يحكم وما يؤطر أدوات الفعل المدني لدينا يؤكد عكسيا بأن هناك ارتكان دائم لخلفية تقليدية، قد تقطع أحيانا حتى مع أبسط مظاهر الحداثة، بحيث يصير تكوين جمعية ما محكوما بسؤال القرابة والعشائرية، تماما كما هو قائم في المشهد الحزبي، وعليه نجد إطارات جمعوية تربط بين صانعي القرار فيها تحديدا رابطة القرابة والمصاهرة أكثر من أي روابط أخرى يفترض فيها أن تكون مفتوحة على الهاجس التنموي المواطناتي، بل إن مسارات الاشتغال ذاتها غائصة في البدء والختام في سياقات تقليدية تجعل الجزم بتشكل المجتمع المدني هنا والآن مغامرة فكرية حقا.
إن التفريج المتواصل للجمعيات والنقابات والأحزاب والظهور المتوالي للجماعات والمبادرات التي تسبغ على نفسها صفة المدنية وتجهر في كل حين بأهدافها الحقوقية والمواطناتية والتنموية، إن ذلك كله لا يخلو في امتداداته من إشارات البدء الزواياتي كما يقول الأستاذ نور الدين الزاهي، ولا يتحرر من ملامح القبيلة والعشيرة، بل إن مسألة الإنقسام التي تداهمه من حين لآخر لا تكون على أساس تباين الأهداف والخطوط الإيديولوجية بقدر ما تكون مشروطة بالصراع حول الزعامات والرساميل التي يحوزها هذا الحقل، وفي ذلك استلهام واضح لأسلوب اشتغال النسق القبلي والزواياتي.
 الحراك الإجتماعي
مسألة أخرى تطرح بقوة في سؤال المجتمع المدني بالمغرب، وهي بالضبط تركز حول النهايات والمطامع القصوى لكثير من المناضلين في عوالم التنظيمات والهيئات المدنية.
فالانتماء إلى منظمة ما بالنسبة للمحسوبين خطأ على حركية المجتمع المدني وفقا للمفهوم النبيل، يظل مرتبطا بحسابات الحراك الاجتماعي والوصول إلى دوائر النخبة وصناعة القرار.
وعليه فقد بتنا نشاهد اليوم - وبمزيد من الأسى - تسابقا محمودا نحو احتلال مواقع متقدمة في جمعيات تنموية أو ثقافية واقتصادية، وصرنا نعيش على إيقاع التناسل المفضوح لجماعات وتوقيعات تبغي كسب الرضا المخزني، ونيل حظها من الكعكة إياها! بل هناك من اهتدى إلى الاستثمار في الباثولوجيا الاجتماعية واحتضان الفقر وأطفال الشوارع، ليس حبا في العمل الجمعوي، ولكن فقط من أجل الحراك والتسلق الاجتماعي!
وهكذا فقد غدت اليوم قضايا حقوق الإنسان ومأزق الطفولة ومساندة العراق وفلسطين وشباب الهاردروك وكل مظاهر الإفلاس المجتمعي، ملفات جاهزة تنتظر من يركب عليها من اللاهثين وراء بقع الضوء، فهل بهكذا عمل جمعوي مثلا يمكن الحديث عن المجتمع المدني؟ وهل بهياكل ومبادرات ورسائل مشفرة تصدر عنها وفي ظروف محددة يمكن أن نراهن هذا المجتمع في أعمال التغيير، وهو الذي أريد له "من طرفهم طبعا" أن يصير وسيلة ناجعة لصناعة الأصنام والنخب المزيفة وتحقيق المآرب الشخصية؟ وهل في ظل هذه المعطيات كلها يمكن الانتقال من دولة الرعايا إلى دولة المواطنين والحق والقانون؟!
 عبدة الشيطان
أو لنقل شباب الهاردروك ما دامت القضية قد تم اختزالها في مسألة تضييق على حق هؤلاء الشباب في الإنصات لهذا النوع، وما دام الشيطان قد تم إقباره من ملفات هذه القضية!
إن شباب الهاردروك حسب تسميتهم الجديدة والذين ملأوا مساحات شاسعة من صفحات جرائدنا خلال الأسابيع القليلة الماضية، والذين طويت ملفاتهم "بفضل" حركية احتجاجية مدنية، لتفسر بجلاء هذا الواقع الذي يندلق معه ذلك الجانب المزيف من المجتمع المدني.
إن هذه القضية الملتهبة كشفت بالملموس أنه في مقابل النموذج الحيوي الذي تقدمه خديجة الرويسي عن تطور المجتمع المدني، هناك نموذج رديء وماسخ للأباطرة الجدد لهذا الحقل الملغوم، فكثيرون هم الذين خرجوا علينا بمناسبة هذه القضية يحللون ويناقشون ويدافعون عن حقوق الإنسان وتحديدا عن الحق في سماع هذه الموسيقى الصاخبة، فلماذا كل هذه الجعجعة؟
ذلكم سؤال شقي تأتي عن طريقه الفضيحة، فلأن عاشقي الهاردروك من المتابعين في قضية عبدة الشيطان من الذين هم فوق، ولأنهم ينحدرون من أسر محظوظة مالكة لوسائل الإنتاج والإكراه في المجتمع، فقد استنفر المجتمع المدني بشكل غير مسبوق، وبدأ تسويق وجوه قديمة وأخرى جديدة باسم هذا المجتمع المزيف، في محاولة لتلميع الصور وإثبات الذات.
 زمن المبادرات
فمن خلال الركوب على قضية عبدة الشيطان عفوا شباب الهاردروك من خلال النضال المستميت الذي أبداه بشأنها أباطرة الوقت المغربي، وعبر فداحة الصمت الذي يبدونه اتجاه العديد من الملفات والقضايا الساخنة، والصخب الذي يعمدون إليه لحظات أخرى، من كل ذلك النقد التعميمي البارد والخطاب التمجيدي الساخن يفتضح أمر هؤلاء المدنيين الجدد الذين يدورون بمبادراتهم في فلك مالكي وسائل الإنتاج والإكراه.
إن ملاحقة كثير من المبادرات التي تدعي الانتماء للحركية المدنية، وذلك بالنقد التفكيكي تقود إلى الاعتراف بأنها لم تحرر من جينات التقليد المتصلة بالقرابة والقبلية والعشائرية، وأنها تتغيا وتشتهي الحراك والوصول إلى صناعة القرار ما يعني ذلك من انخراط في الدفاع عن مصالح المتحكمين في موازين القوى.
إن مبادرات مثل جماعة الصحراء وإعلان الحداثة والديمراطية ودعم شباب الموسيقى وغيرها من الخرجات المدنية التي تطبل لها وسائل الإعلام بعيدا أحيانا عن البراءة والموضوعية، تنطوي على كثير من الآليات التي تؤطر الفعل المدني مغربيا، وتدل من خلال تشريحها على أن هواجس الانتفاع السوسيوسياسي تحركها وتدفع بها نحو مراكز القرار، إنها في النهاية بالونات اختبار ورسائل مشفرة لمن يهمه الأمر، ولا يهم طبعا أن يكون توجيه الرسالة داعيا إلى استثمار قضية الصحراء أو سؤال الحداثة والديمقراطية أو عبدة الشيطان أو... أو... المهم هو أن تصل الرسالة ويتم حصد المواقع انتهاء!!
إن هذا المسار ذكره لا يعني انصياعا لعقلية المؤامرة والتخوين، لأن الاقتناع بأن هناك مدنية صادقة في مقابل نضالات مشبوهة تحكم على المجتمع المدني بالإنسجان كرها في المرحلة الجنينية، فمتى الخروج من هذا الوضع المأزقي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع