الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصول الفلسفية لمفهوم الهابتوس عند بيير بورديو

محمد بقوح

2013 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعتبر مفهوم الهابتوس مبدأ جوهريا ضمن المفاهيم الأساسية، التي تنبني عليها نظرية الحقل الاجتماعي، في إطار فهم آليات اشتغال الحقل المجتمعي وفق سوسيولوجيا بورديو. باعتبار أن كل ظاهرة اجتماعية حسب المنظور السوسيولوجي البورديوي هي بمثابة حقل اجتماعي مركب، ذي طبيعة شمولية معقدة، من حيث مكوناته التي تتعالق في داخله، على شكل قوى اجتماعية و اقتصادية و سياسية، تتصارع فيما بينها من أجل امتلاك السلطة، و فرض الهيمنة بالرأسمال، سواء المادي أو الرمزي، على كلية ذلك الحقل، اعتمادا من جهة على الإمكانيات الذاتية للقوة المهيمنة ( بكسر الميم )، كأن تعتمد على منجزها الفكري السياسي أو الاقتصادي المادي، و من جهة أخرى تستند بشكل يكاد يكون أساسيا على الإمكانيات الغيرية كعوامل رئيسية، في تحقيق الهيمنة السياسية و الاقتصادية، و بالتالي فرض سيادتها، كسلطة مسيطرة و مهيمنة على القوة الضعيفة و المهيمن عليها و التابعة لها. بمعنى آخر، نحن هنا أمام صراع سياسي تم حسمه بالهيمنة الاقتصادية، بين قوة اجتماعية فرضت ذاتها كسلطة قوية، تمتلك ما يكفي من عوامل و سبل القوة و السيطرة، ضد قوة اجتماعية، أو مجموعة من القوى التي تشكل تركيبة أو طبقة، تتميز بملامح اقتصادية و اجتماعية و ثقافية منسجمة نسبيا.
لعل هذا التوصيف التشكيلي و التكويني، ذي القدرة على تجميع الطاقة الدافعة إلى الأمام أو في اتجاه الخلف، حسب طبيعة الصراع الدائر، بين القوى المتفاعلة و المتصارعة داخل ما يسميه بورديو هنا بالحقل الاجتماعي، هو الذي يطلق عليه هذا الأخير مفهوم الهابتوس.
كما لا يخفى أن هذا المفهوم المنهجي، الذي استعمله بورديو كإجراء أساسي، في العديد من تحاليله الاجتماعية الغنية، لم يكن وليد كتاباته في القرن العشرين، بالرغم من أنه ساهم بشكل كبير في تطوير و تحسين قوة المفهوم الإجرائية و المنهجية، إلا أنه سبق للعديد من المفكرين الفلاسفة، أن تناولوا مفهوم الهابتوس في كتاباتهم الفلسفية، بشهادة بورديو نفسه في كتابه إعادة الإنتاج. و بالتالي فيمكن القول أن بورديو، يحسب له السبق العلمي في تحويل المفهوم أعلاه، من الاستعمال الفلسفي المعرفي، إلى التوظيف و الاستخدام السوسيولوجي المادي، في إطار صراع القوى المجتمعية، من أجل فرض السلطة، و ربح رهان الهيمنة.
و من الفلاسفة الأولين الذين انتبهوا إلى مفهوم الهابتوس، نذكر الفيلسوف الإغريقي أرسطو، الذي استعمل المفهوم باعتباره هيئة خارجية و استعداد جسدي. في حين يرى الفيلسوف الألماني في لحظة فلسفية متقدمة زمنيا، أن مفهوم الهابتوس يرتبط بمخزون من المعارف، التي تحرك قدرات الإنسان. أما الفلسفة الهيغلية حديثا، فتذهب إلى مذهب فلسفي مختلف، و مركب مما هو خلقي و سياسي، بحيث أنها أسست معنى المفهوم، على أساس الاستعداد الخُلقي و الخلْقي، كما يقول بورديو، امتثالا لأخلاق الواجب. في المقابل، يفهم لايبنتز نفس المفهوم انطلاقا من فكرة حرية الآلة، في حين يربطه ميلوبنتي بفكرة قبلية التفكير. غير أن مفهوم الهابتوس، سيصبح عند فيتغنشتاين عبارة عن معرفة عملية، يتم بها ترويض الجسد اجتماعيا.
هكذا يستكمل مفهوم الهابتوس، كمفهوم فلسفي في أصوله الأولى و تطوراته اللاحقة، دورته المعقدة الكلية العامة، عبر مجموعة من التجارب الفلسفية القديمة و الحديثة، ليتخذ عند بورديو في النهاية حلته العلمية الاجتماعية، ذات الأبعاد المعرفية العميقة الشمولية، في إطار النظرية الواقعية المادية، و القراءة العلمية و الاجتماعية للمعطى المجتمعي الكلي و المركب المعقد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل