الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سنة أولى إخوان

جمال ابو لاشين
(Jamal Ahmed Abo Lasheen)

2013 / 7 / 4
المجتمع المدني



يقولون في علم الاقتصاد ان هناك حداً معين للخسارة تصبح بعدها المؤسسة أو الشركة عبء يجب التخلص منه، وفي علم السياسة يقولون لا تنهار الدولة من الخارج إلا إذا انهارت من الداخل، وبنظرة متفحصة لما آل إليه الوضع في مصر قد نستطيع الوقوف على الأسباب التي قادت ليكون الحكم فيها عبئاً وجب التخلص منه ( بمعنى تغييره).

منذ بدايات ثورة 25 يناير 2011، والتحاق الإخوان بركبها في 28 يناير وما تبعه من إرهاصات دفعت طلعت السادات لأن يقول لمحمد بديع مرشد عام الإخوان المسلمين : " مصر بتضيع يا بديع وكله بسببكم " كان الخلاف وقتها على ان الإخوان يعملون ضمن أجندتهم الخاصة بعيدا عن القوى الثورية الأخرى المشاركة بالثورة، والتي قادت في النهاية لتفتيت تلك القوى أمام الأجندات الخاصة، وخلقت صراعاً سبق اعتلاء الإخوان سدة الحكم.

لقد حسب الإخوان أن شعبيتهم كافية لحصاد الثورة والتمثيل في كافة مؤسساتها، ورغم أنهم ترددوا في أن يكون لهم رئيس ونفوا بداية رغبتهم في رئاسة مصر إلا أنهم عادوا وطرحوا رئيساً لهم، لقد كان التفكير ينصب على السيطرة لا المشاركة، خصوصاً وأن مصر خارجة من ثورة ومطالب الشعب بالحرية والعدالة الاجتماعية والتحسينات الاقتصادية هي الأهداف التي رسمها الثوار وينتظرها شعب مصر بلهفة بعد أن اسقط نظام مبارك وكان يبدو أن الحمل ثقيلا جدا على من سيعتلي شدة الحكم ,و وجب عليه أن يتشارك مع الجميع منذ البداية حتى تتوزع المسئوليات إلا أن ما كان مطروحا لا يلبي الشراكة حقها فحملها الإخوان لأن هذا ما سعوا له على الدوام دون تفكير بعواقب الأمور .

وانتخب الشعب المصري رئيسه وبدلا من أن يكون ممثلا للشعب بكل فئاته انحاز إلى جماعته ورغم محاولاته لموازنة الأمور إلى أنه ظهر أمام الجميع مترددا , وتراجع في مرات عدة عن قراراته وهنا وقع الرئيس في خطأ انحيازه لجماعة دون أخرى وطغت عليه حزبيته وجاءت الحكومة الأولى وأغلبها من لون واحد ضعيفة بلا أي خبرات أو امتدادات دولية تمكن من إخراج مصر من مأزقها السياسي والاقتصادي خصوصاً وأن الرئاسة غير محترفة للعمل السياسي وتتخبط في سياساتها سواء تجاه إيران أو الخليج العربي وفي علاقتها مع إسرائيل والأمريكان، وأخيراً في تقييمها للوضع السوري وبالتالي لم تكن مصر الدولة الإقليمية، وأم الدنيا، وظهير كل العرب والمبدعة في كل المجالات حاضرة بل أخذت تتضاءل تأثيراتها لأمام فتنة طائفة تكبر كل يوم ، ولم تعد تؤثر حتى باستخدام القوة الناعمة، وبالتالي لم يكن تضاؤل تأثير مصر يخفى على أي مراقب، ومع زيادة التهديدات الداخلية كمشكلة سيناء، وانقطاع التيار الكهربائي، وأزمة الغاز.. وغيرها باتت مصر القوة الإقليمية تنكمش وتدع مجالاً لتدخلات دول صغيرة بشئونها وهى لا تعدو أن تكون قرية من قرى مصر.


لقد شعر المواطن البسيط على امتداد الوطن العربي بانكماش الدورالمصرى فما بالك بأبنائها الذين عهدوها دوماً قوة إقليمية يحسب حسابها وهنا أصبحت القيادة السياسية تفقد احترامها وتقديرها لدى الشعب تلك القيادة التي أحدثت شرخاً في الوسط المصري بالتعديل الدستوري، وبالتهجم على القضاء والأدهى بدخول الإسلام السياسي معترك الحياة الثقافية في مصر حيث قابلها تكميم الأفواه باسم الدين وهذه هي السقطة الكبيرة التي لم تعيها بعد الأحزاب الدينية فأن تكون إخوانياً يعني أن تكون مسلماً ومن ليسوا بإخوان هم كفار وغير مسلمين وهذه هي حقيقة النظرة إلى الآخر والتي قد يكون أحد أسبابها هو ما ذكره سيد قطب في كتابه معالم في الطريق من اعتزال الناس خلال فترة التكوين وكأن الرسالة السماوية التي نزلت على سيدنا محمد في بدايتها وهى مقاربة للعصر بروح الماضى الأمر الذي خلق طيف ديني خرج للنور وهو لا يستوعب الآخر ولا يفهمه بل يحاول أن يقصيه.

فأن يخرج أحدهم ليقول " الحمد لله أصبح لنا رئيس بلحية "، وآخر يتحدث " أن الرئيس هو النبي يوسف الذي خرج من السجن لسدة الحكم " وغيره يرى رؤى مختلفة فيها " النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقدم الرئيس المصري ليؤم في صلاة العصر " أو أن " سيدنا جبريل عليه السلام موجود في رابعة العدوية "، و غيرها الكثير الكثير ومع أن الرؤى موجودة ولا اختلاف عليها إلا أنها جميعا تدور حول التمكين في الحكم أولاً، وثانياً النظر لأمور الحكم والقيادة بشكل سطحي فالشعوب تريد إنجازات على كل المستويات، وتريد أن تبقى في دولة قوية وقادرة، وأن يكون للجميع فيها قدر من الحرية في العبادة والدين فأن نضفي قداسة على رئيس فهذا بحد ذاته قمة التغييب فعندما توفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اشتد الأمر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه والكثير من الصحابة فتدارك الموقف أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال قولته المشهورة : " من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ".

إن وضع الرؤساء في مصاف الأنبياء الذي انتهجه الإخوان هو تنزيه لهم عن الخطأ ، و في سياق الوضع المصري يمكن حسابه تجهيل للناس الهدف منه تغييب العقل عن البحث والتفكير , وتواكل الناس على مخلوق في عصر انتهت فيه الرسالات .

لقد خلط الإخوان في سنة من التمكين بين قضيتين قضية الدعوة وقضية الحكم فغلب الخطاب الدعوي على الخطاب السياسي، وغلب الحديث في الدين على رعاية مصالح الأمة، والشعب ليس بجاهل في الدين و به الكثير الكثير من العلماء والشيوخ والمتدينين بحق وليس لأن لهم لحية أو يلبسون جلباباً وغيره من الأمورالتى تلامس قشرة الدين لاجوهره ، فقد كان الشعب المصري ولا زال متديناً بطبعه و المعلوم أن الدعوة على الدوام لها رجالها ممن لا يخلطون الدين بالسياسة، في حين أن الحاكم ورغم أنه تخرج من المساجد ومتدين فقد اختاره الناس لحكم البلاد ليرعى مصالح العباد من تنمية اجتماعية ومساواة , و اقتصاد قوي , وأمن غذائي وتطوير يستطيع النهوض بالبلاد.

فالمفهوم الحديث للأمن القومي بكل أبعاده السياسية والعسكرية والدبلوماسية والتنموية يعني أن هناك ثلاثة محاور رئيسية يجب أن يقوم بها الحاكم 1) وحدة الإقليم وتجانسه وتأمين وحدة أراضيه 2) أن يكون هذا التأمين لوحدة الإقليم في مواجهة كافة الأخطار الداخلية والخارجية 3) تحقيق الأهداف العامة للمجتمع من استقرار سياسي واجتماعي وتنمية شاملة متحملا وزر شعبه وهو مالم نلمسه في الواقع المصري الذي وقف اقتصاده ووحدته على حافة الهاوية.
فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول لو عثرت شاة في العراق لسؤلت عنها يوم القيامة، وهذا دليل أن الحاكم يجب أن يصلح أمور الرعية، ويحافظ عليها أما أن تخلط الدين بالسياسة لتتهرب من مسئولياتك فهذا ليس بعدل وليس من الدين بشيء.
لذلك انتهت تلك التجربة قبل أن تنهار الدولة من داخلها بتقسيمها لأطياف متنوعة تتناحر، ولأن الخسارة أصبحت أكبر من قدرة مصر على تحملها صارت العودة لصندوق الانتخابات مرة أخرى هي الحل فكان هذا درساً للإخوان قد يفهموه ويستووا في تفكيرهم وقد لايكون وهذا راجع لهم ولكن لا ينسوا أنهم في النهاية جزء من نسيج المجتمع المصري بكل ألوانه ولا يمكن أن يكونوا خارج المعادلة إلا إن رجعوا لنفس الأسلوب والسياسة ولم يتعلموا من أخطاء الماضي ولا تزال فرصهم وغيرهم مفتوحة على ديمقراطية ينشدها المصريون فالشرعية هي إرادة الشعب وتتحدد بمدى تحقيق تلك الإرادة والأهداف التي يتطلع إليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: لاجئون سودانيون يتدافعون للحصول على حصص غذائية في تشاد


.. تقرير أميركي.. تدهور أوضاع حقوق الإنسان بالمنطقة




.. واشنطن تدين انتهاكات حماس لحقوق الإنسان وتبحث اتهامات ضد إسر


.. الأمم المتحدة: الأونروا تتبع نهجا حياديا وإسرائيل لم تقدم أد




.. تقرير المراجعة المستقلة بشأن الأونروا: إسرائيل لم تقدم أدلة