الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة إلى علاقة السلطة بالحقل التعليمي

محمد بقوح

2013 / 7 / 5
التربية والتعليم والبحث العلمي


السلطة تعني نظام السيطرة و الهيمنة في اتجاه الاستعباد و تحقيقا للاستبداد و الفكر الشمولي العنيف. لكن، قد تكون السلطة هنا اقتصادية أو أمنية أو مادية مباشرة. و قد تكون خفية متوارية غير مباشرة، تمارس فعلها السلطوي و الهيمني العنيف، اعتمادا على أدوات عديدة مساعدة لها في مهمتها كالتعليم و الدين و الفن و الرياضة ..إلخ. رغم أن هذه الأنظمة كلها يمكن أن تكون قد أدت في وقت سابق، أدوارا طلائعية مضادة للدور النظامي الرسمي التخديري الذي باتت تؤديه راهنا.
بمعنى أننا يمكن أن نتحدث في فترة السبعينيات مثلا عن ما نسميه في المغرب و العالم العربي بالفن الراقي الملتزم. أي فن مرتبط بموقف فكري و رسالة فلسفية تتطلع بمهام مجتمعية و إنسانية. كأن نتحدث على سبيل المثال لا الحصر عن التجربة الغنائية الملتزمة لمجموعة إزنزارن الأمازيغية في المغرب. غير أننا اليوم في السياق التاريخي المختلف لا مجال للحديث عن الفن الملتزم، و لا المقارنة بين اليوم و الأمس، في ظل هيمنة الفن النظامي الرسمي الرخيص الذي نعتبره فن السلطة بامتياز. أي فن المهرجانات المضاد لوظيفة تكوين الفكر و استنهاض الوعي و الرقي بذوق الفرد المتلقي. بمعنى أننا هنا بصدد التأسيس الفعلي لفن الجسد التزييني الفولكلوري، المفرغ من محتواه الفكري البناء و العميق، الذي يراهن عليه تقدم المجتمعات و تحصن الأوطان.
و نفس التحليل ينطبق على النظام التعليمي. فهو إما أن يكون تعليما طبقيا يخدم مصلحة طبقة مهيمنة. يعني أنظمة السلطة خاصة منها النظام السياسي و الاجتماعي للدولة. و في هذه الحالة يتم إفراغ الحقل التعليمي و التربوي، بتشييئه و تمييع مصداقيته، كما هو الشأن بالنسبة للحقل الفني، من محتواه الإيجابي الفكري و التنويري المعرفي، ليصبح أداة طيعة تمارس به السلطة بمختلف تجلياتها، فعل إعادة إنتاج ما هو سائد و ثابت و مهيمن، وفق اختياراتها السياسية الهادفة إلى الهيمنة و السيطرة، و احتكار مختلف أسواق المجتمع الاستهلاكية بكل أنماطها و تجلياتها.

إننا هنا طبعا نفهم الحقل الفني و التعليمي و غيرها من الحقول الإجتماعية، التي تعتمد عليها أنظمة السلطة ،باعتبارها أدوات أيديولوجية ذكية و فاعلة، يتم استعمالها لتحقيق المزيد من اكتساب الأرباح المادية و الرمزية، و أيضا يتم عبرها فرض نمط عيش معين، و صنف تعليمي محدد، وفق خطة الطريق السياسية للدولة، التي هي الجهاز التنفيذي للسلطة المتحدث عنها.. و كذلك صناعة فن خدوم و أذواق ملتبسة و خلق و تحفيز رياضات التهافت من اختيار السلطة الحاكمة، بل تستمد منها هذه الأخيرة قوتها الفعلية التي تساعدها على الاستمرار في الحكم و الهيمنة بطريقة شرعية. لعل فرض التعليم الخصوصي باعتباره التعليم النموذجي في المغرب المعاصر، في السنوات الأخيرة، مع الحرص على تثبيت الأزمة و الاختلالات و الإشكالات في التعليم العمومي، رغم ما يسمى بتنفيذ الجهود الإصلاحية الشكلية الرسمية، هو آلية من آليات السلطة الحاكمة المراهنة على تحقيق المزيد من الأرباح النوعية هذه المرة. و هي هنا تفرغ المؤسسة التعليمية من وظيفتها التربوية المعرفية الأصلية، تحقيقا لربح مهم هنا هو التشويش على القدرات التربوية و المعرفية الكفأة للمدرسة المغربية العمومية العريقة، الهدف الذي فشلت فيه السلطة الإدارية المهيمنة، باعتبار أن هذه المدرسة مارست نوعا من المقاومة الداخلية لذلك التشويش المصطنع على دورها التنويري الطلائعي.

إذن، فالسلطة تستمد قوتها الحقيقة من واقع الخضوع، و انسياق و استجابة المهيمن عليه لفعل المهيمن، الذي يعتقد أنه يوجد في موقع قوة. غير أن العكس قد يعني نكوص السلطة و تراجع دورها كقوة مهيمنة. فيتحول دورها الجديد حينذاك إلى دور المتحدث و الواعظ و الخطيب. أي يصبح خطاب السلطة هنا خطابا تبريريا ضعيفا خاليا من قوة الفعل، التي لازمته في المرحلة الأولى، حين كان في السابق واقع سلطة قوية يبغي الاستمرار في السيطرة و الهيمنة على الوظيفة المادية و الشعبية المتقدمة الروحية للحقل التعليمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر