الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصدقاءُ الله

إبراهيم حسن

2013 / 7 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



من منّا لم يستمع إلى مناظرات الملحد الكبير ريتشارد دوكنز، صاحب كتاب وهم الإله ؟. وهو كتابٌ جميل جداً أنصح بقراءته. في إحدى مناظرات هذا الرجل مع القس الكاثوليكي جورج بيل. يتساءلان معاً : هل الإيمان بالدين يجعل من العالم مكاناً أفضل ؟. وهل يمكن للإنسان الملحد أن يكون إنساناً صالحاً وخيّراً ؟؟
هذان السؤالان برأيي مهمّان. مهمان جداً. وبعد أن يجيب دوكنز وجورج بيل عن هذين السؤالين، بقولهما: ممكن أن يكون العالم أفضل سواء آمنا أم لم نؤمن – مع تردد بيل عن هذه الإجابة. غير إنهما يتفقان على إن الإنسان الملحد ممكن أن يكون خيّراً وصالحاً. إذن وفق هذا الفهم الدين ليس وحده المسؤول عن تهذيب سلوك الإنسان. كثير من الناس يعتنقون الإسلام والمسيحية والبوذية واليهودية وهم سيئون. وكثير ممّن يعتنقون الأديان وهم جيدون. ونفس الحالة بالنسبة للملحدين. فمنهم الصالح والسيئ. إذن المسألة ليست في الدين أبداً. فهو ممكن أن يكون جيداً ونافعاً للإنسان الذي يقرأهُ ويتعامل معه بطريقةٍ واعية. وهو بذات الوقت ممكن أنّ يكون وبالاً ومصدراً للشرور في العالم كما يقول الملحد الشرس كريستوفر هيتشنز. إذن المسألة نسبية, كما إنها تتعلق بالتوظيف الصحيح للدين وبكيفية السماح له في التأثير على شخصية الإنسان. وكل دين يخلق لأتباعهِ صورة لــ الله. الله في الإسلام رحمن ورحيم ، وهو بذات الوقت شديد العقاب وجبّار. وهو في المسيحيّة آب رحيم يحب رعاياه وهو قد بذل بإبنه من أجلهم. هو متفضل على البشرية بنعمتهِ ومحبتهِ. هكذا تصنع الأديان صورة الله في ذهنية الإنسان البسيط المحدود. حتى في المجتمعات الفقيرة. تبدو صورة الله واضحة وكأنه معيل أو رحوم. مع العلم إن الله لا يتعامل مباشرة مع الناس. لان الناس عبارة عن ذوات محدودة. والله بطبيعتهِ غير متناهي. شخصياً أؤمن بقوة أنتجت هذا الكون. المسلمون يسمّون هذه القوّة : الله .. المسيحيون : الله الآب .. في حين ينفي الملحدون أي قوة أنتجت هذا الكون. مع العلم إن اغلب هؤلاء الملحدين هم دارونيون ( من أتباع نظرية داروين في التطور : الإنسان أصله قرد ). ورغم ذلك وبناء على الجواب المذكور في بداية المقال فإن الملحدين هم أيضاً أصدقاء الله. ولا غرابة في ذلك أبداً. لان الفهم الصحيح لهم هو إنهم بحثوا في مصداقية وجودية الله وعجزوا. حتى اللاادريين هم أصدقاء الله. اللاادريون أقل تطرّفاً من الملحدين. فهم يعجزون عن إثبات وجود الله ويعجزون كذلك عن نفي وجوده. فيختارون طريقاً ربما تتلاشى فيه محددات هويتهم، وطريقهم هذا هو طريق " اللامنتمي ". في حين يتجاوز الملحدون هذه المرحلة وصولاً إلى نفي الله. لكنهم يفكّرون في ماهية الله. وهذه تحسب لهم لا عليهم. إجمالاً فإن المؤمنين والملحدين من كافة الأديان هم من وجهة نظري أصدقاء الله. طالما إنهم لا يؤذون أحداً. وطالما أنهم إنسانيون ووطنيون ومحبّون للسلام ويحرّضون على التآخي والتعايش. إن اتخاذ الدين كمعيار لصلاح الإنسان وعقلانيتهِ هو أمرٌ مجحفٌ ومضحك بحق. وهي عملية اختزال للمبادئ الإنسانية النبيلة وحصرها في آيديولوجيا لا تليق بها. المبادئ النبيلة هي بعيدة عن الدين وان اشتركت معه. المبادئ الإنسانية النبيلة إنما جاءت عبر تجارب الإنسان عبر العصور. لا شك أيضاً إنّ الأديان اغلبها تدعو لهذه المبادئ ولا مفارقة ولا تناقض في الأمر. غير إن ربط مصدر هذه المبادئ بالدين أمر مشين ويدعو للسخرية. كل إنسان صالح يبني مجتمعه هو صديق لله وحبيبه. كلهم أحبّاء لله وإنّ إختلفوا في هوياتهم وأجناسهم وأديانهم. وعلى الجميع أن يتقبّل هذه الحقيقة ويؤمن بالآخر قبل أنّ يؤمن بنفسهِ.
كنتُ أتحدث مع إحدى الزميلات عن الصلاة و الدين قبل فترة ليست بعيدة. الحديث تداخل فيه الدين لأنني كنت أتحدّث لها عن ضغوط الحياة والقلق الكبير الذي يراودني. فاجئتني هذه الزميلة بسؤالها : إبراهيم هل أنت تصلّي ؟. هو سؤالٌ لا أستسيغه أبداً ولم اعهد من إنسان مثقف وجميل أن يسألني هذا السؤال رغم انه مهم من وجهة نظر صاحبه. فأجبتها وقلت لها : لا. أنا لا أصلي. قالت: ولم ؟ سوف تضيّع عمرك كله ؟ أخشى عليك يا إبراهيم لم لا تصلي؟. الصلاة هي اتصال مع الله وما أجمل هذا الاتصال؟

الحقيقة إنني فهمت جيداً الطريقة التي تفكّر بها هذه الزميلة العزيزة، وقد وجدت من الصعوبة أن أقنعها بما أنا مقتنعٌ به. طالما إنها تتحدّث معي من وجهة نظر مغايرة جداً ومن اتجاه آيديولوجي مختلف تماماً مما يصعب اقتناعها أو إقناعها لي. رغم ذلك قررت أن أجازف وأحاول أن أناقشها. فقلت لها يا عزيزتي أنا إن كنت أعاني من مشكلات فهي مشكلات وجودية تتعلق بذاتي و مشكلاتي مع هذا الوجود الذي يمثل أمامي عائقاً كبيراً. وهي تتطلب مهارات وطرائق واقعية لحلها وليست طرائق غيبية. فمشكلتي مع الناس ومع الوجود برمته. مشكلتي ليست مع الله. فالصلاة سوف لن تحل لي مشاكلي مع الناس أو تخفف عني ضغوطات ومتطلبات الحياة. فالدين إجمالاً هو منظومة عقائدية تنظم العلاقة بين الخالق والمخلوق ليس إلا. بعد هذه الإجابة كدت أن اطمئن إلى أنها اقتنعت بإجابتي فهي على ما يبدو منطقية ومقنعة، غير إنها أجابت : الصلاة هي فرض واجب وهي أهم شئ. وإن الله هو المعين. قلت لها: الله ليس له علاقة بهذه الأمور : قالت يا عزيزي إلا تفكر في الموت والقبر؟. لاحظت عن الحديث فقد حولته هذه الزميلة إلى حوار ميتافيزيقي. فكلما أحاول أن أعود بها إلى الواقع. تأخذني هي إلى القضايا الميتافيزيقية والغيبية. قلتُ لها يا صديقتي أنا أريد إنسان يفهمني وافهمه. أستطيع أن أشكو له واعبّر له عن مشكلاتي. فأنا محدود. وعلماء الدين يقولون إن الله لا متناهي. فكيف يمكن أن أعامل الله اللامحدود وأتحدّث معه وأراه. هو سوف لن يحل مشكلاتي بصورة سريعة آنية. لان الاستجابة هنا غير مباشرة تعتمد على مبدأ الانتظار. قالت : أنت لا ترى الله ولا تتحدث معه. حتى الأنبياء لم يتحدثوا مع الله أو كانوا قد شاهدوه. أنت تتوسّل به فقط !!. قلت لها يا صديقتي مشكلتي ليست مع الله حتى أصلي، هذه الإشكالية تجاوزتها من زمان. مشكلتي مع الناس – مع الواقع. فقالت لي بتعجّب وكلها ثقة : إبراهيم أنت شيوعي !!.. قلت لها : كلا ... أنا لا اتأدلج لأحد أبداً... أنا صلاتي يا صديقتي هي أن أحترم الناس وأساعدهم، وأن أساهم في بناء مجتمعي، لا أنّ أكون عبئ عليه. عبادتي أن أكون مواطناً صالحاً أحب واحترم الجميع. قالت : الله سوف لم يتقبل منك أي عمل طالما إنّك لا تصلي... عندها فكّرت وقلت مع نفسي : هل الله بهذه القساوة والشدة ؟ مواطن ربما ينقذ المرضى من الموت ويساهم في رقي مجتمعه وبناءه. مثل الطبيب، ثم يأتِ الله ليقول له : أعمالك كلها غير مقبولة !! لانّك لا تصلي ولذلك سوف أرميك في النار ... !!! إنه أمر عجيب. تذكّرني هذه الجزئية بموقف مرّ بالملحدة جوليا سويني، عندما كانت قد أكملت السابعة من عمرها فأخبرها والدها بأن الله سوف يحاسبها بدءً من الآن على أعمالها ( لأنها تجاوزت سن العقل ). أما قبل ذلك فهو لم يحاسبها. حينها استدركت سويني وقالت له : هذا يعني إن جميع أعمالي الصالحة ما قبل سن ( سبعة سنوات ) سوف لن يحسبها الله لي ولن يكافئني عليها !!!.
وعوداً لحواري مع زميلتي قلت لها: يا صديقتي سواء قمت بفريضة الصلاة أم لا فهي لا تجعلني سعيداً ولن تخفف عني ضغوطات الحياة. فأجابتني : نعم صحيح ... !!! تعجبت حينها فهي في كل جزئية تناقض نفسها ولا تعرف ذلك. فقلت لها : أفكارك متناقضة.. أجابتني : هل الصلاة فرض أم لا ... قلت لها : نعم هي فرض وفق الفهم الإسلامي .. فقالت : إذن هي واجب وهي عبادة وعليك تأدية واجبك لأنني أخشى عليك أن تدخل النار و أنا ادخل الجنة.

إن هذا الفهم للدين والعبادة هو فهم شائع وهو نتيجة حتمية للتقليد الوعظي الذي لا طائل من وراءه. نهتم بالقشور ولا نهتم بالجوهر. و الحوار في مثل هذه الجزئيات عقيم جداً. وما ناقشناه انا وزميلتي لم نأت من خلاله بجديد. ولم يقتنع أحد بالآخر. ما أريد قوله إن الدين ليس كما يتصوّره البعض وفق هذا الفهم. والله ليس كذلك. كلنا أصدقاء الله إذا ما منحنا السلام لبعضنا. وساهمنا في بناء مجتمعنا بطريقة صحيحة. كلنا مع الله والله معنا. وسواء كنا ملحدين أم مؤمنين فإن الله ينتظر منا الصلاح و إعمار الأرض. وليس الفساد والافساد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 7 / 8 - 10:42 )
لا شكّ أن الكون لم يظهر من جراء الصدفه و العشوائيّه , فقوانين الفيزياء تؤكد وجود الخالق , و حتى العلوم الطبيّه تؤكد هذا عبر شريط الدنا .
العلم الحديث في حالة حرب كبيره , فبينما ينظر علماء الفيزياء أن الخالق موجود يرفض هذا الإدعاء علماء الأحياء (التطوريون) .
المهم , الله موجود , و الشيء الذي يؤكد أن الأديان صحيحه , هما سؤلان , سؤال ينتج من بطن سؤال , هما :
1- من خلقنا؟... الجواب : الله خلقنا .
2- السؤال الجوهري : لماذا خلقنا الله , ماذا يريد منّا الله؟؟... الجواب : الأديان هي أفصح من ترد , خصوصاً الإسلام .

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah