الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجالس بغداد.. تراث فكري يتجدد

بكر ناطق

2013 / 7 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أسهمت مجالس بغداد الأدبية والاجتماعية في دعم الحركة الثقافية في العراق طوال الأحداث التي شهدتها عاصمة الدولة من تقلبات سياسية وعقائدية في تاريخها القديم والحديث. فهي رافد مهم من روافد التنمية الفكرية للمجتمع البغدادي الذي تلاقت فيه أمواج الثقافات المتنوعة التي شكلت المصدر الأساس والنتيجة التراكمية الطبيعية للإنفتاح الثقافي لدى الشارع البغدادي. كما ترجم هذا الانفتاح في مدارس بغداد القديمة التي كانت تهتم بالأدب والفلسفة والفقه، وتحاكي بجوهرها مدارس الكوفة والبصرة وغيرها من الحلقات الفكرية في مختلف مدن وقصبات أرض السواد.
يعتمد الحضور الفاعل لهذه المجالس على الحاجة الثقافية التي تتولد لدى الشخصية الرافدينية المتطلعة الى المعرفة والى تجديد نهجها، حيث أن هذه النشاطات ابتعدت عن القوالب الجامدة ولم تصبح أسيرة الكلاسيكية في عناوينها وتفاعلت مع متطلبات كل مرحلة زمنية.
يمثل رواد هذه المجالس شريحة المفكرين التي لا تختزل نفسها في مصطلح فئوي أو طبقي لا يخدم فروع الإنتاجية. فهناك مجالس كانت تهتم بالبحث في النظريات الاقتصادية وأخرى تتناول الشعر العربي وغيرها تبحث في مختلف أنواع الفنون، إضافة الى المجالس ذات التوجه الموسوعي التي تزخر بالمناظرات التاريخية والفلسفية والاجتماعية، وتعد نشرة ثقافية بامتياز. وليس ببعيد عن الذاكرة البغدادية ما قدمته مجالس الأب انستاس ماري الكرملي ومناحيم دانيال والسيد مكي الجاسم وبيت الشعرباف والربيعي وغيرها من جهود كبيرة في الساحة الثقافية العراقية في العصر الحديث.
أتذكر مجلس السيد مكي الجاسم في بغداد الذي كان يجمع رواد الفكر من كل حدب وصوب، من الشيخ جلال الحنفي الى عبد الحميد الرشودي وسالم الآلوسي وغيرهم الكثير من باحثين ومؤرخين. وحضرت بعض جلساته الاسبوعية واستمعت الى الحوارات الممتعة التي كانت تدور في فلكه العلمي والأدبي. وكان المجتمعون يتناقشون ويتبادلون الأحاديث الشيقة والمفيدة.
تجد الآداب بفروعها كافة في هذا الصالون الذي يجدد خلايا التنوير العقلي، وكذلك التاريخ والفلسفة التي تنظر بشكل موضوعي الى مختلف الاتجاهات الفكرية في العالم دون أن يكون للجدل البيزنطي رواجاً بين الجالسين. وحتى الفكاهة لها نصيب في هذه المنتديات. فالرواد من النخب الباحثة عن المعرفة التي حافظت على الموروث الفكري النقدي وتسعى لدعم المشروع الثقافي في البلاد، رغم التراجع الذي تشهده الساحة العربية في الوقت الحالي من ضياع للإرث الحضاري وعدم اللحاق بركب الدول التي سبقتنا بأشواط كبيرة.
يتم مناقشة وتحليل أبيات الشعر من مختلف العصور ويتبين المنحول من غيره، بعد إماطة اللثام عن المعلومة التاريخية ودراستها بشكل مجرد.
لم أجد نظيراً لروحية هذه المدرسة الثقافية البعيدة عن الدعاية السياسية والتجارية والمنافع الشخصية في أماكن كثيرة خارج البلاد. فهدف المجالس البغدادية التي يشرف عليها المثقفون من أساتذة وطلاب وفنانين وعائلات تهتم بالمعرفة، هو إرساء قواعد تنويرية لجميع أطياف المجتمع. فلا مكان للتعصب الديني أو العرقي في قاموسها الابداعي، ولا تملك نظرة استعلاء تجاه أحد، ولا تفرض القناعات على السامعين ولا تسير وراء ديماغوجية العصر بتلاوينها كافة.
تعد البيوت الفكرية ظاهرة مشرقة في صفحات التاريخ القريب والبعيد لشعب العراق وتعود في جذورها الى بيت الحكمة أيام العباسيين والى ما تركته لنا الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين. فهي آبار نفط حقيقية لا يمكن لها أن تنضب، واستمرار ديناميكيتها ليست عملية معقدة ما دام هناك إرادة وطنية مخلصة. فدعم هذه النشاطات دون تكييف حراكها سياسياً يضمن لنا مستقبلاً أفضل خال من المحسوبيات والفساد تسود فيه القوانين المتقدمة التي تضمن العدالة الاجتماعية لجميع أبناء الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24