الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-لا- لتسييس الدين و-لا- لتديين السياسة

أحمد الحارثي

2013 / 7 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


افتتاحية اللاءات
"لا" لتسييس الدين
و"لا" لتديين السياسة

منذ بروز بوادره الأولى في أواخر سنوات 1920، ما فتئ الإسلام السياسي الراديكالي يثير الجدل. وفي ظل التطورات التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين، تضخم كثيرا حضوره، وتعددت غزواته لمختلف حقول المعرفة والسياسة والإعلام، وأيضا الاقتصاد. لكن ما يجب أن يشد الانتباه هو أن الأمر يتعلق بظاهرة حديثة، لا تختلف في شيء عن الظواهر المعاصرة المماثلة لها. تتراءى كأنها شكل من أشكال التقليد أو مفارقة تاريخية أو بقايا من الماضي وانبعاث له في الحاضر. إلا أنها تنتمي في جوهرها إلى فضاء الرأسمال وكيفية اشتغاله، في المركز كما في المحيط.
لم تستطع الرأسمالية التاريخية التمدد والترسخ في رحاب الكون بدون أزمات، أكثرها حدة تلك التي يتسبب فيها سلب الإنسان من قوة عمله وإنسانيته، والغير من أراضيه ومقوماته الثقافية والروحانية؛ وإخضاع الكل لقوانين وقيم السوق. وإذا كانت القسمة المشتركة هي توسع الفوارق الطبقية بشكل مهول في كل مكان، فإن التمييز الرئيس يخص تفاقم الهوة في التنمية الشاملة، وبخاصة منها السياسية، بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب. ينعم الغرب بالخيرات المادية، وتتلازم في بلدانه الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية. في فضائه، يوازي عدم المساواة الواقعية بين الأفراد أمام التبادل، مساواتهم الشكلية أمام صناديق الاقتراع. في حين يظل الشرق يرزح تحت ثقل التخلف والاستبداد والفكر الإقطاعي.
تلقى العالم العربي الإسلامي صدمة الحداثة إثر اصطدامه بالاستعمار الغربي، ثم انهيار الدولة العثمانية وسقوط الخلافة الإسلامية. على قاعدة حركة اليقظة العربية قامت بعض مبادرات الإصلاح، التي تلمَست سبل تجاوز التخلف المستوطن بالدعوة إلى الاقتداء بالسلف الصالح. إلا أن إخفاق المحاولات الإصلاحية دفع ببعض أعلام السلفية إلى الارتداد عن أساتذتهم وعن الرواد الأوائل، وتمهيد الطريق لميلاد الإسلام السياسي الراديكالي.
في حالة المغرب، نشأت الحركة الوطنية السلفية على خلفية انقضاء حرب الريف سنة 1926، وإنهاء فترة "التهدئة" سنة 1934. وانحصر دورها في مطالبة دولة الاستعمار بالإصلاح، قبل رفعها لشعار الاستقلال والتفافها حول السلطان. لكنها لم تفرز أبدا الإسلام السياسي. فقد تأسس أول تنظيم ينتمي إلى هذا النوع من التشكيلات السياسية سنة 1970، بتواز مع نشأة الحركة الماركسية اللينينية المغربية. وشاع دويه كأداة بيد السلطة، استخذمته لاغتيال الزعيم "الاتحادي" عمر بنجلون؛ قبل أن تتفرع عنه باقي تيارات الإسلام السياسي في البلاد، مع ما رافق ذلك من انتشار للوهابية...
إذا كانت الأصولية الدينية تمثل ظاهرة حديثة العهد جدا في المغرب، فإنها تنفرد ببعض الخصوصيات، أكثرها إثارة للفضول أن ظروف النشأة والتطور أودت إلى فرز إسلام سياسي مخزني خرج من رحم الدولة وترعرع في أحضانها، إلى جانب آخر راديكالي يعارض بشدة المخزن. الأهم من ذلك أن فعل تقديس السياسي وتوظيف الدين لأغراض سياسية لا يُنسب إلى الإسلاموية وحدها، ولا يستساع اختزاله فيها. يعود أصل هذا الفعل إلى الدولة/المخزن التي كانت سباقة في تدشين وترسيم عملية تسييس الإسلام وأسلمة السياسي، والتي دسترت البيعة المقدسة وإمارة المُؤمنين مباشرة بعد رحيل الاستعمار، وذلك نزولا عند رغبة رموز الإقطاع المحلي في تحصين النظام بالدين قصد التصدي لليسار الجموح. وعلى امتداد نصف قرن تقريبا، استقرت الظاهرة كمعطى بنيوي في اشتغال النسق السياسي، وآلية مركزية لشرعنة الاستبداد وتشديد عوده، ومورد مهم من موارد الريع الاقتصادي.
ثمة حقا غياب جدل عمومي حقيقي حول هذه المسألة. وما يشوه الرؤية ويفسد الحقيقة هو مُداراة الخطاب السياسي الرائج، المثخن بالنفاق والتناقض. في نفس اللحظة، ثمة شبه إجماع حول نظرية/مبدء إمارة المؤمنين كما هي في واقع الحال، أي قبول احتكار الشأن الديني وإقحام الدين في السياسي؛ وحول فكرة فصل الدين عن السياسة مثلما يطرحها المشرع وينادي بها دعاة الحداثة. فما معنى تحريم الحزب الديني، وإحلال الدولة الدينية؟ أليس الحزب دولة جنينية بالتعريف؟
يتحاشى معظم الفرقاء السياسيين ورجال الفكر والإعلام الخوض في موضوع شائك مثل هذا، تحت مبررات واهية، قاسمها المشترك الدفاع عن الذات بالتحصن وراء المحافظة، والاحتماء بظل الحكم الفردي، بحثا عن الجاه والاستفادة من اقتصاد الريع قدر المستطاع. يمجدون دور الوساطة والتحكيم الذي يقوم به النظام في شؤون الدين والدنيا، في حفظ الاستقرار والأمن والتوازنات السياسية القائمة. يختفي مظهر التعسف والاعتباطية وراء هذه الوظيفة السديمة، السحرية، التي يُفترض أنها مفتاح الحل الوحيد، وأنه في وسعها على الدوام إنقاد البلاد من الآفات كيفما كانت طبيعتها. في الراهن، يسود الاعتقاد بمحورية دورها في سد خطر المد الإسلاموي والتطرف الديني الجارفين، كما في صد العلمانية؛ ضمان بقاء الدولة الدينية واسترشادها بتعاليم الإسلام ومنح الأصولية مكانة ما في صنع القرار السياسي وتسيير الشأن العام، وفي نفس الآن الدفاع عن بعض مكاسب التحديث...
إننا بصدد دعم صريح للدولة الدينية، وتوافق ضمني على شرعية استعمال الدين في السياسة. يقود هذا التصادق مع الأمر الواقع إلى توطيد الاستبداد واحتضان دولة شمولية أدنى؛ إلى تثبيت أقدام سلطة إلهية (Théocratie) عتيدة، درعها الواقي التقليد وسلاحها المناورة والترهيب، بتوظيف الدين.
لذا نقول "لا" لتسييس الدين، و"لا" لتديين السياسي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا