الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفوضى الخلاقة

خليل محمد إبراهيم
(Khleel Muhammed Ibraheem)

2013 / 7 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفوضى الخلاقة
بين أفعى الثورة المضادة الناعمة
والإسلام السياسي
دكتور خليل محمد إبراهيم
أديب، باحث ومفكر

قد يتصوّر متصوّر؛ أن الخريف العربي المسمّى ب(الربيع العربي)، بدأ بإحراق رجل تونسي نفسه منذ نحو من عامين أو يزيد قليلا، وقد يتصوّر بعض آخر أن هذا الربيع المحرق، بدأ بالاحتلال الأمريكي للعراق المسكين؛ استنادا إلى مبدأ (الفوضى الخلاقة) الذي أعلن عنه (جورج بوش) الابن، وهو يُمارس حكم (العراق) المُضاع؛ حكما ظالما غاشما؛ فرّق أبناءه شيعا وأحزابا وقوميات، فلم يبقِ جامعا يجمع الناس، لولا ثقتهم بأن هناك حزبا حقيقيا عابرا للطوائف والقوميات؛ أثبت وجوده منذ تأسس عام 1934م/ وعلى الرغم من الحرب الشعواء؛ التي مارسها الظالمون؛ على اختلاف تسمياتهم؛ ضده- ولولا تلك الدماء الزكية التي اختلطتْ بين أبناء (العراق) المظلوم، وبناته؛ على أيدي كل الظالمين الذين حكموا (العراق) المضطهَد، لتصوّر الجميع؛ صدق ما قاله الملك (فيصل) الأول؛ من أنه لم يجد شعبا عراقيا، بل وجد عصابات أو تجمعات، وحقيقة الحال؛ أنه/ والذين استعملوه على (العراق) المظلوم- لم يُفكّروا بالمشتركات القائمة بين أبناء (العراق) الحبيب؛ وكل ما كانوا يُثيرونه؛ ما بينهم من خلافات، خلافا لما يزعمون أنهم يؤمنون به من الإسلام الذي يدعو إلى كلمة سواء بين الناس:- (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، وهو ما درجت عليه طوائف المسلمين المختلفة، ممن يقولون بأن كل الفرق الإسلامية في النار؛ ما عدا فِرقتهم ، وبالتالي، فهم دعاة فُرقة لا دعاة وحدة؛ يقررها الله/ سبحانه وتعالى- حين يقول:- (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ، ولو فكّروا بوحدة كريمة؛ من أي نوع، لتمكنوا من صياغتها بشكل ما، لكنهم لا يؤمنون بالوحدة من قريب ولا من بعيد، ولو آمنوا بها لقبلوا قول ربهم للكافرين:- (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، لكنهم يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض:- (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، وأنت لا تدري بماذا يؤمنون، وبماذا يكفرون، فهم يؤمنون بما ينفعهم هذه اللحظة، فإذا ضرهم بعد دقيقة واحدة؛ تخلّوا عنه، وانظر إلى قضية الأقاليم في (العراق) المظلوم، فهي كفر وإلحاد؛ يوم تقرر وضعها في الدستور، وإذا بها سمن وعسل، بعد ذلك بوقت، فما عدا مما بدا؟!
إنهم لا يؤمنون بشيء، ولا يمكن الثقة بهم على شيء، وهذا هو الأستاذ (طارق الهاشمي) يُعبّر عن هذه القضية بوضوح؛ مرارا وتكرارا، فهو يقول أكثر من مرة:- (حيثما تكون المصلحة، فثم شرع الله.) دون ما اعتبار للمشروعية في هذا الموضوع، وهو رجل يُجيد الكلام، ولا يُلقيه على عواهنه.
نعود إلى مسألة الثورة المخملية الناعمة، وبدايتها الأولى، فمَن يعرف صحف النظام الظالم السابق/ في (العراق) الحبيب- يعلم أنه كان يتباهى بأنه جاء بثورة بيضاء؛ لم تسفك فيها قطرة دم.
وهذا صحيح من الناحية الشكلية، لكن بعد أيام؛ من يوم 17 تموز 1968م/ في الثلاثين من تموز 1968م- بدأ تنفيذ المؤامرات؛ على مَن جاءوا بهم إلى السلطة، فتخلصوا من كلٍّ من (عبد الرزاق النايف) و(عبد الرحمن الداوود)، ثم ما لبثوا أن أعدموا جماعة في ساحة التحرير، واستمرّت شلالات الدم متدفقة لا أقول:- (حتى 9/ 4/ 2003) بل أقول:- (حتى الآن، وحتى يتوقف شلال الدم في (العراق) الدامي)، وقد درس الأمريكان هذه التجربة، وأصدر بعض باحثيهم عنها كتبا، ثم جاءت قضية 11 أيلول/ بغض النظر عمن فعلها- لتبرر/ إلى جانب الكثير من الأكاذيب الأمريكية- مسألة غزو (العراق) المسكين، وسار قطار (العراق) المتلكئ، في نهر من الدم العبيط/ الذي تعوّده العراقيون- لكن النتيجة؛ هي أن الإسلام السياسي، بجناحيه (الشيعي) و(السني)؛ وصلا إلى الحكم، واصطرعا بين كراسي مجلس النواب، وبالسلاح/ ظاهرا معلنا صاحبه، أو مخفيا مدعى الجهل بصاحبه- وهنا؛ ثبت للأمريكان، بما لا يقبل الشك؛ أن الإسلام/ لدى الإسلاميين السياسيين- عبارة عن زيٍّ يرتدى، فوقه عمامة رسول الله/ أو أي عربي جاهلي- ومن ثم، فهو قادر على حمل السلاح في وجه أخيه، ما دام يكسب منه قرشا؛ خلافا لقوله تعالى:- (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، وكيف يُصبحون إخوانا، وقد وقع الظلم على بعضهم 1400 سنة، كما استمتع بنتائج الظلم وعسله غيرهم المدة نفسها؟!
أنا لا أقول ذلك عما جرى بين مذهبين مختلفين فحسب، لكنني أقوله على فقراء مذهب واحد وأثريائه، وهو ما حدث في (تونس) و(مصر)، فقد نجحتْ فيهما ثورتان بيضاوان ناعمتان؛ لا يمكن تقرير ما إذا كانتا شعبيتين أم أنهما مصطنعتان، لكنهما لم تلبثا إلا وقتا قليلا، حتى اصطبغتا بالدماء، فلما قامت الثورتان الليبية والسورية؛ لم يكونوا مضطرين للانتظار، حتى تدمى أيدي الثوار بعد انتصار الثورة البيضاء، فقد انكشف المستور، ولا بأس في انكشافه، فلتتلطخ أيدي الثوار؛ من أول لحظة، بالدماء، وليكره بعضهم بعضا، حتى يضمن/ بعد ذلك- سيلان الدم ثأرا، ومن هنا؛ تنتصر الفوضى غير الخلاقة التي يُريدها الظالمون؛ من المستعمرين وأتباعهم المعلنين والمتخفين، وبالتالي، فليحدث ما يحدث، فإنه نافع للظالمين. ألا هل بلغتْ؟
اللهمَّ فاشهد.
- (آل عمران:64).
- تقدم ذلك في موضوع سابق عنوانه:- (بلادنا بين الواقع والطموح) للباحث.
- (الأنبياء:92).
- (سـبأ:24).
- (البقرة:85).
- (آل عمران:103).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي