الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارتقاء الدولة الإسلامية

صموئيل طلعت أيوب

2013 / 7 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اشرأبت أعناق الجموع فى لهفةٍ لتنظر الامام، وقف الامام شامخًا يخطب عن سوء حال العباد وأنحى باللائمة على الحكام، واختتم خطبته قائلاً "إننا يا إخوان مدعوون لنعيد أمجاد دولة الإسلام، ولن نعيدها إلا بتطبيق شرع الله"، فهل بالشرع تحققت للدولة الأمجاد؟؟

تصفحتُ أوراق التاريخ، فوجدتُ أن دولة الإسلام ازدهرت حينما تفتحت أوراق ثقافتها على نسيم الثقافات الآخرى، فلم يقم بنيان الدولة الإسلامية إلا على أعمدة السالفين، فمدارس الترجمة التى قادها فى الغالب مسيحيون هى التى ساعدت العلماء العرب على إبداعهم يقول أ.د. رشيد حميد حسن فى رسالة الدكتوراة المنشورة له عام 1982: "ومهما يكن من أمر فإن مدارس الترجمة هذه قد لعبت دوراً رئيسياً فى عملية إزدهار الحضارة الإسلامية"(ص 220) ويقول المؤرخ أحمد أمين فى كتابه "فجر الإسلام": "وكانت ترجمتهم لكتب الفلسفة اليونانية هى الأساس الذى اعتمد عليه العرب والمسلمون أول أمرهم" (ص 204) ويضيف: "ولما جاء دور نقل الفلسفة والعلوم إلى العربية فى العهد العباسى، كان لهؤلاء السريانيين الفضل الأكبر فى الترجمة، أمثال حنين بن اسحاق، وابنه اسحاق، وابن أخته حبيش" (ص 207)، ثم يستطرد قائلاً: "فنتج من هذا التزاوج (يقصد تزاوج الحاكمين العرب بالمحكومين العجم) الثقافة العربية أو الإسلامية." (ص 207)

يذكر ابن خلدون أن العرب لم يكونوا أهل علم حتى كان الانفتاح على الثقافات الآخرى والتعلم منها، وأن حملة العلم فى صدر الإسلام كانوا من العجم لا العرب، فابن النفيس تتلمذ على مقالات يوحنا بن سرابيون المسيحى الديانة السريانى الأصل، والرازى نقل عن بعض الأطباء النصارى فى كتابه الحاوى، وخالد بن يزيد بن معاوية حفيد الخليفة الأموى الأول معاوية ابن أبى سفيان ونجل الخليفة الثانى يزيد بن معاوية أخذ علمه من راهب يُسمى مريانس.

ولم يكن الانفتاح سوى عاملاً من عوامل عدة لقيام ما يعرف بالحضارة الإسلامية، بل التحرر الفكرى أيضًا أحد هذه العوامل، فالطبيب الرازى كان ملحدًا، والجعد بن درهم الذى دعا إلى تأويل النصوص القرآنية التى يدعو ظاهرها إلى تجسيم الله وتشبيهه بخلقه (وقد قُتل لأرائه قتلةً بشعة على يد الأمير خالد بن عبد الله القسرى، ففى فجر يوم عيد الأضحى، أساقوه بأغلاله إلى المسجد وأجلسوه تحت المنبر، وألقى الأمير خطبة العيد وفى نهايتها قال للحاضرين: "ارجعوا فضحُّوا، تقبل الله منكم، فإنى مضح بالجعد بن درهم" واستل سكيناً وذبحه، وسط المصلين على مرأى الجميع، فكان الجعد بن درهم كشاة سيقت للذبح.) وغيرهم من أصحاب الفكر الحر.

واختتم هذا الجزء بمقال أحمد أمين: "إذاً فمن الخطأ البين الفكرة الشائعة أن العرب والمسلمين جميعاً كانوا بمعزل عما حولهم من الثقافات والأديان إلى العصر العباسى، وأن آرائهم وآدابهم وعلومهم نبتت وحدها من عقول عربية، من غير أن تُغذى بغيرها، فقد رأينا أنهم - حتى فى جاهليتهم - لم يكونوا بمعزل، وأنهم كانوا بعد الإسلام أكثر اتصالاً. ولا يقدح هذا فى أية أمة، فالعلم ملك شائع، ومرفق مباح يغترف منه الناس جميعاً، وليس له حدود فاصلة كالتى ترسمها السياسة الدولية. وإنما الذى يقدح فى الأمة حقاً أن تغمض عيونها، وتسد آذانها عما حولها من نظريات وأفكار، أو أن يدفعها التعصب الأعمى أن تنسب لنفسها ما ليس لها، وتعزو إليها خلق ما لم تخلق، وابتداع ما لم تبتدع." (ص ص. 209 - 210)

فالحضارة إنسانية، والانسان عقل وروح وجسد، والحضارة الإسلامية: كان العلم عقلها، والإسلام روحها، والفن جسدها.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فكما أننا نحيا التكفير فى زمن التفكير كذلك أمست البارحة، فقد وصف ابن تيمية الكيمياء بأنها أشد تحريماً من الربا (مجموع الفتاوى 29/ 374) وقال ابن الصلاح: "من تمنطق تزندق"، وعن الفلسفة نظم ابن تيمية قصيدة قال فى أحد أبياتها عن الفلاسفة: "إخوان إبليس اللعين وجنده ... لا مرحباً لعساكر الشيطان". فالكيمياء والمنطق والفلسفة كفرٌ وضلال.

لم تستطع اليهودية أن تيسر حياة الناس الدنيوية على مدار ثلاثة آلاف عام، ولم تستطع المسيحية أن تيسر حياة الناس الدنيوية على مدار ألفى عام، ولم يستطع الإسلام أن ييسر حياة الناس الدنيوية على مدار ألف واربعمائة عام، واستطاع العلم حينما أخذ ريادته أن ييسر حياة الناس فى أقل من قرنين.

علينا أن نعرف لماذا أوجد الله الدين ولماذا أوجد العلم، فالعلم لا يعرفنا واجب الوجود ولا يعرفنا غاية الوجود، وهذا هو دور الدين أن يعرفنا غاية الوجود، من أوجدنا؟ ولماذا أوجدنا؟

هذه هى فلسفة الدين وهذه هى فلسفة العلم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعطى مالقيصر لقيصر و مالله لله
حكيم العارف ( 2013 / 7 / 11 - 07:35 )
كلام جميل كلام معقول ... ليه مانقولش كده للدين اللى حاشر نفسه فى اللى مالهوش فيه ...


اعطى مالقيصر لقيصر واعطى مالله لله ...


وليس هناك اوصياء على الخلق فى الايمان او عدم الايمان ...


الحريـــــه المنضبطه بالقانون هى الحياة


2 - حكيم عارف احااا على قولة البعض
احمد علي الجندي ( 2021 / 9 / 3 - 20:51 )
ولماذا لم تعرف الكنيسة وقت الاضطهاد
نص
- اعطوا ما لقيصر لقيصر-
لكي يبرر المسلمين اضطهادهم للاخر
عطلوا جميع الايات السلمية في القران وحكموا عليها بأنها منسوخة
فقالوا بان اية لا اكراه في الدين منسوخة
وانتهى
ولكن للان لم نعرف لماذا لم يعمل المسيحين عدد
- اعطوا ما لقيصر لقيصر -
والاجابة بكل بساطة
لانه لا احد من المسيحين فهم في الماضي انها تدعوا للعلمانية او ايا من هذا القبيل وانما فهموها على ضرورة احترام السلطة السياسية والدينية فقط
واعطاء كل ذي خق حقه
اما اوصياء على الخلق في الايمان
فشر البلية ما يضحك
وكأننا نسينا دور الكنيسة ورجال الدين في تفقد الرعية

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah