الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصلاح يُغتال بين المجتمع الأهلي والمدني

جمال القرى

2013 / 7 / 14
المجتمع المدني


يحضّ الواقع السياسي اللبناني ليس على اليأس، بل على ضرورة تكرار وتطوير محاولات تحركات ما يسمّى ب"المجتمع المدني" الهادفة لإحداث خرق اصلاحي في بنية التكوين اللبناني ككل. ان عدم تسجيل أي خرق جذري حتى الآن، يستدعي قراءة تقويمية ونقدية لهذا المجتمع المدني، خصوصاً في ظل اللغط الذي يدور حول مفهومه وهويّته ودوره وارتباطاته، في محاولة للنيل منه لحساب استمرارية السلطة السياسية المنهارة، وفي ظل ما تشهده الساحة العربية والاقليمية من حراكات مدنية وسياسية تغيّر وجه المنطقة.
ولتكوين صورة وفهم علميَّين للمجتمع المدني بعلاقته بالدولة، كان لا بدّ من مراجعة كتب قيّمة تتناول هذا الملف في آنٍ واحد وهي: فلسفة الحق لهيغل، مساهمة في نقد فلسفة الحق لماركس، دفاتر السجن لغرامشي، وحالة الاستثناء والمقاومة في الوطن العربي لساري حنفي.
في كتابه "دفاتر السجن"، يشرّح غرامشي مفهوم المجتمع المدني وعلاقته بالدولة من ضمن ثنائية الهيمنة/ السيطرة، ( ولا يزال هذا المفهوم معتمداً، بعد تنقيته من بعض التعابير الايديولوجية). ويقول ان أي دولة، انما تمارس سلطتها من خلال مستويين اثنين، هما، المجتمع السياسي، والمجتمع المدني. فمن خلال المستوى الأول المتكوّن من مجموع الادارات الحكومية، والجيش، وقوى الأمن، والسلطة التشريعية، والتنفيذية تمارس الدولة القهر والسيطرة العنفية على المجتمع، اما من خلال المستوى الثاني المتكوّن من مجموع الافراد، والمؤسسات التربوية، والثقافية، والكنائس، والجوامع، والاحزاب، والنقابات، وكل المنظمات غير الحكومية الفاعلة في الشأن العام والخاص الخ... فهي تمارس عبر نشاطهم فعل الهيمنة الثقافية بما يخدم استمراريتها.
في لبنان، يشظّي نظام الدولة المشطور ما بين السياسي والطائفي مجتمعه المدني الى مجتمع اهلي، ومجتمع مدني. فالمجتمع الأهلي يرتبط بالدولة عبر وسيط هو الطائفة، التي وبحسب المفهوم المثالي – الهيغلي، هي الممثّل الديني والسياسي له، ولكن بشروطها، فأفراده ومجموعاته يشكّلون ضرورتها الخارجية، وهم محرومون من الاستقلالية، وخاضعون بالتمام، وتابعون لها بصفتها البدنية وليس الاجتماعية ومن ضمن قوانينها ومصالحها، والدولة من خلال نشاطهم الفردي ونشاط مؤسساتهم شبه المكتمل، تمارس هيمنتها من اجل الاستمرارية. وباحتساب ان لدينا 18 طائفة، يعني 18 ماكرو مجتمع اهلي متشابه، عدا عن متفرعاتهم العائلية والعشائرية، ومرتبطون بالدولة عبر 18 مسرباً بصفتهم الرعوية، وليس المواطنية، وكل اشتباك فيما بينهم يؤدي الى انشقاقٍ جديد في الدولة والى اضعافها.
اما المجتمع المدني، وبحسب ساري حنفي، فهو تلك المجموعات والافراد المرتبطة ب "حاكمية الدولة" مباشرة، اي من دون اي وسيط، وتتمتع بحيّزٍ كبير من الاستقلالية، وتسعى لتحقيق وجودها السياسي عبر القوانين والتشريعات، وهي تتوزع على مستويين، الأول، هي المجموعات المنضوية في مؤسسّات تُموّل من المنظمات الدولية، وهي تكتسب مواقع جديدة لها على حساب الأحزاب السياسية والنقابات، وتنشط بشكل بنّاء ومنظّم في أوساط النساء والشباب والناشطين في مجال الحقوق المدنية والانسانية وغيرها. وتحتّل دور الوسيط في حلّ الصراعات بين الدولة والمؤسسّات المتعدّدة الأطراف، بتبنّيها سياسة الاصلاح دون التدمير، وتفاوض من خلال خطابات محليّة ووطنية وعالمية، تبعاً لمراكز عمل نخبها، المحلية كتكنو- بيروقراط، أو المعولمة في الامم المتحدة والشبكات الدولية وغيرها، مع ملاحظة أن ازدهارها ودورها الوسيط، والذي ينوِّع فعلاً فاعلي الحكم، لا يؤدّي بالضرورة الى دمقرطة المجتمع وتقويض أسس هيمنة فاعلي حاكمية الدولة. اما الثاني، فهي المجموعات المنتمية الى "حركات الاحتجاج اللامؤسساتية"، الفاعلة خارج النطاق الرسمي للدولة وللمجتمع المدني. فهي تشكّل ما يُعرّف ب"المجتمع السياسي"، ويتّخذ فعلها شكل المقاومة الصامتة، لتفادي ممارسات القوة ضدها. وتتأثر بإرادة زعماء ووُعّاظ طائفيين وعشائريين ودينيين، أكثر من تأثرها بأفراد النخب المحلية والمعولمة، وتستخدم وسائل الاتصال الحديثة، من مدوّنات ومواقع تشبيك اجتماعي بهدف التواصل. وأفرادها المختلفين، غالباً ما يكونون في قلب العولمة ومتأثرين بها، ويحملون مشاريع لتحديث المجتمع قد يتحالف مع الدولة والمجتمع المدني، وقد يختلف. كما يمكن تسجيل مكان ولو بسبة قليلة، لمؤسسات ذات طابع اهلي- مدني مشترك، حيث ان ظاهرها الاهلي لا يمنع عنها انجازاتها المدنية.
في قراءة تقويمية لانجازات واخفاقات هذا المجتمع المدني، يتبيّن ان المعوّقات التي تعترضه، هي أكبر بكثير من الامكانيات المتاحة له، فعدا عن خلله الداخلي، فهو في مواجهة ليس فقط مع سلطة" الدولة" كأداة عنفية، بل وفي مواجهة أشدّ مع سلطة المجتمع الأهلي كأداة هيمنة على كل فضاء المجتمع اللبناني، وكأداة مساندة لسلطة الدولة، لدعم وجودها واستمراريتها، متسلّحة لذلك، بثقافة ووعي هما ثقافة ووعي الطوائف المتسلّطة. لذلك، لا بد لهذا المجتمع المدني من اجراء نقد دائم لكل تحركاته، واعادة تقويم، حيث يمكن قراءة اسباب الفشل او الاخفاق والتراجع من قلبها، وخصوصاً من التحركات الكبرى كمظاهرة 14 آذار، حملة اسقاط النظام الطائفي، مظاهرات واعتصامات هيئة التنسيق، واعتصام ساحة النجمة الأخير ضد التمديد، اذ من المكان التي وصلت اليه هذه الاعتصامات، يمكن تلخيص بعض المعوّقات الاساسية كالتالي:
1-الصراعات بين المنظمات ذاتها، بسبب الشروط المتبادلة لفرض رؤية خاصة على اي تحرك، مما يبعثر الشعارات، ويُبعد التقارب المفترض.
2-ازدياد عددها الى الآلاف، وبغالبية ساحقة غير مجدية، عدا عن استحالة تأطيرها في تحرك مشترك.
3-تأثّر جزء كبير منه بالانقسامات السياسية الحادة بين 8 و 14 آذار.
4-قدرة المجتمع الاهلي على فرض رؤيته في التحركات الكبيرة المشتركة لصالح افرقائه واولياء نعمته.
5-قدرة النظام على خرق اي تحرك يشعر بامكانية توسعه وانفلاته من السيطرة، كأن يدخل عناصره بصفتهم المدنية الى واجهة التحركات مما يفقدها روحها ومضمونها وهدفها.
6-هجوم المجتمع الاهلي على المدني لتشويه صورته عند اي انجاز او استحقاق.
ان حاجة المجتمع المدني باتت ضرورية للتجمّع ضمن أطر سياسية متنوعة، فيها يستثمر كل انجازاته ويراكمها، عوض استثمار قوى الأمر الواقع لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإعلام العبري يتناول مفاوضات تبادل الأسرى وقرار تركيا بقطع


.. تونس: إجلاء مئات المهاجرين و-ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية- و




.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا


.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟




.. جامعة فيرمونت تعلن إلغاء خطاب للسفيرة الأميركية بالأمم المتح