الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصوف: هيجانات نفسية واجتماعية باسم الدين

هويدا طه

2005 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عادة ما تمر(الأخبار الخفيفة)خلال نشرات الأخبار.. دون أن تلفت النظر إلى ما ورائها، لكن ذلك النوع من الأخبار.. ربما يحمل إشاراتٍ إلى ظواهر اجتماعية شديدة التعقيد، كالأخبار عن المهرجانات الشعبية في شتى أنحاء العالم، والأخبار عن الحالات الغريبة لأفراد ذوي مهارات غير عادية، أو أخبار عن بعض عادات غير مألوفة تمارسها الشعوب، كخبر بثته قناة الجزيرة عن الاحتفال بزواج شجرتين في الهند.. مثلا! ومن تلك النوعية من الأخبار.. خبرٌ مفاده أن أكثر من عشرة ملايين متصوف مصري يبايعون الرئيس مبارك! ، ربما لم يلفت الخبر انتباه البعض.. باعتباره ضمن المبالغات المعتادة من جوقة مبارك، لكنه قد يخلق بداخل البعض الآخر ألف سؤال.. فالمثير للدهشة ليس مدى صدق الخبر.. في كون متصوفة مصر يقدمون لمبارك(بيعة سابقة التجهيز)أم لا.. المدهش في الأمر.. هو عددهم! حتى استحق الأمر وقفة.. ليس فقط لأن الصوفية في مصر على هذا القدر من الانتشار.. إذا صح الرقم أو قارب الحقيقة.. إلى درجة أن نحو 15بالمئة من الشعب المصري.. راح وغاب في هذا الطريق. .. وإنما أيضا يحتاج الأمر وقفة أمام التصوف.. كظاهرة ماثلة في التاريخ الإسلامي..
مهما كان التراث الإسلامي غنيا بآلاف المؤلفات الصوفية، ومهما كانت الشخصيات الشهيرة التي انتهجت التصوف.. كموقف ديني أو اجتماعي.. قد اكتسبت احتراما لما أنتجته من أدبيات صوفية.. بعضها غني أدبيا وإبداعيا، فإن التصوف- في نظر البعض- ليس إلا ظاهرة بدأت في التاريخ الإسلامي كتعبير عن حالة(انسحاب لاعقلاني)من الحياة، زهدا فيها أو يأسا منها، لأسباب تتعلق بالوضع الاجتماعي أو السياسي أو المناخ الثقافي أو حتى الحالة النفسية والعقلية للمتصوف وأتباعه، أو كما يسمون.. العارفين بالله.
ومن أشهر هؤلاء(العارفين)أبو المغيث الحسين ابن منصور الحلاج، الذي اهتم به المستشرق لويس ماسينيون، وقضى ربع قرن من حياته يدرسه.. فردا وموقفا وتوجها وحالة تاريخية ودينية إسلامية.. تأثرت بعصرها وإرهاصاته.. والتداخلات الدينية فيه، ثم تأثر برؤية ماسينيون العديد من الباحثين العرب المحدثين، ومن حالة الحلاج- كمثال- تكتشف أن التصوف- كموقف ديني يصبو إلى(التوحد بالله)- ليس تلك الظاهرة الدينية تماما، إنه موقف اجتماعي ضد الظلم الطبقي والاستبداد.. لكنه لجأ- يأسا- إلى الدين، وتحديدا إلى الله البعيد عن الكون، فشلا في التعاطي مع معطيات الأرض بتحدٍ يناسبها، وأسباب هذا الفشل تاريخية وسياسية ودينية وعرقية واجتماعية، لهذا تعاطف الحلاج مع الزنج في العراق، الذين كانوا يعانون حرمانا وظلما مخيفا.. على يد الطبقة الحاكمة في دولة(الخلافة الإسلامية)، وقتل ثمنا لذلك الموقف شر قتلة.
هذه النقطة تحديدا هي التي تلفت الانتباه في التصوف كظاهرة اجتماعية(تتلبس بالدين)، فعلى مدى تاريخ البلدان الإسلامية- بعكس أوروبا- لم تتطور(إلا نادرا)حركات ضد الظلم والطغيان في الأرض بعقلية تتوسل طرائق إنسانية عقلانية، بل كلما عانى الناس.. لجئوا إلى السماء، يبحثون عن التوحد بالله وحلوله في أجسادهم.. بينما شعوب أخرى طورت تحديها للظلم الاجتماعي بتحدي الظالمين أنفسهم.. حتى أنتجوا بكفاح أجيالهم جيلا وراء جيل.. منظومة اجتماعية يحكمها ما يسمى اليوم(سيادة القانون)وحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير وغير ذلك، لكن التصوف بدا عبر التاريخ الإسلامي كخروج ٍ من حلبة الصراع مع الاستبداد.. وراح في غياهب لاعقلانية تتخيل أن الله(يحل)في جسد ذلك العارف بالله.. إذا ما هو انسحب من الحياة وفرض على نفسه حرمانا- أو زهدا- مبالغا فيه، وكأنه تعذيب ماسوشي للذات، ويظل الخيال يشطح بهؤلاء الذين(استقال عقلهم)،على حد تعبير المفكر المغربي محمد عابد الجابري في تعليقه على تلك الظاهرة العرفانية الغنوصية الأصل، فيتخيلون بالفعل أنهم- دون غيرهم- صاروا جسدا لله، وهكذا لن يتطور أبدا مجتمع يشيع فيه ويتفشى.. هذا العقل المستقيل.
ورغم أن مبدأ(وحدة الوجود)الذي لا يعترف بالله مفارقا للكون بعيدا عنه.. انتشر في أوروبا.. إلا أنه كان شطحا فلسفيا.. لم يؤثر على حركة المجتمع في تطوره إلى مرحلة.. سيادة القانون، إلا أن في مجتمعاتنا.. التي يتفشى فيها(التقديس الديني).. يأخذ مبدأ وحدة الوجود منحىً دينيا باسم التصوف، بدلا من كونه شطحا فسلفيا بشريا، مما ينتج عنه(قداسة الأفكار)، فيهيمن هذا الاتجاه اللاعقلاني على حركة المجتمع، ليعمل على مزيدٍ من تعطيل تطوره.
وفي الحالة المصرية.. فإن وجود عشرة ملايين مواطن.. يبحثون عن(حلول الله في أجسادهم)بدلا من البحث عن سبل لمقاومة الظلم الواقع عليهم، ما هو إلا.. كارثة أخرى.. لم تكن مصر الفريسة أصلا لهيمنة دينية تثير اليأس.. بحاجة إليها.
ورغم ذلك... للحلاج إنتاج شعري صوفي رائع! فرغم شطحاته الشعرية التي يبلغنا فيها أن الله حل بجسده.. كما في بيت شعرٍ قال فيه:" أأنت أم أنا هذا في إلهين.. حاشاك حاشاي من وجود اثنين"!! فإنه أيضا.. وفي وصفه لرفضه التدين بالطريقة التقليدية، استخدم كلمة(كفر)تعبيرا عن حبه لله بطريقته هو، ورفضا لطريقة المشايخ التقليديين في الإيمان، فقال: كفرتُ بدين ِ اللهِ والكفرُ.. واجبٌ عليّ.. وعند المسلمين قبيحُ!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa


.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم




.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك