الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم القصة الواحدة

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2013 / 7 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من أنت ... إنك لا تعرف عن نفسك سوى قصتها الحالية، المشهد الحالي الذي هي حاضرة فيه ... تتوقع المستقبل حسب معطيات ماضيك الذي لا يعود بك إلى ما قبل ولادتك، بل لعلك لا تذكر أي شيء قبل عمر ثلاث سنوات مثلا ...
وهذا كاف جدا ليكون الواقع الذي تعيشه صلبا جدا، ومتماسكا جدا، بالنسبة لك...

فلو كنت ابن خمس وعشرين سنة، فإن تراكمات اثنين وعشرين سنة من الخبرات والمعلومات هي ما تشكل وعيك بكل شيء، هي ما تحكم تصوراتك لكل ما هو كائن... وعيك بذاتك ..

هذا قصتك إذا، بدأت قبل خمس وعشرين سنة، وقد تنتهي بعد خمس وعشرين سنة أخرى مثلا، أو ربما أربعين.... حسب خبراتك خلال 22 سنة سابقة، فإن قصتك ستنتهي كما تنتهي قصص الآخرين... يفترض أن تكون واثقا جد من ذلك، وتشعر وكأن الثواني تفلت منك وتدفعك حتما لنهاية قريبة، مهما بدت بعيدة...

علم النفس قد يقدم لك تفسيرا مقنعا جدا عن انشغالك عن هذه النهاية الحتمية خلال حياتك وكأنها لن تكون .... فأنت تتكيف مع هذه الحقيقة لينعكس خوفك من الموت على شكل استماتة لنقل جيناتك أو لإنجاز شيء ما أو ربما أشياء أكثر دقة وخفة...
هل هو حقا تكيف تتم ترجمته لنزعات وأفعال؟ أم أن هناك خيطا رفيعا يربطك بحقيقة حضورك الكامل، الحقيقة المحجوبة؟...

إن مجموع خبراتك يجعلك حبيس واقع يقول أن قصتك بكاملها تدور بين الولادة والموت، وبالتالي يحجب عنك حقيقة حضورك الكامل .. داخلا في كل القصص وخارجا منها... حضورك خارج القصص ...

وضمن هذا الواقع الذي فرضته تراكمات "الذاكرة"، لا سبيل إلى الحضور بعد نهاية القصة إلى من خلال سيناريوهات للخلود هي محكومة بتصور الزمن على أنه يتقدم فعلا نحو الأبد واللانهاية ... الخلود ترجمة لحقيقة الحضور الكامل، ضمن مفردات واقع محكوم بالزمن.. ومحكوم بالتراكيب والأشياء المنفصلة التي تتباعد وتتقارب...

أما عن قصتك الحالية، فهي كلها ذاكرة، وأنا وأنت مثلا التقينا في هذه القصة، قصتك الحالية وقصتي الحالية، وطالما أنني أستطيع أن أوصل لك المعنى من خلال كلمات تربطها علاقات تستطيع ذاكرتي وذاكرتك أن تستحضرها الآن على الأقل، فمن الواضح أننا لا نستطيع أن نفكر أو نتصور شيئا بعيدا عن الذاكرة،وخلال اثنين وعشرين سنة مثلا، أصبحت التجارب الجديدة التي يمكن أن تطرأ، مألوفة بشكل عام، يكسب بعضها بعضا صلابة واقع مادي فيه أشياء كثيرة جدا لا يمكن تغييرها...

بداية قصتك هي الولادة... وهذه بداية للذاكرة ... أنت منذ الولادة لوح أبيض تماما... هنا بدأت الذاكرة.. هذا مؤكد

ولكن... هل انتهت الذاكرة هنا أيضا؟ .... هل تمت عملية فرمتة للذاكرة عند لحظة الولادة لتعود لوحا جديدا...

لا بد أنك تحلم أحيانا ... وما يحدث في الحلم شبيه بهذه العملية ..

بداية الحلم هي بداية قصة، تنتهي حين تصحو... هي بداية لذاكرة معينة إذا..

وفي نفس الوقت ... لا بد أن تنسى حتى يبدأ الحلم... لا بد أن تنسى أنك وضعت رأسك على الوسادة ونمت قبل قليل، لا يمكن لذاكرة الحلم أن تبدأ ويكتسب الحلم أية صلابة تجعله ينطلي عليك خلال فترة الحلم، طالما لم تنس تلك الحقيقة، حقيقة أنك دخلت الغرفة ونمت قبل قليل...

نسيان ذلك إذا هو ضروري لإكساب الحلم الصلابة ... إن تذكر كل شيء يعني أن لا ينطلي علينا شيء بعد الآن... وأن لا يعود أي شيئا صلبا ... ولا يعود هناك مستحيل ... وبالمختصر تفقد كل التراكيب المنفصلة والعلاقات بين هذه التراكيب كل صلابة وكل وحدة خاصة بها لتبدو كما هي فعليا، حقلا متشابكا من كل شيء...

هذه ليست القصة إذا ... هذه هي فقط : شروط الذاكرة..

ويبقى أن نسأل أنفسنا: هل ننسى لأن ذلك مفروض علينا فقط... أما أننا ننسى لأننا نريد ذلك أيضا

إننا ننسى بإرادتنا أحيانا، طالما كان النسيان سينقلنا إلى قصة جديدة (أعني هنا تجربة جديدة ضمن حياتنا) حين يصبح جزء من هذه الذاكرة عبئا لا يمكن أن تنطلي علينا معه أية قصص جديدة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة