الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف؟؟؟؟

مصطفى بالي

2013 / 7 / 21
القضية الكردية


أسوأ ما في قدر الشعوب منذ مأساة أنكيدو وخباثة جلجامش وحتى يومنا الراهن أن الشعوب أصبحت جدران مباحة للكتابة يسطر عليها الطغاة أوهامهم حيث كان اكتشاف الكتابة من قبل الإنسان إنما خوفه من الموت المحتم وفشله الذريع في الحصول على نبتة الخلود.
الطغيان ليس بالضرورة متجلاة بالآلة العسكرية وصولجان السلطان بقدر ماهو الخوف والجبن الذي يلازم العقول الحاقدة التي تأبى الاعتراف بالواقع كما هو إنما تبحث دائما عن واقع يلائم خيالها المريض دون أن تكلف نفسها عناء ترسيم ذلك الواقع المفترض.
و(لأن الطغاة دائما كانوا ذوي أوهام)كما يقول ديستويفسكي فقد تمظهروا بأشكال مختلفة على مر الزمن واختلاف المواقع سواء كانوا على كرسي الإمارة وعرش المملكة أو كانوا في ترسيمات المعارضة وأوهام تحقيق العدالة وفق خيالاتهم المريضة,فالدولتية إنما هي آفة مجتمعية يكون فيها الحاكم والمعارض وجهان لعملة واحدة,كلاهما يريان نفسيهما بوصلة العدالة ومرتسم الحقيقة.
الطغاة يعيدون إنتاج ذواتهم وفق المعطيات المتغيرة على الأرض وكل في موقعه وهم دائما يراهنون على الذاكرة السمكية للشعوب إذ هي منهمكة في تفاصيل يومها الحاضر ولا وقت لديها لما قيل في الأمس،يُلهون الناس(وبالذات الشباب)بحوارات بيزنطية لا تغني ولا تسمن،تُغِّيب وعيهم عن واقعهم وترسم لهم واقعا افتراضيا يدغدغ أحلامهم.
الطغاة دائما كانوا تواقين لترصيع تيجانهم بصور أشباه المثقفين لإضفاء البهاء على ماهم عليه وكذلك المعارضات كانت حريصة بنفس الدرجة على شراء تلك الذمم المعروضة في مقاهي العاطلين عن العمل إذ أن مثقف السلطة والمعارضة هما أيضا وجهان لعملة واحدة بالمثل من مُشرٍّعيهما،وأشباه المثقفين دائما كانوا البضاعة الأرخص ثمنا في سوق السلطان،إذ تغريهم أبهة السلطة،ورونق الدرهم والدينار،ويبقى المثقف الحقيقي الذي يتحمل المسؤولية التاريخية علامة فارقة في الزمن،يقفون صامتين خلف تخوم الحقيقة يدافعون عنها،علامات فارقة على وجنة التاريخ،لايكترثون بصرخة الموت أوعويل العدم.
يوما ما،في مهب السلب والنهب للقيم وأعاصير الردة والتكفير القاتل وقف أبو ذر الغفاري أمام قصر معاوية نافضا ثيابه قائلا بحسرة المثقف(لم أجد عند هؤلاء إحدى خصلتين،لا أحلام الجاهلية ولا تقوى أهل الإسلام)وهي جملة كفيلة بأن تقطع لقائلها تذكرة سفر إلى الجحيم بكفالة إفتائية،وفي لحظة من سجلات المثقفين وقف الشاعر بين يدي هولاكو للجواب على سؤاله(بكم تشتريني إذا رأيتني في سوق النخاسة)وهو سؤال ملغوم يعتبر مجرد الجواب عليه جريمة تستحق إعدام المجيب لأن الأصل أن يقول(ليس مثلك من يعرض في أسواق النخاسة وكل أموال الدنيا لاتساويك)لكنه قال بأعصاب باردة وهادئة(أشتريك بعشرين درهما)وعندما احتج هولاكو على السعر الزهيد معللا أن الحزام الذي يرتديه يساوي هذا المبلغ،قال الشاعر(إنما أنا اشتري الحزام بهذا المبلغ أما أنت فلا تساوي لدي فلسا واحدا).
بعض(المثقفين)الذين يتغذون على الأفكار المستوردة في علب متلفزة والذين يبدلون جلد قناعاتهم حسب النشرات الإخبارية يثيرون في النفس مشاعر الشفقة لأنهم ببساطة لم يعلموا حتى الآن أن السياسة علم قائم بحد ذاته وهو حقل معرفي مختلف عما يخوضون فيه،وممارستها تشبه تماما كمن يستخدم ظهر الأسد وسيلة للنقل إذ أنه يتحول إلى وليمة جاهزة لمجرد سقوطه عن ذلك الظهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق


.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟




.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع


.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد




.. مؤيدو ترامب يطالبون بإعدام القاضي وبحرب أهلية