الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية العلاقة الزوجية في شريعة الفقهاء

احمد الكناني

2013 / 7 / 23
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



تظهر هذه الاشكالية من خلال طرح العلقة الزوجية في جانبها المادي على اساس كونها عقد بين طرفين ، و متضمنة للاخذ والعطاء ، اخذ من طرف الزوجة و عطاء من طرف الزوج ، فالزوج يعطي المهر او الصداق في قبال الاستمتاع من طرف الزوجة .
هذا بحسب متبنيات الفقهاء و بأختصار شديد .
و السؤال هنا : هل ان الاستمتاع في العلاقة الزوجية يختص به الزوج وحده ليدفع في مقابله المال ، ام ان الاستمتاع حاصل لكليهما معا ؟ و حينئذ ماذا تدفع الزوجة لزوجها في مقابل استمتاعها منه ؟
هذه الاشكالية تتاتى على كلمات الفقهاء و على الخصوص القدماء منهم من خلال طرحهم لمسألة عقد الزواج بالشكل الذي يقاس به على بقية العقود المتقومة بين طرفين و المتضمنة لمعنى المعاوضة كعقد البيع مثلا .
رغم ان صريح القران الكريم يعتبر العلاقة متقومة بالمودة و الرحمة فهي علاقة روحية مقدسة لا تقوم على اساس الثمنية و الاخذ و العطاء ، هي علاقة سكن و طمأنينة تسودها المودة و الرحمة ، و يشعر فيها كل من الرجل و المراة بانسانيته ، فلا بيع و لا شراء و لا اخذ و لا عطاء .
اما الجانب المادي الذي تتعرض له الايات في سورة النساء على هامش هذه العلاقة فهو لتنظيم و تقنين لتلك العلاقة ، لئلا تسودها الفوضى و ضياع الحقوق حال الانفصال بالطلاق او الخلع ، و ليست متقومة به كما فهم الفقهاء منها .
و الغريب ان القران جاء ليصحح مفهموما خاطئا كان سائدا عند العرب قبل الاسلام من مساواتهم بين الزواج والبيع ،اذ يقدمون المهر ثمنا للمراة ، و كانه بدفعه للمهر قد امتلكها كما يمتلك السلعة .
هذا التصحيح نادت به الاية 21 من سورة الروم و هي قوله تعالى { و من اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة } فالعلاقة الزوجية في المفهوم القراني هي سكن و مودة و رحمة .
و اما الجانب المادي من الزواج كالصداق مثلا فيعبر عنه القران بالنحلة { و اتوا النساء صدقاتهم نحلة }. (1)
و النحلة تعني العطية و الهبة ، وبهذا المعنى فسرها الفخرالرازي ، و سأنقل نص عبارته ليتضح للقارئ مستوى الفهم للنص القراني و ما عليه الفقهاء من استنباطات و تفريعات بعيدة كل البعد عن الجو القراني . يقول الفخر :
" انه عطية من الزوج ، و ذلك لان الزوج لا يملك بدله شئ ، لان البضع في ملك المراة بعد الزواج كهو قبله ، فالزوج اعطاها المهر و لم يأخذ منها عوضا يملكه ، فكان في معنى النحلة التي ليس بأزائها بدل ، و انما الذي يستحقه الزوج منها بعقد النكاح هو الاستباحة لا الملك " .(2)
و فسرها ايضا السيد الطباطبائي في الميزان " بالعطية من غير مثامنة" (3)
لكن الفقهاء سامحهم الله ارجعوها جاهلية بعد اسلام عند تنزيلهم عقد الزواج بمنزلة عقد البيع .
و لنا الحق حينئذ ان نتسائل :
هل حقا ان عقد الزواج في شريعة الفقهاء يتعامل معه كعقد البيع او عقد الاجار مثلا ؟
فعقد البيع قوامه المعاوضة بين المال و الملك ، و في عقد الاجارة هنالك معاوضة ايضا بين المال و المنفعة ، فالمستأجر لا يملك البيت مثلا و انما يملك منفعة البيت .
لكن في عقد الزواج ما هي المعاوضة بين الزوج و الزوجة ؟ ماذا يعطي الزوج و ماذا تأخذ الزوجة ؟
الظاهر من كلمات الفقهاء و عند مناقشتهم للمسائل المتعلقة بالجانب المادي للزواج كالمهر مثلا او الخلع، انهم يعرفون الزواج بانه : " معاوضة على البضع " و البضع هو فرج المرأة ، و يقصدون به الاستمتاع ، فالزوج يبذل المال او ما يعادله كمهر للزوجة في مقابل الاستمتاع بها ، كما ان الزوجة تبذل المال في مقابل خروجها من عهدة الزوج و هو معنى الخلع .
و اليك نص فقهي على سبيل المثال للحصر فيه دلالة اكيدة على ملكية الزوج لبضع المرأة .
يقول الشيخ الطوسي في كتابه المبسوط :
" و ان خالعها بعد هذا بعوض و بذلته له ، ملك العوض الذي عقد الخلع به ، وزال ملكه عن بضعها في الوقت الذي ملك العوض عليها ، و لا يقال زال بضعها اليها فملكته لانها لا تملك بضعها ، فأن البضع عبارة عن الاستمتاع ، لكنا نقول زال ملك البضع عنه و عاد اليها كالذي كان قبل النكاح " .(4)
لاحظ التعبير " زال ملكه عن بضعها " ، " زال ملك البضع عنه و عاد اليها كالذي كان قبل النكاح "
فهنالك ملك للبضع من قبل الرجل زال هذا الملك بمجرد ان ارجعت اليه المال .
الا يفهم من هذا الاهانة الصريحة لانسانية المرأة و كانها سلعة تباع و تشترى .
ثم اين هذا الفهم من روح القران التي يعلوها التقديس للحياة الزوجية .
و المصيبة انك تجد اصرارعلى هذا المعنى رغم قباحته، من قبل المفسرين و الفقهاء المعاصرين لتبرير تعريف القدماء هذا ، و كانه نص مقدس لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، فهذا السيد الطباطبائي في الميزان يدافع عن ملكية البضع ، و يعتبر الامر مناسب للطبيعة فيساوي بيننا و بين الحيوانات ، من استيلاء الذكور على الاناث فيقول :
" ثم ان التأمل في سفاد (اي جماع ) الحيوانات يعطي ان الذكور منها شائبة استيلاء على الاناث في هذا الباب ، فأنا نرى ان الذكر منها كأنه يرى نفسه مالكا للبضع مسلطا على الانثى ، و لذلك ما ترى ان الفحولة منها تتنازع و تتشاجر على الاناث من غير عكس ، فلا تثور الانثى على مثلها اذا مال اليها الذكر بخلاف العكس "
هل يستحق الجمود على تعريفات الفقهاء ان نفكر بهذه الطريقة ، بدلا من تهذيبها او استبدالها بما هو افضل ما دامت صياغتها من صنع بشر امثالنا .
و خير ما صنع المهتمون بشأن التصنيف الفقهي حديثا بتجاوزهم عن اصطلاحات القدماء في باب الزواج و استبدالها بصياغات اكثر ملائمة مع ما هو مدون في دساتير البلدان الاسلامية .




المصادر:

(1) النساء :4
(2)الفخر الرازي ،التفسير الكبير ، دار الكتب العلمية بيروت 2004 ، ص 147
(3)محمد حسين الطباطبائي ، الميزان ج 4ص 169
(4)محمد بن الحسن الطوسي ، المبسوط ، ط2 تحقيق محمد باقر البهبودي، ج4 ص 310
(5)الميزان 4/ 181, 182


























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نساء فلسطين عندما تصبح الأرض هي القضية


.. مشاهد تدمير منطقة الزيتون وحي الصبرة بعد انسحاب القوات الإسر




.. رائدة في علم المحيطات حققت نقلة نوعية في علوم الأرض


.. موريتانيا.. دعوة لإقرار قوانين تحمي المرأة من العنف




.. القومى للمرأة يطالب شركات خدمات النقل بالتطبيقات بوضع معايير