الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق صفراء معاصرة_الورقة الثامنة_فتنة!

شوكت جميل

2013 / 7 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أوراقٌ عتيقةٌ نقطفها من كتيبٍ بعنوان( هؤلاء هم....الإخوان)بقلم:طه حسين،محمد التابعي،علي أمين،كامل الشناوي،جلال الدين الحمامصي،ناصر الدين النشاشيبي كشهودٍ على عصرهم و أحداثه .وقد صدر الكتيب عقب محاولة الإخوان اليائسة لتحدي إرادة الشعب و إرهابه،و إبتزازه بالتلويح بحمامات الدم ابان ثورة 23 يوليو 52،و ما تلاها من المحاولة الفاشلة لإغتيال زعيمها بعدها بعامين ، وما تم الكشف عنه آنذاك ومن ثم إحباطه ، من مخططات الإغتيالات العنيفة و التفجيرات الواسعة تمهيداً للإنقلاب و السيطرة على السلطة، و علاقة هذا الفصيل بالقوى الأجنبية حينها مما يكشف لنا الكثير عن مفهوم الوطنية وقدر الوطن لدى هذا الفصيل ،و بالرغم من قدم هذه الأوراق و إصفرارها وقد سلخت ما يقارب من ستة عقود؛فما زالت مضمخة بالجدة و المعاصرة...و تحمل الرائحة الطازجة للأحداث الآنية،و كأن مدادها لم يجف بعد...

و في تقديري فإن الفضل في طزاجة هذه الأوراق على بعد العهد بها،ليس راجعاً لأن التاريخ يعيد نفسه أو لأنه راكدٌ أسنٌ، و إنما يرجع الى طائفة من الناس، كالأحافير الميتة و الأحجار الصماء البكماء لا تتعلم من التاريخ ؛فكرها لا يتغير و سيرتها لا تتبدل،شبقها العقيم للسلطة المفردة المتأبدة هو هو،و ميزانها السقيم الظالم التي تزن به إرادة الشعب هو هو،و تعاطيها بضميرها المدخول لمفهوم الوطنية هو هو..ومن ثم لا تملك الا أن تعيد حياتها و تاريخها و مأساتها مرة تلو المرة ؛كحبة الرمل في ساعتها الرملية..ما ان تقلبها حتى تعيد سيرتها و تكرر مأساتها عوداً على بدء..و لا تحيد عنها قيد شعرة ،عجباً ..لثمانين عاما و هي لا تمل ولا تسأم تكرارها!،و يلح على ذهني المشهد الإسطوري لسيزيف،الذي لا يصعد الجبل إلا ليهبطه،و لا يهبطه إلا ليصعده، و ليسمح القاريء الكريم بان نعيد قراءة هذه الأوراق كما هي .

نعم... قد يتفق البعض و قد يختلف مع فكر كتَّابها الثقاة،بيد أننا نتناولها هنا كتأريخٍ موثقٍ يكاد يكون محسوماً،و من أفواه قامات سامقة لا غبار على وطنيتها،و لا مطعون في نزاهتها،و على كل حال ٍ فالكلام على عهدتهم_ أي الكتّاب الراوة_ وتحت مسئوليتهم ،و قد آثرت عرضها بلا تعليق أو تفسير أو إضافة،اللهم إلا في أضيق الحدود و على الهامش ؛و الحق لسنا في حاجة لإضافة شيءٍ أو الإسهاب في شيءٍ،و الفضل في ذلك للإخوان أنفسهم كما أسلفنا،فتاريخهم جامد كل الجمود على وتيرةٍ واحدة،و واضحٌ كل الوضوح إلا لمن أغمض جفنيه عمداً؛ فكفانا ذاك مؤونة الشرح و التوضيح.
نعيد قراءتها لأن في التاريخ عبر....و نعيد قراءتها لفهم أعمق لهؤلاء الناس....و نعيد قراءتها أيضاً لنستشف أن هذه الطائفة هي هي الامس و اليوم و غداً....
و نعيد قراءتها فلربما كانت ضوءاً كاشفاً لبعض حنايا و تكهفات هذا الفصيل ولا سيما لمن يتحدثون في وقتنا الراهن عن المصالحة و عدم الإقصاء،و يتدارسون كيف السبيل لإدماج هذا الفصيل في الحياة السياسية؛ و هم ما برحوا على ما هم عليه، من فكر فاشي لم يراوحوه قط ! أقول يا سادة..أفلا يحق لنا أن نتساءل قبل ذلك كله :عما إذا كان في المقدور و الإمكان حتى أن يراوحوه!، أكبر الظن أنه السؤال الجدير بالطرح الآن ،و من بعده يأتي حديث المصالحة و عدم الإقصاء وليس قبله!...
و الحق ..لا ضير في نلقي نظرة إلى الخلف بين الحين و الحين ؛لنعلم أين نقف بالضبط و إلى أين نمضي.
...........................................................................................................

الورقة الثامنة بعنوان:(فتنة!) بقلم طه حسين

يقول فيها شارحاً الأمل المعقود على ثورة 23 يوليو 52 و ومحذِّراً من القوى التي تبغي إجهاض الثورة،بخطط التفجيرات و العنف الآثمة و محاولة الإخوان لإغتيال زعيمها_جمال عبد الناصر_و رفاقه الضباط الأحرر:(كانت مصر أكرم على الله من أن يرد ابتهاجها إلى ابتئاس،و سرورها إلى حزنٍ و من أن يحيل أعيادها البيض إلى أيام حداد سود.و من أن يجزي الخير بالشر و الإحسان بالإساءة و المعروف بالمنكر؛و من أن يكافيء الوفاء بالغدر؛و الإخلاص بالخيانة كما ينظر إليها الآن.فهي على بعد عهدها بالتاريخ و إرتفاع قدرها فيه و ضخامة حظها من المجد في العصور البعيدة حين كانت الإنسانية في أول الشباب و في القرون الوسطى حين كانت البلاد الإسلامية تتعرض للمحن و الخطوب.هي على هذا كله دولة ناشئة في هذة الحياة الجديدة التي تحياها الإنسانية.تجرب الإستقلال للمرة الأولى بعد أن خضعت للسلطان الأجنبي دهراً طويلاً....)ص16

و يستمر عميد الأدب العربي في وصف المشهد الداخلي للثورة المصرية والفصائل الوطنية و الفصائل غير الوطنية على أرض مصر،غير غافلاً عن القوى الخارجية:(الراشدون من أبناء مصر يرقبون وطنهم معلقين بين الخوف و الرجاء و العالم الخارجي الحديث يرقب مصر من قرب؛منه من يشجعها و يتمنى لها النجاح،و منه من يضيق بها و يتمنى لها الإخفاق و يتربص بها الدوائر و يبث في سبيلها المصاعب و العقبات و فريق من أبنائها المحمقين لا يحفلون بشيءٍ من هذا كله و لا يرقبون في و طنهم و لا في أنفسهم لا أبنائهم و أحفادهم الا و لا ذمة،و لا يقدرون حقا و لا واجباً و لا يرعون ما أمر الله أن يرعى و لا يصلون ما أمر الله أن يوصل،و إنما يركبون رءوسهم و يمضون على وجوههم هائمين لا يعرفون ما يأتون و لا ما يدعون و لا يفكرون فيما يقدمون عليه من الأمر و لا فيما قد يورطون فيه وطنهم من الأهوال الجسام)ص18(1).

و يستمر طه حسين،في شرح الموقف بعد القبض على القادة المتآمرين القتلة و المجرمين منهم:(والحمد لله على أن هذا الكيد الذي كيد قد رد في نحور كائديه،فلم تلق مصر منه شراً و إنما إمتحاناً ثقيلاً ممضاً خرجت منه ظافرة مطمئنة إلى أن الله يراعاها و أن مصر بعض أبنائها في رعايتها،و لم يفكر أولئك المحمقون في عاقبة ما حاولوا من الأمر لو تم لهم ما دبروا أو أتيح لهم ما أرادوا و لم يقدروا أنه الهول كل الهول و الكارثة التي يعرفون أولها و لا يعرف أحدٌ لها آخراً..كان رئيس الوزراء مؤمناً(2)بوطنه حين ثبت لهذا الكيد و حين قال ما قال بعد أن صرف الله عنه الشر بتلك اللحظات القصار فرد الأمل إلى الذين كانوا من حوله و أشاع الثقة في الذين كانوا بعيدين عنه،و أشعر مصر بأنها أقوى من عبث الجهال و حمق المحمقين)ص19

و يستكمل عميد الأدب العربي حديثه عمَّا كان سيحدث لو قدر لمؤامراتهم أن تنجح،من حروبٍ أهلية و إجهاضٍ لثورة:(وإني لأفكر في الأعقاب التى كان يمكن أن تلم بهذا الوطن لو تم للمجرمين ما دبروا فلا أكاد أثبت للتفكير فيها،كان أيسر هذة الأعقاب أن يثأر الكرام من المصريين لفتى مصر،و أن يصبح بأس المصريين بينهم شديداً،و أن يسفك بعضهم دماء بعض و أن ينتهك بعضهم حرمات بعض،و أن يعلق النظام و القانون و الأمن فترةً لم يكن أحدٌ يدري أكانت جديرة أن تقصر أم كانت جديرة أن تطل،و أن يضيع هذا الإستقلال الذي ذاقت مصر في سبيله مرارة الجهاد الشاق الثقيل الطويل،و أن يفرض الأجنبي النظام الأمن على الوطن فرضاً،و أن ترجع مصر أدراجها و تعود كما كانت منذ حين وطناً ذليلاً...)ص20

و يستطرد :(أهذا هو الذي يريده أولئك المجرمون أم هم لم يريدوا شيئاً،و لم يفكروا في شيءٍ،و إنما أهمتهم أنفسهم و ملكتهم شهواتهم و دفعتهم شياطينهم إلى الشر في غير تدبيرٍو لا تقدير)ص20،ثم يبسط ما يراه واجب الشعب و ما عليه أن يفعله دفاعاً عن ثورته و مكاسبها:(و هذا كله يفرض عليهم أن يتعاونوا على الخير و البر و المعروف وأن ينقوا الخبث عن وطنهم و أن ينزهوا أسماعهم عمَّا يلقى إليها من مقالات السوء و أن يطهروا قلوبهم مما يلقى فيها من كيد الشياطين و أن يصفوا نفوسهم من كدر الذلة و الخضوع و النفاق)ص21

و إلى هنا إنقضى الوقت المتاح ،فسكت _طه حسين _ عن الكلام المباح.
.
هامش
..................................
(1)لم يتغير المشهد بكل رتوشه و كل أطرافه، عن الحاضر في شيء؛فجموع الشعب المصري و جيشه وراء ثورته30 يونيو،و قوى أجنبية من ناحية تشجع الثورة و تتمنى للثورة النجاح أظهرها روسيا و الصين، وقوى أجنبية من ناحية أخرى تضع في سبيلها العقبات و تتمنى فشلها،أظهرها أمريكا و تركيا،أما( المحمقين) كما يسميهم طه حسين البصير، فطائفة منهم يملئون ميدان رابعة العدوية،يستجْدون و يستعْدون القوى الخارجية لضرب الثورة وإرادة الشعب،و طائفة منهم تحاول محاربة مع الجيش الوطني في سيناء!،و طائفة منهم ترتدي عباءة التقية لتجد لها موطيء قدمٍ في العصر الآتي ،أو لتشق الصف إن وجدت إلى ذلك سبيلاً،فقادتها يجلسون على موائد الثورة،يبتزون القوى الثورية في تشكيل الحكومة و كأنهم أوصياء على ثورةٍ كانوا أول المسفهين لها!،بينما أتباعهم في ميدان رابعة العدوية ينددون بالثورة!و الحق أن جميع طوائفهم لا يعنيها الوطن قلامة ظفر إنما يعنيهم ما قد يكسبون و ما قد يخسرون ،لا أكثر و لا أقل،حتى و لو كان ذلك على جسد الوطن .
(2)كان جمال عبد الناصر لم يزل بعد رئيساً للوزراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ما المراد بالروح في قوله تع


.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة تجيب عن -هل يتم سقوط الصلوات الف




.. المرشد الأعلى بعد رحيل رئيسي: خيارات رئاسية حاسمة لمستقبل إي


.. تغطية خاصة | سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال عهد رئ




.. تربت في بيت موقعه بين الكنيسة والجامع وتحدت أصعب الظروف في ا