الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في استحضار النموذج الحضاري الإسلامي في تجربة السلطة

احمد علي كزو

2013 / 7 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا تلبث أن تتكرر أمام أعيننا مصطلحات سياسية متعددة ترفع وتعلي من قيم سياسية ونظرة أيديولوجية للإسلام كإطار حكم ونظرية سلطة، تتردد عبارة "القرآن دستورنا"، و"حاكمية الله" في أروقة التفكير الثوري العربي حاليا، ولأن كانت هذه المصطلحات ليست بالحديثة، ولكن شعبيتها وانتشارها وسلطتها ازدادت بشكل واضح، وأصبحت تحت عناوين أساسية في دول كبرى وفاعلة على ساحة المشرق العربي والإسلامي عموما.
تبرز الإشكالية الحالية في الفهم والتعامل مع هذه المصطلحات من جانبين وذلك الإشكال ظاهر في تعامل النخبة المثقفة مع الأحداث التي تتعرض لها المنطقة، الإشكال الأول كامن في فهم بنية التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تخضع لها المنطقة والعالم عموما، والثاني في فهم والأخذ بعين الاعتبار مخزون الماضي الحضاري الموجود دائما في ذاكرة ضخمة ورصيد هائل من المرجعية التراثية.
في أغلب الدول العربية كعينة للحدث الحالي، مرت هذه الدول بمرحلة من التغيير الأساسي في بنية المجتمعات الاقتصادية وفي إطارها العام، من دول ذات بنية ريعية اجتماعية، تقوم على مفهوم الدعم الإعالي الطفيلي لأفراد المجتمع من تأمين الموارد والتغطية عليها بقطاعات عمل ضاغطة وغير وظيفية في بناء الدولة رسميا، إلى العودة إلى مسار الانفتاح الاقتصادي مع مركزة ضخمة للسلطة أعاقت التوزيع العادل والقدرة على المنافسة في أغلب الدول التي خاضت تجارب الثورات.
هذا الانتقال الاقتصادي ولّد وخلق ضغطا على شرائح واسعة كانت التيار العريض والأبرز في عملية التغيير التي حدثت، وكانت دوافعها الاقتصادية هي من أهم المبررات الخفية في الانطلاق، ولذلك كانت النظرية التبريرية للثورة نظرية مبسطة، أولية، بدائية في منطقها، وصلت في بعض الأحيان إلى مخاطبة الحالة القطيعية للأغلبية المشاركة وكونت بعدة دول منها حالة طائفية ودينية عموما.
ففي سوريا على سبيل المثال، كان الانتقال نحو اقتصاديات السوق المفتوحة، وانحصار الفوائد في مجموعة محددة من رجال الأعمال، وفتح قطاع الخدمات ليكون القطاع الأبرز في عملية النمو، خلق هذا الانتقال من مركزة أو "عدالة التوزيع" الثروة في الريف، والذي كان المستفيد الأول من عمليات التغيير الاقتصادي في المراحل السابقة، إلى مركزتها وعودتها إلى المراكز المدنية في سوريا، هذا التحول الاقتصادي والخسارة التي تعرض لها الريف السوري عموما وخاصة مع ترافق الأحداث مع حالة المحل والجفاف، ولّد البيئة المناسبة في الريف لبداية الحدث، ولربما كان اندلاع شرارة الثورة من مراكز مدينية ريفية قادرة على تقديم النظرية السياسية للثورة، وهنا كانت بدايات الانطلاقة من مدن صغرى ريفية الطابع، كبانياس، ودوما ودرعا، وهي التي وفرت البيئة الثقافية لخلق نظرية الثورة تحت باب إسلامي واضح في المواجهة مع نظام "يقوم بنقل مراكز ثقله الاقتصادي نحو المدن" علماني، كذلك كان السبب في تأخر انطلاقة أحداث الثورة في المدن الكبرى والتي كانت الحاضن الأكبر والمستفيد من عملية تحول المركزة الاقتصادية، وخاصة دمشق وحلب.
ويبرز الإشكال الثاني في فهم قضية مواجهة نظرية الحكم والسلطة والتي كانت تحت بند قومي عروبي عموما، مما استدعى خلق نظرية جديدة تستدعي خلق تباين مع السلطة، وفرض واقع مواجهة معها، هذه المواجهة المبطنة اقتصاديا رافقها على الجانب الأخر مواجهة ثقافية بين اعتبار أن نظرية الحكم العروبية القومية والاشتراكية "ظاهرا" هي أحد أسباب التراجع على كل الصعد، وذلك مع افتقار البنى السلطوية العربية لإيديولوجيا قومية واضحة المعالم، كانت الشعارات هي الإطار الأعم لها، والديكتاتورية القمعية هي الوجه الأكثر بروزا لها، مع ما يعتري القومية في البلدان الحاملة للوائها من إشكالية التعدد الاثنية "كسوريا والعراق" أو من غياب جانب ملموس لدورها في دول متجانسة قوميا كمصر وليبيا.
هذا الجانب شكل مع وجود تراث طويل وماضي متصل من التعامل مع نظرية الحكم الذاتية "والتي ما زالت مستمرة في بنية السلطة العربية من مركزة للسلطة في يد القائد أو الزعيم"، كان التاريخ المعنون بنظرية الحكم الإسلامي هو المنفَذ والمبلور لنظرية المواجهة والتغيير، أولا من كونه ذاتيا، عائدا للشرق كاملا وليس دخيلا من الخارج، وثانيا لاقترانه بحالة من الشعور بالقدرة على خلق نظرية حكم موازية ومتفوقة على الغرب أو الأخر.
هذه العوامل جعلت النظرية الإسلامية المقترنة بضغط التغيرات الاقتصادية المولد لنظرية الحكم الإسلامي، وبحكم كونها نظرية معادة، ومستخدمة لحشد أكبر عدد من المناصرين كان لا بد لها أن تخاطب المستويات الأولية للفكر، وهو ما يتجلى بعبارة "القرآن دستورنا"، و "لا دستور إلا الشريعة"، هذه العناوين الأولية لفرض التغيير هي التباشير الأولى لمرحلة مقبلة من التغييرات السياسية والتي ستقترن عموما مع ارتفاع في نظرية الحكم الإسلامية، وكما لم يتمكن الغرب مسبقا في منع وصول التيار القومي إلى السلطة، فعلى الأغلب سيكون التغيير الإسلامي هو العنوان الأبرز للمرحلة القادمة، والقضية المهمة في الموضوع هو قدرة هذا التيار أو لا في وضع مشروع حضاري فعلي، وليس اسمي وشعاراتي كما حملته التيارات القومية سابقا والتي كانت الشخصيات العسكرية هي المستفيد الأول من توظيفها للوصول إلى السلطة فحسب، قد تكون حالة الوصول للسلطة حاليا من قبل التيارات الإسلامية ببداياتها الحالية "ديمقراطية" ولكن التباشير الأولى لمشروع حضاري واضح ما زالت غير واضحة المعالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقاربة جميلة
سليمان غانم ( 2013 / 7 / 26 - 16:59 )
، مقاربة جميلة يا صديقي أحمد ... بالرغم من موقفي السلبي من التواجد الديني في السياسة


2 - تحياتي
احمد علي كزو ( 2013 / 7 / 27 - 23:23 )
شكرا لمرورك الكريم، وأتمنى أن يكون المستقبل حاملا لنا مشروع حضاري بعيدا عن أي أيديولوجيا

اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي متواصل على غزة وحصيلة القتلى الفلسطينيين تتجاوز


.. إسبانيا: في فوينلابرادا.. شرطة -رائدة- تنسج علاقات ثقة مع ال




.. من تبريز.. بدأت مراسم تشييع الرئيس الإيراني رئيسي ورفاقه


.. أزمة دبلوماسية -تتعمق- بين إسبانيا والأرجنتين




.. ليفربول يؤكد تعيين الهولندي آرني سلوت مدربا جديدا له