الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا العفيف الأخضر

الناصر لعماري

2013 / 7 / 26
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


استيقظت على خبر محزن رحيل المفكر التونسي العفيف الأخضر سبينوزا العرب .
لقد قام بثورته الفكرية على اليأس والمرض والتصحر والجهل وجعل من يتمه المبكر وقودا من أجل التمرد وطاقة على الرفض.لقد كان ثائرا على الجهل المقدس باحثا عن تنوير الحشود ومناصرا للدولة المدنية ورافضا مآل العرب نحو التقهقر. يا له من "مفكر حر" لقد كان رائعا ،لقد اقترنت علمانيته الصارمة بكفره بالأصنام وتصميمه على محاربة الأوهام بالنقد والنقد الذاتي ومقارعة الفكرة بالفكرة والتصدي للماضوية ودعاة التقليد والمحاججة النصية. كما انتصر الى نظرية تجفيف المنابع وناهض الفكر الأصولي والإرهاب.لقد كان مكافحا شرسا من أجل العقلانية والعلمانية والحداثة السياسية والاجتهاد الديني وسعى الى اصلاح الاسلام ، كان الحاده المنهجي الذي حارب به طبقات الميراث وحراس التاريخ التذكاري هو الايمان الحقيقي في ظل موجة النفاق والقتل باسم الايمان. لقد نظر الأخضر للانتحار الرحيم وعاش تجربة الهذيان الشعري والالتزام السياسي وقدس النزعة الفردية.
عرف العفيف الأخضر في تونس والجزائر ولبنان وباريس كأحد أحدّ أشرس الأصوات اليساريّة التي لا تُهادن, وبدأت رحلته في وقت مبكّر بعد الإستقلال, وتحديدًا منذ سنة 1958, حيث فُرضت عليه الإقامة الجبريّة بتونس, ولكنّه تمكّن بمساعدة مجموعة ثورية من الجزائر من الهرب إلى باريس, أوّلا ثمّ عاد إلى الجزائر فور إستقلالها حيث بدأ في كتابة مقلات ناريّة بجريدة الثورة والعمل, واشتهر بمقولاته التي تحوّل أغلبها غلى شعارات متداولة حتي اليوم, وقد شاعت في ذلك الوقت عبارة الثالوث المُرعب, او الثالوث المُخيف, (الطاهران والعفيف) فأمّا الطاهران, فهما الطاهر وطّار والطّاهر بن عيشة, وأمّا العفيف فهو العفيف الأخضر. وكلا الصفتين المنحوتتين من أسمائهم, لا علاقة لها بالتصنيف الديني المتعارف عليه, بقدر ما كان يشير إلى نقائهم وشراستهم في الدفاع عن مبادئهم بدون مهادنة أو تنازل, بأيّ ثمن من الاثمان.
ولم تعرف تونس كاتبًا, عاش حياته بشكل أسطوريّ طولاً وعرضًا مثل العفيف الاخضر. فقد تعرّف إلى أبي جهاد منذ بداية الستينات, وكان هوّ من يترجم له بياناته الشهيرة إلى الفرنسيّة, وكان اقرب أصدقاء القائد ياسر عرفات وخو من رتّب لقاء أبا جهاد بالعظيم تشي جيفارا حين جاء هذا الاخير مسبوقًا بشهرته الأسطورية إلى الجزائر سنة 1965.
ولد العفيف الأخضر في قرية "مكثر" التونسية في سنة 1934 لعائلة من الفلاحين الشديدي الفقر. وتمكن من الالتحاق بالمدرسة بمصادفة بحتة, فقد كان يرافق ابن صاحب الأرض التي يعمل بها والده إلى المدرسة ليحرسه ويعينه على حمل كتبه وكرّاساته ثمّ كان ينتظره كامل اليوم في عزّ البرد وصقيع مكثر ليعيده إلى البيت بعد نهاية الدروس. وانتبه إليه مدير المدرسة, فأشفق عليه وأدخله مع التلاميذ إلى أحد الأقسام المتقدّمة، فإذا به يحفظ كلّ الدروس بسرعة غريبة, وكان يردّد الدرس بحذافره حين يطلب منه المعلّم ذلك...وأثار الأمر انتباه الجميع, فتولى أحد المدرسين تعليمه الحروف والأسس الأولى للحساب وما فاته من المعلومات الضرورية في مقرر القسم الأول والثاني.. فإذا به يلتهمها التهامًا. ويتفوّق في السنة نفسها على كلّ تلامذة الفصل المتقدّم عليه.
وكانت رحلة أسطورية بعد ذلك, انتهت بترجمته الفذة للبيان الشيوعي, بعد خروجه من لبنان سنة 1975. وبشهادة الجميع, من المتضلّعين في اللّغة العربيّة والفرنسيّة, لم يعرف العرب ترجمة قويّة ومتينة للبيان الشيوعي رغم كثرة الترجمات, أكثر متانة وروعة وسلاسة وجمال وأمانة أكثر ترجمة العفيف الأخضر المعتمدة إلى اليوم كمرجع وحيد وموثوق وأمين للبيان الشيوعي.
بعد ذلك, داهمه مرض غريب ونادر, عطّل حركة أصابعه, ومنعه من الكتابة بنفسه, وكذب عليه الشيخ اللّئيم راشد الغنوشي, حين نشر في كلّ الأوساط, بأنّ العفيف الاخضر هوّ مؤلف كتاب "المجهول في سيرة الرسول" الذي صدر بتوقيع مستعار هو "الدكتور المقريزي".
ومنذ سنة 2003, اعتزل الناس والكتابة, وابتعد عنه الأصدقاء لحّدته أحيانًا وصراحته التي لا يتحمّلها أنصاف وأربعاع الكتبة...إضافة للحملات المنظّمة الشرسة التي كان يشنّها عليه أتباع راشد الغنوشي لدفعه للجنون أو الإنتحار, وقد أختار أن يلبيّ لهم رغبتهم في التخلّص منه, فكتب أروع مقالاته ونشرها بالحوار المتمدن و. واختار التعجيل بتسجيل اسمه رسميًّا في شاهدة الخلود كأحد أروع الأساطير التونسيّة...
سيدّي وأستاذي الجليل.. العظيم الأسطورة: العفيف الأخضر.أقف إجلالاً وإكبارًا لقامتكم الشامخة. وأسجّل إنبهاري بروعة حياتك الأسطوريّة...سيّدي. أيّها المُعلّم الأكبر:
هذه يديي, وفيها أصابعي وقلمي, ولو طلبتها منيّ قبل أن تيأس منّا لكنت خصصتها حُبس لك وعليك.... ولكن مادمت اخترت... ومثلك يختار ويعزم ويفعل... فاسمح لي أن أبوس رأسك وأن أقف مرتبكًا لساعة أمام جلال رسمك وأسطورة اسمك.

هذا موقعه في الحوار المتمدن و هو أحد مؤسسيه ، به كامل مقالاته :
http://www.ahewar.org/m.asp?i=37








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعازي حارة
ملحد ( 2013 / 7 / 26 - 23:27 )
بكثير من الحزن والاسى ننعى رحيل المفكر التونسي الكبير الاخضر الابراهيمي. لقد كان الفقيد بمثابة الثائر على قوى الظلام والرجعية, قوى التخلف والارهاب. بالامس فقط تم اغتيال المناضل محمد البراهمي وقبله باشهر قليلة اغتيل ايضا المناضل شكري بلعيد كل ذلك على ايدي قوى الغدر والخيانة ,قوى الظلام والتخلف , وانا لها لغير ناسون.....

نعاهدك على اسقاط قوى الظلام والارهاب في القريب العاجل وان غدا لناظره قريب.

انا من الطبيعة وانا اليها لعائدون
صدق العلم العظيم


2 - كل ابن انثى وان طالت سلامته لا بد يوم على
مرتضى رضا ( 2013 / 7 / 26 - 23:50 )
ليته اعتبر من الحصب الذي اصابه بالعجز في يديه وتاب ودافع عن الاسلام الذي حار كل الفساد والظلم والطغيان واهلها.والعاقل من اتعض بغيره.والموت حق وقدر كل انسان مهما كان وسيقرء صحفه وما كتبت يده خيرا او شرا(كل نفس ذائقة الموت)وهنيئا لمن زحزح عن النار وادخل الجنة.


3 - مات ويقي عمله
عبد الله اغونان ( 2013 / 7 / 27 - 00:24 )
كان العفيف الأخضر شيوعيا متطرفا يحلم بمجتمع ستاليني
صدمه التاريخ فتحول الى ليبرالي هجين
ثم استقر أمره الى حين محاولته الانتحار ثم مماته على معاداة الاسلام
وتوفي على هذه الحال فأمره الى ربه لكن كتاباته ماتزال شاهدة على عقيدته ولايهم الرجل كشخص بل مايعتقده
ولله البقاء


4 - كفيت استاذ الناصر
سلوم السعدي ( 2013 / 7 / 27 - 09:13 )
تركت لنا ارث لا يمكن تقديره بثمن
كتبت احرفك بالذهب
فهي لا تصداء ابداً
نم قرير العين فأنت اديت رسالتك بشرف وامانه
لا تخف علينا من مكر الظلامين فأنت عبدت الكثير من الطريق الذي اخترناه
طريق الحريه وحق الانسان في العيش الكريم
افشيت الكثير من اسرار دهاليز الشر والاشرار
لك الذكر الطيب


5 - سلوم السعدي
الناصر لعماري ( 2013 / 7 / 27 - 17:42 )
شكر لك على مرورك
يمكن لك مراسلتي على البريد الخاص لكي نتواصل على الفيسبوك .

[email protected]

اخر الافلام

.. اشتباكات عنيفة واعتقال عدد من المتظاهرين المؤيدين لغزة قرب م


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين حاولوا اقتحام الـ-م




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق