الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاميون والديمقراطية في مفترق طرق

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2013 / 7 / 27
المجتمع المدني


بعيدًا عن الشماتة في الإخوان المسلمين فإن ما يحدث في مصر وتونس سيكلف العالم العربي ثمنًا باهظًا بعد أن حُرفت ثورات الربيع العربي عن مسارها الطبيعي، وخاصة في مصر بعد أن استدعي الجيش للعودة إلى المسرح السياسي بعد عام من انسحابه إلى ثكناته، تاركًا السياسة لمن "اختارهم" الشعب.
وما حدث في مصر منذ الإستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011، ما أسماه التيار الإسلامي بغزوة الصناديق، وما آلت إليه الأمور، لا يتماشى مع ما حلم به المصريون ومعهم منظرو الديمقراطية ودعاتها، من ولوج مصر عالم يتماشى مع قدرات شعبها ورغبته في عيش وحرية وكرامة وعدالة إجتماعية. مر عامان ونصف لم يجن منها شعب تعاني غالبيته البؤس والتردي سوى الخداع والدجل، ما حمله على امتهان الإستجداء. كان هذا الدجل والغش باسم الدين باستمطاء الديمقراطية وراء الأحداث المأساوية التي تشهدها البلاد.
إستدعاء الجيش وإدخاله ساحة الصراع السياسي يعد فشلاً ذريعًا للمجتمع المدني، والساسة والمنادين بالديمقراطية، فهذا إقحام له بعد انسحابه لمواصلة مهامه المنوط بها، وهي الدفاع عن حدود الوطن وتأمينها. هذا يعني أن مؤيدي الحداثة والعلمانية والتقدم عجزوا عن مواجهة سطوة الإسلاميين، واستئثارهم بالسلطة واستبدادهم، وتحولهم إلى جلادين بعد أن لعبوا دور الضحية في الماضي. ولهذا لجأوا إلى الجيش مخالفين أبسط قواعد الديمقراطية. ستثبت الأيام أن الجيش زُج به في أتون معركة لم تكن له، بعد فشل اللاعبين في المسرح السياسي، فلا الإخوان أجادوا لعبة السياسة ولا المعارضة استطاعت اكتساب شعبية قادرة على مواجهة الإسلامويين. إنه الفشل بعينه، ودون مواربة، الفشل في أول تجربة للممارسة الديمقراطية. ثمن هذا التخبط والفشل سيكون غاليًا، فمصائر الشعوب لا تُرسم بالدجل الديني والسفسطة والعجز عن التعبئة.
كان الشعب المصري مغيبًا عن المسرح السياسي حتى هب في 25 يناير 2011 ضد نظام أذله، ونهب ثرواته بينما يعيش حوالي نصفه تحت خط الفقر، بينما قاد البلاد رؤساء ثلاثة جاءوا من صلب القوات المسلحة، عبد الناصر والسادات ومبارك، وهم أول رؤساء مصريين منذ انتهت الأسر الفرعونية، أي منذ أكثر من ألفي عام. وكانت القوى المدنية والديمقراطية تحاول على استحياء جلب التجارب المدنية الغربية لحكم البلاد، وواتتها الفرصة دون أن تحتسب لكنها ضيعتها، بعد اختيار الشعب، المتدين بطبيعته، للتيار الديني لحكمه، لكنه انقلب عليه بعد اكتشاف أخطاء هذا التيار.
ما حدث ليس ضربًا من ضروب الديمقراطية، وسوف يعطل إعادة البلاد إلى المسار الذي هب الشعب من أجله في يناير وفبراير 2011. ورغم أن أخطاء الإسلاميين جمة وفادحة فلا يتحملون وحدهم حرف الثورة عن مسارها، فاللاعبون الآخرون يشاركونهم، وإن كان بدرجة أقل، مسؤولية هذا الإنحراف. لكن الإخوان المسلمين بآخر أخطائهم البشعة، عدم الرضوخ أمام مطالب تظاهرات 30 يونيو، حملوا البلاد على شفير هاوية واضطرابات قد تدوم عقودًا. وأمام استحالة عودة عقارب الساعة إلى الوراء عليهم أن يقبلوا بالواقع الجديد، فلا تزال أمامهم فرصة العمل السياسي في وضح النهار والفوز في الإنتخابات، خاصة وأن شريحة من الشعب لا بأس بها لا تزال تؤيدهم، ولا يزالون القوة السياسية الوحيدة المنظمة على الساحة. ومن يقرأ مؤشرات الساحة يدرك أن الساحة السياسية سيشغلها لسنوات قادمة طرفان: الإسلاميون وبقايا النظام السابق، أما القوى الأخرى فستطبق عليها فكرة أن لا بقاء لضعيف.
معلوم أن الشعب المصري أبدى تأييدًا لجيشه في الأحداث الأخيرة، وهي علاقة تضرب في التاريخ قدم هذا البلد. ويذكر الجميع كيف التف الشعب نفسه حول جيشه يضمد جراحه وجراح ناصر على إثر النكسة فكانت حرب الإستنزاف التي أبدى فيها استرداده لعافيته وثقته في الذات، ما أدى إلى نصر أكتوبر المجيد. إلا أن أدبيات الفترات السياسية الإنتقالية في تاريخ الشعوب تؤكد أن لا دور للجيش فيها. وأمامنا تجربة قريبة منا، تجربة الجزائر منذ عام 1991، وكلنا يعرف ما آلت إليه الأمور، من ناحية، وتجارب دول أخرى من بينها إسبانيا بعد وفاة الطاغية الطاغية فرانكو، البرتغال بعد ثورة القرنفل التي قام بها الجيش على الطاغية سلازار ثم رحل، وتجارب دول أوروبا الشرقية التي لم تقترب منها الجيوش كثيرًا. التجارب الناجحة واضحة: انسحاب الجيش بعد أن يؤدي دوره في استتباب الأمن. فهل سنسمح للجيش المصري بهامش البعد عن السياسة كما أعلنها قائده العام، الفريق السيسي، أم أننا سنزج به مجددًا في المعترك السياسي.
لهذا فمن المدهش، وسط نشوة إزالة الإخوان عن المسرح السياسي، أن يطالب البعض الجيش بالعودة إلى السياسة، وعقد مقارنات بين السيسي وعبد الناصر في طريقة الكلام والتصرفات. الجيش لديه مهام صعبة وجادة في الحفاظ على أمن البلاد على كافة حدود أرض الكنانة الواسعة، بدءًا بتنظيف سيناء من بؤر الإرهاب الذي يهدد أمن الدولة ومواطنيها. وأظن هذا هو ما عناه وزير الدفاع الفريق السيسي في خطابه منذ ثلاثة أيام عندما طلب من الشعب تفويض جيشه في القضاء على الإرهاب المحتمل، ولم يكن يفكر في الزج بالجيش في أتون حكم البلاد. ليس من الحصافة أن نغرر بقادة القوات المسلحة للولوج في دنيا السياسة مجددًا، فقد انسحبوا منها غير آسفين عليها في أغسطس 2012.
عودة الإخوان المسلمين إلى رشدهم، بعيدًا عن الكبر وكرامة كاذبة، سيوفر على البلاد الخوض في مسار لن نخرج منه أرض الكنانة قبل مرور عقود. لقد وضعوا البلد وأنفسهم في مفترق طرق، بعد أن أخذوا معول وءد ثورة 25 يناير 2011. إقرأوا تجارب شعوب أخرى في أميركا اللاتينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عندك حق د.خالد
محمد علاء ( 2013 / 7 / 27 - 22:36 )
أصبت كبد الحقيقة. فما يحدث هو التفاف على الثورة، تارة من الإخوان المسلمين باستيلائهم على ثورة 25 يناير 2011 وما يحدث الآن مجرد تعبيد الطريق أمام عودة رجال المال والأعمال في عهد مبارك إلى السلطة ومواصلة السيطرة على موارد مصر بينما يئن الشعب من الوجع النفسي والبؤس المادي.
أتفق معك تمامًا وأضيف إن ما أخشاه هو أن يُورط الجيش المصري في معركة ليست له، كان قد قبل أن ينسحب منها في صيف عام 2012، خاصة وأنه الجيش العربي الوحيد المتماسك في الشرق الأوسط. أرجو أن يأخذ من بيدهم السلطة هذا الأمر في الحسبان، فتمزيق الجيوش في صراعات داخلية أسهل من دكها في صراع خارجي.


2 - في انتظار ثورة الجياع بعد طول خداع !!!
خالد سالم ( 2013 / 7 / 28 - 09:33 )
سيعض أطراف البنان كل من تسبب في حرف ثورة 25 يناير عن مسارها الطبيعي طمعًا في مصالح ذاتية ضيقة، لا تصب في المصلحة العامة لوطن وشعب لا يستحقان ما حدث.
وسيواصل الدجل باسم الدين والوطنية طريقهما في خداع الشعب بينما الدول الإقليمية تنمو وتتعافى وكأننا الوحيدون الذين أنعم عليهم الله بدين سماوي ووطنية تمتد لسبعة آلاف سنة، وبكلاهما نلوك ألسنتنا زيفًا على مدار الساعة دون أن نعمل بالدين ولا نفيد مصر التي شاركنا في تقزيمها بأنفسنا على مدى العقود الأربعة الماضية.
لا تزال هناك قضية كبيرة عالقة في مسار الثورة وهي ثورة الجياع، فإذا واصلنا ضحكنا على أنفسنا ولم نطور البلد فلن تتأخير لتأتي على الأخضر واليابس.


3 - مقال جيد جدا
Dr Serour ( 2013 / 7 / 28 - 11:19 )
عزيزي الدكتور خالد:
مقال جيد جدا. الأخوان المسلمون في مصر يجب عليهم العودة إلى الرشد وإيقاف عمليات الترهيب للناس والعنف المرفوض وقبول الصلح قبل فوات الأوان. الناس الفقراء في مصر لا يستحقون الضحك عليهم بهذه الطريقة من جانب قادة الأخوان. هذه مجردة نصيحة لهم لأن اُنظر يا دكتور خالد اليوم في الأخبار تجد أنه تم أمس الهجوم على مكاتب الأخوان في ليبيا. وليس من الغريب أن تقرأ غداً عن الهجوم على مكاتبهم في الأردن وبعد غد في مكان آخر. العنف من جانب الأخوان يولد عنف مضاد له وكراهية. ولك أرق تحياتي.

اخر الافلام

.. -يونامي-...إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق بعد عقدين…


.. فضل عبد الغني لـ-الحرة-: لا يحقّ للبنان إعادة اللاجئين السور




.. South Korea must do more to support LGBTI rights and legalis


.. اعتقال سوري هاجم السفارة الإسرائيلية بزجاجة مولوتوف في بوخار




.. جدل في العراق عقب إعلان الأمم المتحدة إنهاء مهمة (يونامي) نه