الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبت والسادومازوشية المتأسلمة

حنان بن عريبية
كاتبة

2013 / 8 / 2
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



نجد في عزوف الشعوب العربية المسلمة عن الاعتراف بتخلفها عن موكب الحداثة̨-;---;-- هو استفحال للنرجسية المفرطة كوسيلة للرد على كل من ينعتها بذلك. علاوة على أن عدم التحرر من التراكمات التي نسجت خيوطا سميكة لدى العامة لا تسمح بالإقرار بمدى التأخر الذي تعيش فيه̨-;---;-- بل وترى أن أي مس بالمنظومة القائمة انتهاك لقداسة الدين و الحط منهم كشعوب محافظة. و العلة تكمن في أول إجابة تتلقاها ممن يصنفون أنفسهم محافظين بأن اتهامهم بالتخلف و الجهل لا يستقيم طالما أنهم لا يتشبهون بالغرب الكافر. كما لا يسعى الواحد منهم للخوض كثيرا في مسألة تخلفنا العلمي و الاقتصادي و الثقافي و الفني الخ.... بل يتم التركيز عادة على أنه يدافع على مبادئ إسلامه التي لا تعير تقدم الغرب أهمية بقدر ما تستنكر التحرر المفرط لديه و طريقة عيش شعوبه التي فيها الكثير من المجون و الفسق على حد تعبيره.
كما أن فكرة الجزاء الأخروي الذي يروج له دعاة الدين من جنة حور عين و نبيذ و ملذات... تجعله على اعتقاد جازم أن كل خطاب عقلاني يسعى لتحرره من هذه الجنان الحسية هو فكر جاهل بدينه أو عدو له. و لو أن العاقل بالدين يدرك جيدا أن النص القرآني عند وصفه للفردوس العظيم هو محاولة لتجييش المسلمين كما فيه طمأنة لشعوب أرهقها لفح شمس الصحراء بجنة خلد تجري من تحتها الأنهار و كأن الرسالة السماوية تسد فراغ شعورهم بالحرمان . لكن هذا الخطاب لا يقبله مجتمع تتوفر لديه الأنهار الجارية و الطبيعة المغرية و النساء الجميلات نظرا لأن الجزاء الحسي متوفر لديهم و هو ما لم يستوعبه المسلم عند طرح مسألة هل أن الجزاء الغيبي بالنعيم لا يتحقق إلا في تهميش أو إقصاء كل ما هو مادي بالدنيا و رفض كل تأويل لنص الديني الحافل بالرموز الجوهرية....
إن المتمعن في هذا التشبث بكل ما هو مادي محصلة للكبت المتولد و المتأصل الذي تشكو منه الشـعوب المسلمة يلاحظ تفشــي و استفحال السادو-مازوشية الدينية بحيث أن الذات التي تخال نفسها واعية تتنصل من الاعتراف بالكبت المطبق و عدم تحررها من العقد سواء المتوارثة بتجذر الخرافة أو المتعلقة بزرع منطق التحريم عند تربية أطفالهم سواء في ما يخص علاقاتهم بالجسد أو ضرورة عدم الصدام بقيم المجتمع. و بالتالي يدرج الكبت ضمن مواضيع التابو. و نادرا ما نجد من يحلل نوازعه الذاتية باللجوء إلى المستجدات العلمية الحديثة في علم النفس.
إضافة أن الرؤيا المهينة للجسد و تهميش اللذة هي ما تفسر الخطاب الديني الذي لا يخرج من إطار مادي متعلق بالمرأة و الشهوة و عقاب الذات. خطاب يجد رواجا عند فئتين الأولى لا تتقيد بحدود و تعيش حياة صاخبة و غير متزنة خلسة و تظهر بوجوه المحافظين و الثانية تعيش ببيئة منغلقة لا تقبل هذا الطرح حتى من باب التوعية بل و ترى في انفعالات الجسم الطبيعية خطيئة لا تغتفر و شعورا بالذنب يمس من قداسة الإيمان عندهم .
إلا أن ثقافة الألم و تعذيب الذات لا تقف فقط عند الخطاب الديني أو عدم الدراية بالثقافة الجنسية بل هناك استفحال مرضي أخر متوارث في نفس السياق أكثر خطورة و يستقطب الكثير من هواة الألم في اعتبار الحب تجربة مؤلمة إذ يزرع بلاشعور حتى قبل خوض هذه التجربة أنه عذاب مزمن و تترسخ هذه الرؤيا بما يتلقاه في الثقافة السائدة التي تجعل الحب أسيرا فقط للغرائز علاوة أن فكرة الحب كعقاب يجعله ممزقا بين جسد محروم و بين لذة مرادفة للخطيئة.و لو قام الفرد بإثراء حبه ليشمل دوافع أخرى نبيلة سيجد نفسه حرا بالعطاء المقترن بالحب.
إن التحرر و التقدم و الخروج من دائرة الألم المتشعبة في كل جزء من حياة الشعوب المسلمة لا يمكن تحقيقها طالما أن الفرد لم يتصالح مع نفسه ليتحرر من جميع العوائق النفسية و لم يع جسده كموضوع للدرس و البحث ليتعامل معه بعقلانية و حكمة و يهجر كل الموروث المؤلم و يطلق النوازع الداخلية المكبوتة و عدم الاكتراث بالمحبطين لقدراته و المنساقين في طريق السوداوية و تعذيب النفس أو تعذيب الطرف المقابل و ذلك بتحرير الإرادة الذاتية المسلوبة منها. إذا اجتمعت هذه الشروط فانه سيوفر على نفسه شوطا هاما في التقدم بشخصه ليكون واعيا أن الكبت و الألم و الخطيئة هي علامة فشل الشعوب العربية المسلمة في التحاقها بركب التطور العلمي و بقائها سجينة الجسد منذ عقود و عدم محاولتها التجرد من كل ما هو حسي .
زيادة أن الحب الواعي و العقلي ينعش الأمل و العطاء و يحقق مصالحة مع النفس و عن طريقه يمكن قبول الأخر مهما كانت عقيدته أو فكره أو لونه و الانفتاح عليه علاوة أنه يضمن تحرره أيضا من ثقافة الموت التي تؤسس للخرافات و الترهيب من الدنيا ليقبل على حياة لا يكون فيها اللسان ممنوعا للمرأة أو الرجل على حد السواء من الخوض في كل المسائل الحياتية حتى تلك المتعلقة بالحميمية دون استنفار و لا نفور بل نافذة حل ليتحدث دون اسر سجنه الديني في عقده و كبته إعلانا لتطلعه للشفاء. فهل نأمل يوما أن تتحطم سطوة الفكر الديني الغيبي التقليدي لننطلق نحو رحاب أوسع و الاعتداد بالفكر الإنساني أم أننا سنبقى خاضعين لهيمنة الكبت و السادومازوشية المتأسلمة ؟

بقلم حنان بن عريبية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظة
علقمة منتصر ( 2013 / 8 / 2 - 12:07 )
تحليل في الصميم. فقد بودي التوقف عند أول جملة في المقال أراها تحتاج إلى توضيح في قولك (نجد في عزوف الشعوب العربية المسلمة عن الاعتراف بتخلفها عن موكب الحداثة̨-;-) فالمسألة ليست مسألة عزوف إرادي، الحقيقة أن شعوبنا تعترف فعلا بأنها متخلفة عن ركب الحضارة، وقلما تجد شخصا لا يعترف بالتفوق الحضاري بل وحتى الإخلاقي لدى الغربيين مثل النظام واحترام الآخر وأداء الواجب، لكن المشكلة هي أن الناس عندنا لا يعرفون سبب هذا التخلف، وهم في هذا ينقسمون فرقا شتى: هناك من يرى أن السبب هو عدم تطبيق الإسلام، ولهذا يبلغ بهم الوهم حد القول بأن الغربيين لا تنقصهم إلا الشهادة حتى يدخلوا الجنة قبلنا!! لأن أخلاقهم هي أخلاق الإسلام. ألم يقل مصلح كبير: وجدت في الغرب الإسلام (أي أخلاق الإسلام) ولم أجد المسلمين، ووجدت في الشرق المسلمين ولم أجد الإسلام (أي خلو المسلمين من أخلاق الإسلام)، وهو موقف شائع يساهم في مزيد من التخدير والوهم في أخلاق مزعومة للإسلام تفضُل على غيرها.
وهناك من يرد ذلك إلى الحكام أو الاستعمار، والقليل فقط يحملون الهيمنة الدينية على حياة الناس وغياب الحريات المختلفة بوصفه أهم عامل للتخلف.
تحياتي


2 - VIVA
خلدون طارق ياسين ( 2013 / 8 / 21 - 12:14 )
الاخت حنان المحترمة
طبعا مقال راق كسابقاته ولاحقاته وفعلا انا معك في كثير مما طرحت وخاصة ما يصوره المتأسلمون عن الغرب وعن فساد الغرب وغيرها من الامور وتناسوا الاشياء الايجابية في الغرب .... هكذا نحن العرب اصبنا بالعور لذلك حلمنا بحور العين .. ان نظرة المتأسلمين الى المجتمع الغربي نظرة انتهازية لا تليق بالاسلام بالمرة فهم يأكلون ويشربون ويتمتعون بمباهج الحياة التي ابدعتها العقول الغربية ولكن عندما يتسورون منابر الخطب حتى ترى السب والشتم ينهال على الغرب وحضارته المادية !!!!
سيدتي الكريمة ان ما ابتلي به الاسلام للاسف النظرة الخاطئة للنعيم الاخروي على انه ملذات حسية نتيجة تفسير خاطئ لبعض النصوص القرانية ولكن الحقيقة هي عكس ذلك بالطبع فالنعيم الاخروي هو نعيم روحاني فقط شبه الله هذا النعيم ولذته باستخدام مقاربات حسية للانسان الا وهي لذة الجماع والطعام والشراب ولكن الحقيقة ان النعيم الروحي هو اساس النعيم الاخروي
صدقيني دفعتني مقالتك الى نظم مقال اخر بخصوص النعيم الاخروي والتصور الخاطئ له ان شاء الله ان كان لي في العمر بقية سيرى النور قريبا .


3 - VIVA
خلدون طارق ياسين ( 2013 / 8 / 21 - 12:15 )
ختي الكريمة ان فلسفة الاسلام في التعامل مع اللذات الحسية فلسفة متوازنة كي تلائم الطبيعة االبشرية وميولها فقد اقر الاسلام الاستمتاع بتلك الملذات ولكن وفق شروط هي الاعتدال وعدم الاسراف والمشروعية عكس المسيحية التي اعتبرت المعاشرة الجنسية ذنب وخطيئة وشر لا بد منه اما في الاسلام فالاستمتاع بالزوجة يثاب المرء عليه بل وامر الرسول به ارضاءا للميول الجنسية لدى الطرفين وامر النبي ان تؤتى النساء بكل رقة ورومانسية ولا تعامل كالبهائم في النكاح ..
ان فعل الاسلاميين اليوم وتعاملهم مع الملذات الحسية في الدنيا ليس منبعه الاسلام انما هو تركة المجتمعات البدوية التي نشأوا بها لذلك ترى النبي يأمر بملاطفة الزوجة ومداعبتها قبل معاشرتها لانه كان يعيش في ظل مجتمع قاسي ينظر الى المرأة كبهيمة تعاشر وتترك ولذلك ما اكتسب الاسلاميون اوامر الرسول وظلوا على غلاظة اجدادهم ونظرتهم القاسية للمرأة ...
اعدك سانظم مقالا بخصوص النعيم الاخروي سيكون هدية متواضعة اضعها بين يديك املا منك قبولها
تحياتي يا ايتها الاخت الكبيرة في كل شيء


4 - إلى الأستاذ خلدون طارق ياسين
نضال الربضي ( 2013 / 10 / 24 - 09:39 )
تحياتي سيدي الكريم

جملة -الاستمتاع بالزوجة- في حد ذاتها خالية من الإحترام.

العلاقة الجنسية فيها متعة حقيقية للطرفين و هذا هو الطبيعي إلا أن الدخول في العلاقة محملا ً بفكر -الاستمتاع بالزوجة- سواء ً كما ذكرت أنت بمداعبتها أو كما يفعل كثيرون بدون ذلك، هو في الحالتين قعل تقليدي ينسجم مع مقال كاتبتنا الكبيرة. و أجد أنه من المهين جدا ً استخدام تعبير -الاستمتاع بالزوجة- فهي ليست Playstation و لا طبق طعام و لا رحلة لمنتجع سياحي، لكن هي القلب.

في المسيحية سيدي الكريم نسمي فعل الحب الزوجي -المعرفة- فنقول -عرف فلان ٌ إمرأته- أو -عرفت فلانة رجلها- لأن هذا الوصف هو وصف تام لفعل الحب الزوجي الذي هو معرفة الآخر التامة، و السيد يعلمنا في الإنجيل -يصير الإثنان جسدا ً واحداً و ما جمعه الله لا يفرقه إنسان-

سيدي الكريم أنصحك أن تأخذ مصادر معلوماتك من المسيحية و ليس مما تسمعه عن المسيحية، فنحن نحارب الإباحية و لا نحارب الزواج الذي هو أقدس شئ عندنا. أما إذا كان تعليقك من باب الحديث عن الرهبنة فهذا موضوع مختلف تماما ً و لا علاقة له و غير مبني أبدا ً على تحقير الزواج.

تحياتي للكاتبة الكبيرة و لك.

اخر الافلام

.. -كفى!-.. مظاهرات في أستراليا تطالب بإنهاء العنف ضد المرأة ور


.. المحامية سيرين البعلبكي




.. مشاركة المرأة في القيادة ـ النساء في البلديات محور ورشة عمل


.. ورئيسة اللجنة العلمية بالاتحاد العام للأطباء البيطريين التون




.. أغنية المرأة العربية