الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لصوص الليل والنهار

مفيد بدر عبدالله

2013 / 8 / 3
المجتمع المدني


اعتدت في كل رمضان أن أهب مبلغا لمن اعتقد بأنه من المحتاجين ، وكانت وجهتي هذا العام إلى رجل مقعد يتنقل بكرسي متحرك يعمل في بيع الحلويات أمام أحدى المدارس ، وصلت كوخه المتهالك وعرضت عليه ما عندي فأبى أن يأخذ قائلا ( أعطها لمن يستحق ) وشكرني كثيرا ، غادرته ولم تغادرني الدهشة والذهول وبدأت تجول في مخيلتي الأفكار والصور بتسارع شديدا وصرت أقارن بين أصحاب الفضائل وأصحاب الرذائل ، فعدت بذاكرتي إلى ما قبل أعوام ، حينما كنت في طابور طويل للمراجعين أمام أحدى الدوائر الحكومية حينها لمحت احد المرتشين مرتبكا متلعثم الكلام ينظر يمينا وشمالا كالسارق ، يحاول جر ضحاياه لتقاضي ما يسميه بالإكراميات في دورة المياه او في غرفة مظلمة لجمع القمامة وكأنه حشرة أو جرذ من الجرذان التي غالبا ما تستوطن تلك الأماكن القذرة (فتأكد لي بانه عارف لقدر نفسه ) وقيل انه كان يضع المبالغ في حذائه خشية تعرضه للتفتيش ليأخذ السحت الحرام موضعه الصحيح ( في الحذاء ) فيكسبه رائحة نتنة . ما كان يزيد من غلياني وسخطي عليه انه من الميسورين وضحاياه من المعدمين والبائسين فيسرق في وضح النهار بعضا من قوت أبنائهم وفرحتهم ويرسم الظلام لمستقبلهم ، فاسمع من بعضهم عبارات عدم الرضا ودعاء عليه بان تكون دنانيرهم سما زعافا وينعتوه بأشنع الأوصاف بأصوات تصله أحيانا ولكن الجرذان لا تابه و ليس لديها ما تخسره فهي الحضيض , كم اتمنى اليوم وبعد اعوام ان يقف ولو للحظات امام المعاق ذي النفس الأبية عله يخجل ولكن هيهات فالجرذان والحشرات لا تعرف هذه المعاني ولا ترتقي لها وانحدرت لما هو أدنى فما أقبح من يجني أحدهم ثروته من جيوبنا دون خجل فلا يندى له جبين ولا تطرق استغاثات البائسين ابواب ضميره فكل ما يعنيه أن يكنز من السحت ويتسلق تاركا من خلفه الحفاة والجياع ويحيل مبالغ ألبستهم وطعامهم إلى مساكن وسيارات فخمة لتكون شاهدا على قذارته وبعده عن الله والضمير، المضحك أن بعض هؤلاء من مصلي الصف الأول ويجيدون التمثيل وجلجلة الكلام فيصفون ماضيهم كما يشاؤون ويتملقون لكبار المسؤولين في كل زمان ويلاصقونهم كالظل ( رغم أن الظل يكون أحيانا تحت الأقدام ولكنهم هم من يريدون ) ويتحدثون عن أتفه ما يفعلون بخطب حماسية وكأنهم قادة لأكبر وانجح الثورات وأعظمها، هؤلاء هم أعداؤنا الحقيقين ، فجعلوا بلادنا في المراتب المتقدمة للفساد في الإحصائيات العالمية ولم تفلح معهم كاميرات المراقبة ووسائل الرصد الأخرى التي لم تجد لها سندا اجتماعيا حقيقا يدعمها فأصبحت الإكراميات في بعض الدوائر الحكومية للأسف الشديد جزءا من ثقافة المجتمع لتزيد البائسين بؤسا والفقراء فقرا والتافهين غنى رغم صيحات المنابر ووعظ الواعظين . إن الأجهزة الرقابية لا معنى لها ما لم تجد سندا اجتماعيا يدعمها وينيرها ، وليكن كل منا النور الذي يعري أفعال هؤلاء الجرذان ولا تأخذنا فيهم رأفة ولا شفقة لأنهم هم من يجرونا إلى الوراء وينخرون جسد بلدنا الجريح وهم ويقتلون ويفجرون فالأخلاق لا تتجزأ وهم بعيدون عنها . أتذكر عبارات قرأتها وهي أن الآثام غالبا ما تذكر بعد وفاة الاشخاص والتي تصل حد اللعن والسب مثلما تذكر للنبلاء الفضائل قبل وبعد مماتهم ، وقد يكون هذا ما دعاني لئن أقف عند سلوك المعاق واتحدث عنه للملأ مثلما يتحدث آخرون عن افعاله الطيبة فهو لا يحتمل أن يرى دمعة طفل فقير ينظر لحلوياته التي يبيعها فيصيح به خذ بني فالمال ونحن ملك لخالقنا ، هل تعرف الجرذان هذا لتكف عن جني الملايين من الدنانير في الدنيا والآثام للآخرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة


.. مقتل عدنان البرش أحد أشهر أطباء غزة نتيجة التعذيب بسجون إسرا




.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟