الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاأدريون والإخوان ومستقبل الحركات

مجاهد عبدالمتعالي
كاتب وباحث

(Mujahid Abdulmotaaly)

2013 / 8 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدأت مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الرأي تظهر طبقة من اللاأدريين أصحاب عبارة (لا أدري عن أي تفاصيل في الصراع لكن لي موقف ضد كل الأطراف) هذه الطبقة من اللاأدريين نظنها جديدة لأول وهلة أفرزتها أحداث الربيع العربي خصوصاً بعد سقوط الإخوان المسلمين إذ تجعل المعركة بين الليبراليين والإخوان، معلنة سقوط المبادئ التقدمية التي يحملها الليبراليون الحقيقيون ـ بالمفهوم اليساري وليس الحكومي أو الامبريالي ـ وزيفها وسقوط الديمقراطية... الخ متجاهلين أن الإخوان المسلمون صنعوا المبرر الغير ديمقراطي لدخول خصمهم الحقيقي والموازي لهم (الجيش) عندما رفضوا الاستفتاء كحل ديمقراطي يجنب البلاد إغراء العسكر بدخول المعترك السياسي ــ فعلها الغنوشي للخروج من الأزمة في تونس إذ عرض الاستفتاء ـ طبعاً لا يريد اللاأدريون فهم هذا المخرج الديمقراطي الذي رده مرسي بكل صلف ــ مراهناً على أتباع يرون الموت في سبيله جهاداً ــ ليعودوا بتكراراتهم قافزين على عرض الاستفتاء إلى شرعية الصندوق كما لو كان الشعب غائباً لا يمكن استنطاقه من جديد عبر نفس الصندوق!! إذاً فإنسانية هذه الطبقة الجديدة المزعومة من اللاأدرية لا تنطلق من مبادئ حقيقية بقدر ما هم يتقاطعون في ذلك مع أحد شيوخ المصالحة المصرية عندما خاطب السيسي بقوله: "إن من هم في رابعة العدوية ليسوا كفاراً يمكن قتلهم"، مما يشي بفهم رجعي للترافع الإنساني إذ لو كان المتظاهرون مجموعة من الأقباط/الكفار فسيكون له قولٌ آخر، والمثير أن المشهد السوري وما فيه من شلالات دم (ما يزيد على مائة الف قتيل حسب المرصد السوري) لم تستجلب ملاحظة هؤلاء اللاأدريين بقدر ما جلبهم اقتراب العسكر من خيمة الإخوان.
أعود فأقول إن هذه الطبقة (اللاأدرية) التي تحاول أن تجد لها مكاناً في المشهد السياسي، ليست جديدة وهي تظهر في كل التحولات الاجتماعية الكبرى وقد تحدث عنها ليون تروتسكي بقوله: (إن لغة السياسة الوسطية ذات أساس سيكولوجي يكمن في التغلب على الشعور بالنقص عن طريق الاختباء وراء لحية نبي، ولعل الطريقة المفضلة لدى جاهل أخلاقي هي الخلط بين سلوك الرجعية والتقدمية، وذلك بالتبجح بحالة وسطية عن طريق التطابقات الشكلية بين المتناقضين، فإذا ما وجد فلاح جاهل أو صاحب دكان نفسه بين نارين، وهو لا يدرك أصل أو معنى الصراع بين المصالح والمغانم للتقدميين والرجعيين أو الليبرال والمحافظين، على اختلاف طبقاتهم، فسينظر للمعسكرين المتخاصمين بكراهية متساوية، وطبعاً سيكون سادة الوسطية وقادتها هم أخلاقيو الوسط، إنهم في الحقيقة (أيديولوجيو الطبقات الوسطى الذين سقطوا، أو الذين هم فريسة للخوف من الوقوع بين نارين) والصفات التي تميز هذا الطراز من أهل الوسطية هو الانعزال عن الحركات التاريخية الكبرى، اعتماداً على أخلاقهم الوسطية، التي تنتج عقلية شديدة البدائية، فهؤلاء الأخلاقيون الوسطيون يأملون أكثر من أي شئ آخر أن يتركهم التاريخ بسلام مع كتبهم ومدوناتهم ومنتدياتهم ونشراتهم وحسهم المشترك ودفاترهم الأخلاقية، إلا أن التاريخ لا يتركهم بسلام فهو يصفعهم تارة من اليسار وطوراً من اليمين) بتصرف نقلا عن ليون تروتسكي أخلاقهم وأخلاقنا.
الخصومة المخيفة فعلا ـ فيما لو لم يتدخل الجيش ـ هي بين أطروحات تقدمية لا تملك ميليشيات على الأرض بقدر ما تملك جماهير ناشئة ومتعلمة كاستثناء من الواقع العربي الأمي، وبين أطروحات رجعية تراهن على ذات الرجعية في الاقتراب من مجموع الجماهير الأمية ومعها سندها على الأرض ميليشيات إسلامية تكتسح تقريباً شمال الجزيرة العربية في العراق مروراً ببلاد الشام (سوريا لبنان) وفلسطين وصولاً لمعظم الشمال الأفريقي من سيناء إلى ليبيا وتونس إلى موريتانيا ثم باتجاه الجنوب الغربي وصولا إلى وسط الغرب الأفريقي ممثلاً في بوكو حرام النيجيرية، ودخول العسكر إلى المشهد هو إفراز طبيعي جداً للواقع بعيداً عن مثاليات لا يمكن أن تسير على الأرض ونحن نشاهد أساليبهم في فوضى الحرب عبر إعلان الدولة الإسلامية في الشام ثم تأتي المضحكة التي تعري واقع الخلافة في كوميديا سوداء إذ يعلن أحد الفروع الجهادية في الشام انشقاقه على الفرع الجهادي الآخر في العراق ويعلن دولة خلافته الإسلامية الخاصة.. وهكذا!!، فإن عاشوا على السطح في نظام الدولة، لم يستطيعوا الاندماج فيها بل اقتاتوا بفقههم التكفيري عبر اغتيالات رموز التقدمية وشهداء الحرية الحقيقيين كبلعيد والبراهمي في تونس مثلاً، وهو فن يتقنه الإسلاميون منذ اغتيال السادات ـ ما دام بعضهم ينكر حادثة المنشية ـ إذاً الصراع الأيديولوجي بين طرفين أحدهما يملك السلاح والآخر أعزل منه، والجيش بطبيعة تكوينه العلماني (يرى مثلاً المسيحي شفيق سدراك شهيدا يستحق وسام نجمة سيناء كبقية أبطال مصر) بينما الرجعية ستعيش إفرازاتها التي لو استمرت في الحكم كسلطة معترف بها دولياً فسنرى تدويلاً للأزمة يعيد لنا سوداناً أخرى... وهذا ليس تبريراً لاستبداد الجيش الذي لا يستطيع أن يعود بالمصريين للوراء بكل أطيافها التقدمية والرجعية، فحتى الرجعية ستعيد حساباتها القادمة كما أعاد الغنوشي حساباته من جديد، وسيعيدها أكثر.
سيعود الجيش إلى موقعه رغماً عنه، ولن يستطيع المغامرة، للإمساك بزمام الحكم بالطريقة التقليدية، ولكن سيبقى له أثر من وراء الكواليس، ما دامت الديمقراطية العميقة لم تتغلغل في الوجدان الجماهيري، وليس هناك إلا لاعبين بقشورها لتحقيق مكتسبات غير ديمقراطية(ما زال خطاب الإخوان الجماهيري حتى هذه اللحظة لا يستمد معطياته من مفاهيم المواطنة والديمقراطية بقدر ما يستمدها من خطب الجمعة التعبوية لدولة الإسلامتوبيا) علماً بأن معايير الاعتراف الدولية القديمة بحق الشعوب في التحرر من الاستعمار وتقرير المصير سمحت للعسكريتاريا بالظهور، لكن العالم اختلف منذ سقوط المعسكر الشرقي فمفاهيم السيادة الكلاسيكية مع هذا السقوط وظهور العولمة تشير إلى أن العسكريتاريا والملكيَّات متجهه للانقراض وليس للزيادة، ما لم تستطع التكيف مع هذا الوجود الجديد الذي جعل المواطن العادي يطلع على ما كان قبل عشرين عام يعتبر من أسرار الاستخبارات للدول العظمى.
بقي سؤال: هل يمكن القضاء على الإخوان؟ كلنا يعلم أن الإخوان والسلفية والجهادية نوع إسلاموي واحد، الاختلاف فقط في الدرجة وليس في النوع، فعلاقة الاخوان المسلمون بالسلفية والجهادية/الإرهابية تعيد لنا رهانات ياسر عرفات مع شباب الانتفاضة الفلسطينية التي كانت فقط لصناعة مستوى أفضل للتفاوض في النزاع السياسي مع إسرائيل وليس لتحرير فلسطين، ولو كان على حساب الشباب... (ولهذا مبحثه الخاص من حيث المبررات)، ولكن في مصر هل يبقى كل ما عدا الإخوان هو إسرائيلي وعميل لأمريكا، وهل ما زالت دماء الأتباع ليست إلا لرفع مستوى التفاوض لصالح القيادة الاخوانية في ميدان السياسة!!.
أعود للسؤال: هل يمكن القضاء على الإخوان؟ طبعاً لا.. وحل سفك الدم غير مقبول نهائياً إلا من السفلة والأوغاد، والسيسي أقل من قامة عبدالناصر، ولا يكرر الخطأ إلا أبله، ورغم كل ذلك لم يستطع عبدالناصر إنهاء الحركة لوجود حاضنة رجعية آنذاك، والحاضنة موجودة الآن بشكل آخر وفي مكان آخر عبر (تركيا) مع إستعداد إيران أيضاً لممارسة هذا الدور.
لكن يمكن تركيع حركة الإخوان المسلمين الدولية بنفس الطريقة التي تحالفت فيها الرجعية العربية مع الإخوان أنفسهم في تركيع اليساريين العرب وحركاتهم الفدائية في الخمسينات والستينات، وإنجاب بديل ليبرالي يستدمج اليسار بداخله ويهذب غلواءه وطموحاته الأممية آنذاك، لتصبح كوادر اليسار العربي الآن من قادة مراكز حقوق الإنسان في الوطن العربي.
وهذا ما سيتم مع الحركات الإسلاموية الأصولية، إن التفت التقدميون لإبراز الإسلام الحضاري كبديل روحي للجماهير وخصوصاً طبقة اللاأدريون كي يدروا إسلامهم القادم حسب رموزه الأوائل في جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده أو ما يسمى (الإسلام الأصيل بدلاً عن الإسلام الأصولي) حسب أطروحات ممثليه الحاليين كجمال البنا رحمه الله وأحمد القبانجي وحسن فرحان المالكي وعدنان إبراهيم من المشارقة وأمثالهم من المغاربة ممن يحملون فقه الدين وروح العصر بمضامين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي اشترعتها أمم الأرض، مع قبولهم للنقد دون خنجر التكفير، فلا يوجد في بناءهم العقائدي تزييفات الصراع السياسي المستبد عبر التاريخ الإسلامي بالتصفية العقائدية للآخر ـ جماعة أو فرد ـ عبر استقراءات غير عصرية ولا إنسانية للنصوص الدينية تعيش حالة عداء مع كل (آخر) إما علناً وبشكل مباشر كما تفعل الجهادية دائماً والسلفية أحياناً في الجزيرة العربية أو استبطاناً إيمانا بالتدرج كما تفعل حركة الإخوان المسلمين عبر منظريها الناعمين في كل مكان بقفاز من حرير على يد من حديد.
إذاً فلا خوف على الدين الإسلامي كدين... لكن من حق الكهنة في أي دين أن يخافوا على مكتسباتهم ومغانمهم من دعاواهم في صيانة المعبد وحراسة الفضيلة, ويبقى الأمل معقوداً في الإنسان مجرداً ــ بغض النظر عن كل هوياته/ملابسه ــ وجدليته مع الواقع، حيناً بالكلمة وحيناً بالدم، والرهان في ذلك حقوق طرفين... من يطرح مشروعاً أفضل لحقوقهما في الحرية والكرامة والعدل مع صيانتهما وحمايتهما بالقانون لا بالشعارات يصل لنموذج الإنسان الأعلى والطرفان هما (الأقليات بكل أنواعها والنساء).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج