الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوة أولى على مسار النهضة العربية الإسلامية!

أحمد سعيد قاضي

2013 / 8 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الشك المنهجي(الذي يهدف للبناء، ويستخدم كأداة للحصول على المعرفة اليقينية، وعند الانتهاء من مهمته يتم الاستغناء عنه)-وليس الشك المذهبي( الشك الذي هو شك لذاته، وهدفه النهائي هو الشك، وتوجهه الإسقاط والهدم فقط)- كما يتلو علينا التاريخ، ويرشدنا العقل، وترينا التجربة هو أحد أهم أسس الحضارة، والانتقال من العصور الظلامية المتوحشة إلى العصور المتنورة المتحررة من الأفكار البالية الرثة، والأفكار التي عفا عنها الزمان، والخزعبلات المغروسة والموطدة في عقول البشر.
الشك واليقين، شغلت مهمة البحث عن اليقين الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في محاولة للصول إلى أرض صلبة من اليقين وبالتالي الانطلاق منها في بناء صرح معرفي يقيني. وكانت أوروبا وقتها قد وقعت في مستنقع الشكوك بكل ما هو موجود من معرفة بسبب عدة أسباب والتي من بينها، سقوط بيزنطا وفشلها في الدفاع عن الأوروبيين مما أدى إلى شك الأوروبيين بالدين وقدرة الرب على حمايتهم. علاوة على ذلك، بداية الاكتشافات الجغرافية والترحال الذي أدى بالأوروبيين إلى الاحتكاك بالحضارات الشرقية مثل الحضارة الصينية، والإسلامية، وما وجدوه من فلسفة كونفوشيوس في الصين، والفلسفة الإسلامية في بلاد المسلمين، والتي كان يعيش أصحاب على أساسها شعوب بأكملها، وهذا بدوره أدى بهم إلى الشك بكل المعارف والفلسفة الأرسطوطاليسية المتبعة عندهم، لأنهم وجدوا حضارات قديمة تعيش على فلسفات ومعارف غير التي يقوم على أساسها الأوروبيون وبالتالي أدركوا أن هنالك مساحة لأن تكون هذه الفلسفات والثقافات أفضل مما عندهم. وساهم ظهور الحركة الإنسية ودعوتها لمركزية الإنسان ومناداتها بالواقعية بدلاً من أحلام "الجنة" وما بعد الموت والميتافيزيقا والمثالية، في تكثيف الشكوك حول المعتقدات القديمة.
المستخلص هو أن الثقافة الأوروبية والعقل(رغم وجود سلبيات، إلا أنها، أي الحضارة الأوروبية بشكل عام متفوقة إلى درجة كبيرة عن باقي الحضارات) الأوروبي لم ينموا ويرتفعا عن غيرهما من الأمم إلا بعد الشك في كل ما يملكان من محتوى، ومن ثم النقد العلمي لهذا اللب، والخطوة الأخيرة هي إقامة أسس علمية متينة وقواعد صلبة لاستخراج المعرفة بحيث لا تدع مجالاً للأوهام والخرافات المدمرة، والأوهام الطوباوية.
ولنعد للفيلسوف ديكارت، وطرح أنثولته "سلة التفاح" التي هي أساس ما أريد إيصاله، فقد شبه رينيه ديكارت العقل بسلة التفاح التي تحوي تفاحاً فاسداً ملوثاً، غير صالح للأكل، وهناك تفاحاً صالحاً للاستعمال والأكل، ولكما تقدم الزمن وبقي الاختلاط بين التفاح الفاسد والصالح، سوف ينتقل المرض، والعدوى من التفاح الفاسد إلى التفاح الصالح وبالتالي تلوث كل التفاح. لذلك يطرح ديكارت الحل الأنجع لبناء سد منيع أمام انتقال مرض التلوث من التفاح الفاسد غلى التفاح الصالح للاستعمال، وثانياً، للحفاظ على التفاح الصالح للاستعمال فقط وهو الجزء الذي يحمل الإفادة.
فقال ديكارت بأنه يجب علينا في هذه الحالة طرح ما في سلة التفاح بالكامل، وإفراغ محتوياتها، ومن ثم حمل كل تفاحة على حدة، وفحصها وتمحيصها بشكل دقيق للتأكد من خلوها من الإصابة، وبعد إذا ما تم التأكد من خلوها من الأمراض، تتم إعادتها إلى السلة، وأما إذا ثبت إصابتها يجب عدم إعادتها إلى السلة، وعلى هذا الحال يتم إعادة التفاح الصالح للهضم والخالي من أي علة، والتخلص من التفاح المصاب المضر.
وهكذا هي الأفكار والعقل؛ فالعقل بوصفه أداة إنتاج وحمل الثقافة والفكر، وليس بوصفه الفكر نفسه، هو الخازن والحافظ للأيديولوجيا أو الفكر، أي هو سلة التفاح، والفكر نفسه هو التفاح والذي بدوره، ينقسم إلى قسمين: أولاً، الأفكار الغير ملوثه أي اليقينية، وهي التفاح الصالح للاستعمال، والتي يمكن بناء صرح علمي وثقافي، وحضارة إنسانية على أسسها. وهذه الأفكار اليقينية، والتي بحكم تراكم التاريخ والتراث المعرفي، داخلها وتمازج معها الكثير من الأفكار الوهمية والخيالية السلبية والغير واقعية، وهي التفاح الملوث الواجب التخلص منه لكي لا تعدي ما تبقى من أفكار صالحة للاستهلاك، ولكي نلقي بها جانباً لأن دورها لن يكون إلا هداماً، غير بناءٍ في الحضارة المعاصر.
وعلى هذا الأساس العقلي المتين، في حال إتباعه، يستطيع العرب التخلص من جملة من العادات والتقاليد السلبية السالبة لما يملكه من بقايا الحضارة، وتخلصه من سلطة العواطف والمشاعر التي سلبت العقل قدرته وعمله. فالحضارة العربية الإسلامية اليوم تحتضر، تلتق آخر أنفاسها، وكلما غرقت قدماها في مقبرة الحضارات، صرخت مستنجدة بالأفكار المتصلبة، المدفونة أصلاً تحت هذه المقبرة، بالأفكار التي هي بثقلها وحملها الزائد بكل سلبياته سبب هذا الغرق في طوفان التخلف وما تبعه من غرق وهبوط تحت الأرض، لكن هيهات أن تتعلم!
إذا أراد العرب والمسلمون النهوض واللحاق بركب الحضارة، يجب عليهم أولاً، وقبل كل شيء، رفع القداسة عن كل الأفكار، ووضع كل ما هو دوجما، في ثقافتهم العربية والإسلامية، على نصل الشك المنهجي الذي بدوره يحدد ما يجب أن يبقى من الأفكار، وما يجب أن يرمى ويحرق من الأفكار البالية.
فإذا وصل العرب والمسلمون إلى هذه الخطوة المتقدمة عملياً، ونظرياً، خاصة في الفكر الإسلامي المتمسك بالنقل، لا بالعقل، فيكونون قد فتحوا أبواباً عظيمة تصب عليهم من نهر الحضارة، ويكونون قد انفتحوا على العالم المعاصر مع الحفاظ على الجوهر.
وهذا ما يقوله القرآن الكريم، في أكبر دليل على دعوة الله تعالى لاستخدام العقل والتمحيص والفحص: " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 44]".
" أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم : 8]".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس