الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصار الثقافة .

حامد حمودي عباس

2013 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد لمن يمتلك وعيا في بلادنا ، الا ان يقتني أقنعة عدة ، ليضع واحدا منها يخفي ملامح شخصيته ، وآخر يلغي مساحة من وعيه ، وثالث يظهره وكأنه غير مدرك تماما لما يجري من حوله .. فيبدو وهو بتلك الاقنعة الثلاث ، آمنا مطمئنا ، لا يهمه أكثر من أن تنعم عليه الحكومة بمكرمة تزيد راتبه ، ليبدو مترفا ، عندما يضم لمائدته سلسلة من التين المجفف أو علبة من الزيتون الاسود المستورد ..
الواعي في بلادنا ، لا يخيف أحد ، ولا يهابه أحد ، ولا يهرب من أمامه حتى صرصور دورات المياه .. إنه مخبول كأولئك الذين يجوبون الازقة بأسمالهم ، لا تتوقف لمرورهم السيارات العابرة عند تقاطعات الطرق .. وإن بالغ أحدهم في الاستهتار بإقحام نفسه وافكاره قسرا ليسبح في مياه المحيط ، فسوف تنهشه الحيتان ، ولا تبقي منه الا يافطة سوداء تنعى استشهاده قد تعلق في حارة تأكلها الجرذان ، وتسود ها حركة المياه الثقيلة الطافحة فوق البيوت .
ربوعنا عامرة بكل انواع الخضروات ، والفواكه ، وجميع سلالات البطيخ وأجيال الطماطم المحملة بفيتاميات تدخلت في توفيرها مختبرات الدول المصدرة ، لتنعم علينا بفوائد تذهب عنا فقر الدم .. ولدينا شتى أنواع الادوية الفاقدة الصلاحية ، والتي تكرمت علينا بها الهند والباكستان وماليزيا ، ولا استبعد أن تدخل علينا المحروسة افغانستان حين يستقر الامر بها الى بر الامان ، لتمنحنا بركاتها في توفير أزياء الحجاب للمرأة المسلمة ، الى جانب سخائها في تسهيل مهمة خلود شبابنا للنوم ، تحت تأثير زهرة الأفيون ..
كل شيء عامر في بلادنا ، وكل شيء مباح عملا بمبادئ الحرية .. والديمقراطية .. وبتطبيق حرفي لمواد الدستور .. ولكننا ليس لنا أن ندعي بامتلاك ناصية القول بما لا يقول به فقهاؤنا الآتون من سلالات الشرف العربي الأصيل .. فالتاريخ ليس فيه متسع من الوقت لكي ينهض من كبوته ويستمع الى ترهات اسمها الثقافة ، والجماهير لا تمتلك أن تقف ولو للحظات كي يشغلها واحد من اولئك المساطيل ، ممن يدعون بأن التمدن يقضي بحرمة تزويج القاصر من البنات ، أو ضرورة أن يحرم تكبيل أجساد الاطفال منهن بحجاب فرض على الكبار .. الجماهير في بلادنا لا يرضيها أن يقف في طريقها ( مثقف )برؤى تختلف عن رؤى الاسلاف الأماجد ، وهي إن تجرأ أحد وبسط أمامه غير الذي تملكه من معتقدات جاهزة ، وسهلة على الهضم ، فسوف تمد له لسانها مع ( عفطة ) ترده الى مقاديره .
كم يثير في نفسي السخرية حينما أسمع بهرج ينطلق من محفل مثقف ، طربا لخبر افتتاح بيت للثقافة في تلك المدينة العربية أو هذه .. وأنا على يقين بأن ذلك البيت سيخبو نوره منذ اللحظات الاولى عندما تغزوه منابر الوعظ المعروفة بشهوتها للخطابة .. وكم تبكيني هيئة أبواب تلك البيوت ، وهي مطلية بغبار النسيان ، يهجرها حتى حراسها لعدم توفر معاشات حراستهم ، فتبعدهم عنها عوالم الشعور بوحشة المكان .
أية ثقافة هذه التي أضحت محركاتها بلا وقود ، وغابت من حولها مصادر الديمومة وصور الحياة المتجددة ؟ .. فلا مسرح ولا سينما ولا غناء ولا رياضة ولا موسيقى ، ولا تحفها عطاءات المبدعين في مجالات الشعر والادب الخلاق ؟ .. أية صهوة يمكن للمثقف في بلادنا أن يركبها غير تلك التي ترحل به صوب سوح المعارك الغابرة ، ولتجعله نهبا لصفحات تاريخ مزيف ؟ ..
في رابعة العدوية ، دخلت مدينة القاهرة كهوفا مظلمة كتلك التي يستهويها الاطفال في رياضهم ، وهم يواجهون خلال رحلتهم صور الرعب المصطنعة .. وتقيأت جحافل المتجمهرين هناك سيولا من الوسخ الآدمي ، تاركة واحة من القاذورات البدنية والعقلية ، لتجعلها تهديدا لمن يعترض على دستور الاخوان المسلمين ، القاضي بحرمة الفرح والابتسام والقول بغير قول الله حتى ولو في السر .. في رابعة العدوية والنهضة المصريتين ، هزمت الحضارة والمدنية وحقوق الانسان ، أمام غزوات الروبوتات البشرية المتحركة هناك ، وهي تقطع المياه وخطوط الكهرباء عن العمارات المحيطة بالحي المجاور ، ومن لا يعجبه ويتفوه بغير مرضاة الله ورسوله ، فمصيره القتل تعزيرا حتى ولو بسواطير تقطيع اللحوم ..
والقاهرة إن حوصرت فيها الثقافة بعد ان حوصرت في العراق ، فليس من مدع بها في أي مكان من ربوع ارض العرب .
رحم الله الثقافة العربية .. ولها منا الذكر الطيب .

حامد حمودي عباس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا