الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طقوس العيد في مدينتي.. ذكريات الطفولة

علي وتوت

2013 / 8 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


دعوني أقول إن ما يعنيه العيد لطفلٍ في الخامسة أو السادسة، يختلف عما يعنيه لرجل ناضج في الأربعين أو الخمسين من عمره، فللزمن أحكامه، كما يقال.
اعتاد أبناء مدينتي على استقبال عيد الفطر بعادات وطقوس متوارثة، لا تختلف عن عادات وطقوس العراقيين في بلادنا الطيبة، إلا أن أغلب هذه العادات لم تعد موجودة، إذ لامسها التغير، فكان أن تغير شكل العيد وإحساسنا بما يعنيه من فرحة.
طقوس العيد
يبدأ التحضير لعيد الفطر قبل بضعة أيام من قدومه بطهي (الكليجة) التي تشكل ربما أول الطقوس الاجتماعية للعيد. لكن العيد هو توقيت ديني مقدس، ولذا فإن أول الطقوس الدينية هو أن يقوم أرباب الأسر بتوزيع صدقة (الفطـــرة) التي توزّع على الفقراء اما نقوداً او طعاماً، ويخرجها الصائم عن كل فرد من افراد العائلة.
في اليوم الاخير من شهر رمضان يقف معظم الصائمون فوق سطوح المنازل وفي الساحات المكشوفة الأفق، لمراقبة هلال شوال وعند رؤيته يودعون رمضان قائلين (الوداع يا شهر رمضان.. يا شهر الطاعة والغفران). لكن وحتى مع رؤيتهم للهلال فإن بضعة أفراد يتسحرون في ليلة العيد بما يدعى -ربما حزناً على رحيل رمضان- بسحور (اليتيمة) حيث يتناول الصائمون ليلة العيد اكلاً خفيفاً قبل النوم.
صلاة العيد وزيارة القبور
أما ثاني الطقوس الدينية فهو صلاة العيد ... إذ يتوجه الرجال مبكرين إلى الجوامع مصطحبين معهم اولادهم لأداء صلاة العيد... فالعيد في العراق يبدأ بعد صلاة العيد، التي يلتقي فيها أبناء المحلة أو المدينة الواحدة ليتعايدوا بينهم.
لكن الكثير من العوائل، وكبار السن فيها بخاصة يفضلون زيارة مقابر أهاليهم وأقاربهم، وقراءة القرآن واشعال الشموع والبخور، وهذه من التقاليد التي حرص العراقيون على ممارستها.
ويعدّ العيد فرصة رائعة للمصالحة بين المتخاصمين وتنقية النفوس بين المتخاصمين والإصلاح فيما بينهم، فيحاول أهل الخير (من وجهاء وسادة وأشراف) جاهدين لإصلاح ذات البين بين المتخاصمين من ابناء المنطقة. وكانت قضايا الصلح تؤجل إلى مثل هذه المناسبة.
ويمكن معرفة المتخاصمين عند التجول بين الجيران لمعايدتهم فما أن يعرف ان صاحب هذه الدار له خلاف مع جاره فلا يمكن تجاوزه، دون الدخول الى داره وتناول الطعام والشراب فيها ولا نخرج من داره إلا بعد مصالحته مع خصمه.
طعام العيد مرةً أخرى
لكن للطعام سحره الذي لا يضاهى في اليوم الأول للعيد... إذ سيظل معلماً مهماً من طقوس العيد الاجتماعية تناول وجبات بعينها صباح يوم العيد، أتذكر أن جدتي رحمها الله كانت تطبخ قدراً من البحت (الرز المحلى بالحليب والمدمس بالدهن الحر) في فجر يوم الفطر، لتوزعه على بيوت الجيران، غير أن طبق (القيمر) أو القشطة العراقية مع المربى أو العسل، والكاهي هو طبق الإفطار لدى معظم العوائل في مدينتنا الصغيرة. أما الغداء فلاشك أنه يتمحور حول أكلات بعينها مثل مرقة الطرشانة (المشمش المجفف)، والفاصولياء اليابسة أو البامية، هذا فضلاً عن الدجاج واللحم والسمك، إلى جانب الرز الذي يزيّن بالكشمش واللوز والشعرية.
الملابس الجديدة والعيدية
في يوم (أم الحلس) اليوم الأخير قبل العيد تبدأ الأمهات بتحضير الأطفال بالغسل وتجهيزهم بالملابس الجديدة، وبعد تأمين الملابس للأطفال، يأتي دور المزين (الحلاق). إذ يرسل الأطفال الذكور (الأولاد) مع آبائهم إلى دكان الحلاقة، فالحلاقة كانت جزءاً من الاستعداد لإظهار الأولاد في العيد بالمظهر اللائق.
وبالنسبة للاطفال فأن هذا هو اليوم الذي ينتظرونه بفارغ الصبر، فينهض الصغار مبكّرين وتساعدهم امهاتهم على ارتداء ملابسهم الجديدة التي كانوا قد وضعوها قريباً منهم، أو تحت مخداتهم.
اما النساء، والميسورات بخاصة، فكن يجدن في العيد متعة شراء ملابس العيد، ذلك أن لها طعماً خاصاً، سواءً كانت للأطفال أو للفتيات والنساء، وتشهد أسواق القماش زحاماً شديداً لشراء ملابس العيد. تتوجه بعد ذلك النسوة الى خياطة المحلة لتتفق معها على نوع الفستان وموعد الانتهاء من خياطته، فالخياطة والتفصيل كانت سائدة بفعل ندرة الملابس الجاهزة آنذاك.
وربما تكون العيدية أكثر ما يتذكره المرء من العيد، بل هي أهم شيء بالنسبة للأطفال في العيد، فالكبار من افراد الاسرة الواحدة الكبيرة كالأب أو الأم أو العم أو الخال أو الجدّ يمنحون المبالغ النقدية البسيطة والهدايا للصغار، وتكون هذه العيديات سبباً في سرور الأطفال وفرحهم، وهم يتباهون في جمعها أمام الآخرين من أصدقائهم، وليشتروا بها ما لذّ وطاب من الحلوى والمأكولات وشراء الألعاب الأخرى، وبعد ان يذهب الكبار لزيارة الجيران والأصدقاء يتخلف الكثير من الصغار بعد ان امتلأت جيوبهم بالنقود، الى اللعب واللهو وخاصة لركوب المراجيح ودواليب الهواء والدراجات والحيوانات او العربات التي تجرها تلك الحيوانات. وتختلف قيمة العيدية حسب السن، وكثيرًا ما ينال الصغار عيديات من الأبوين والجدين والأعمام والعمات والأخوال والخالات، ويُعتاد أن توزع العيديات بأوراق مالية جديدة زاهية. وقد كانت العيدية أيام زمان زهيدة للغاية، ولكنها كانت تمثل الكثير بالنسبة للأطفال.
النزهات
في حين يذهب الأطفال لوحدهم أو برفقة من هم أكبر سنّاً الى أماكن وساحات الألعاب ومحلات اللهو، فيقومون بصرف كل ما منحهم اهلهم من عيديات في امتطاء الحمير، وركوب بالمراجيح ودولاب الهواء الخشبي والزحليكة والفرارات وغيرها، وفي شراء الاكل من تلك الاماكن مثل لفة البيض او الكبة او السميط وغير ذلك من الاكلات التي كانت تباع هناك. وقد يتم التقاط صورة للأطفال هناك تبقى شاهداً على تلك الأيام.
فيكا كان الشباب يقصدون دور السينما في العادة، وقد كانت هذه الأخيرة تروج لمجموعة الأفلام المرحة في العيد مثل افلام روبن هود او طرزان، مثلما كان الشباب يقصدون الحدائق وكورنيش النهر، وساحة الاحتفال الوحيدة المتوافرة في المدينة.
تلك كانت جولة سريعة على عادات وطقوس عيد الفطر الجميلة... فكل عام وأنتم بألف خير.. أعاده الله عليكم باليُمن والبركة.. وعلى وطننا العراق بالأمن والأمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا