الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المفاهيم الخاصة بالمرأة فى وسائط الإعلام
أماني فؤاد
2013 / 8 / 11حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في ميزان النقد
المفاهيم الخاصة بالمرأة فى وسائط الإعلام
د. أمانى فؤاد
اشتركتُ فى أحد المؤتمرات العلمية التى تناقش معوقات التحول والتحديث فى المجتمعات العربية، وقدمت ورقة عن المعوقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تحوُل وهذا التطوير، وتكشَّفت أهم التوصيات التى أقرتها هذه الدراسة على أهمية تطوير التعليم، وأهمية دور الإعلام المرئى، وشبكات التواصل الاجتماعى، فى تثقيف الجماهير العربية، وتحديث وعيها وتطويره، وخلخلة المفاهيم الموروثة وإعادة غربلتها، وتخليصها من نظرات متشنجة غير علمية، وتأويلات قاصرة ورجعية.
ركزتُ على دور الإعلام المرئى ووسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة لكونها، أكثر التصاقاً بالناس، فالشعوب العربية غير قارئة ولا مستهلكة جيدة للكتب والصحف، باتت برامج التوك شو، والدراما التليفزيونية، والأفلام السينمائية هي الأكثر جذباً للمتلقى العادى،المتلقي الذى نسعى للوصول إليه.
ينطلق هذا البحث من قاعدة الواقع، من لقطات ووقائع وأحداث وحوارات تحدث بالفعل فى وسائل الإعلام المختلفة، وتخص قضايا المرأة، وتتغيا الدراسة أهدافاً قريبة وبعيدة: يتمثل القريب فى الوقوف بالعدسات لاختبار هل استطاع الإعلام إعادة توجيه الوعي نحو حقوق المرأة العربية وطرح قضاياها؟بحيث يصبح أداة للتمكين للمرأة، ولصالح حقوقها،لا مرآة تعكس الواقع دون الإسهام بفاعلية فيه، أو مناوشة قضاياها،هل استمر يعتمد علي تنميط التناول، تشييء المرأة، وتسليعهافي إطار دعائي يعتمد علي الإغراء، أو علي الأقل الجذب،وأن تبدو المرأة مجرد ديكور، وكائنا زائدا عن الحاجة أو غير فاعل. وتتمثل الأهداف البعيدة فى رفع الأغطية والطبقات التى تكلست فوق مفاهيم تخص المرأة، جوهر الحقائق هو ما ننشده في التناول العقلى والموضوعى للمفاهيم.
انتقائيات ذكية،ولقطات معبرة، وتوجيه فكري عميق،الدور الذي يقع على عاتق المثقف والمفكر والإعلامى،لرسم منهج إعلامي فكري يعيد مساءلة قضايا المرأة الكبري وتعرية واقعها الحالي.
الإعلام والمرأة:
تعد قضايا المرأة من أهم القضايا المنوط بالإعلام الاهتمام بها، الإعلام الذى من شأنه أن يطوى أوضاعا جائرة يعانى منها نصف المجتمع، الإعلام الذى يستهدف رفع الغبن عن الأنثى، لتنطلق إنساناً كاملاً، يرتقى بها، ويأخذ بيدها لتعرف حقوقها وواجباتها، لتستطيع القضاء على كل أشكال التمييز والقهر ضد المرأة، والمرأة المعاقة.
التغيير هو ما ننشده، تغيير ثقافة المجتمع بكل طبقاته، وتطوير نظرته إلى المرأة وحقوقها، فلمكانة المرأة فى مجتمعاتنا العربية خصوصية شديدة الحساسية، فنتيجة ميراث من العادات والتقاليد المجتمعية،وإرث من التجهيل الذي يمتد إلي فترات ماقبل التحرر من الإستعمار، ولفهم محدود لتأويلات شديدة الانغلاق لديننا الحنيف، قولَبت المرأة فى كونها أنثى وأم، جسدا و حاضنة. تحدد وجودها فى المقام الأساسى تحت قيد هذه الأدوار التى تخدم مكتسبات ثقافة ذكورية، حكمت ولم تزل تحكم المجتمعات الشرقية حتى هذه اللحظة التى نعيشها والتى ستمتد آثارها لسنوات قادمة،، ما لم نعمل على غربلة موروثاتنا، وتطوير ثقافة المجتمعات العربية.
إن أى انطلاقة تضع المرأة فى إطار "الإنسان المطلق" الذى يمتص بداخلة العديد من الأدوار المكتملة وتجعله كائناً بشرياً بأدواره وإمكاناته، بحقوقه وواجباته كثيراً ما تصطدم بمعوقات مجتمعية متعددة، بل وتضع المرأة فى منطقة الوصاية والتحكم من الرجل، فمنذ سطوع نور الإسلام على الوجود والسؤال كان قائما "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ".
فبالإضافة إلى ثقافة المجتمع الذكورى التى رُسخت منذ أزمنة سحيقة، وتعمل كلها لصالح مكتسبات الرجل، كان للمرأة "الجدة والأم" دورها فى التكريس لهذه الثقافة، فى منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية عنكبوتية الأداء، المرأة هى من ترسخ لقهر المرأة الجديدة، وتحقق للرجل سياساته، هى من تنشئ الأجيال بمعايير مختلة، تتغول فيها على حقوق الأنثى، وتحافظ على تفوق الرجل، وتظل المكانة المتدنية من نصيب النساء، كفانا ممارسات جائرة لا تعرف للعدل طريقاً، صنعها الرجل ويتلذذ بتسخيرنا لتنفيذها. ومن الطبيعى أنه ليست من أول اهتمامات الرجل الأن أن يفقد مكتسبات صنعها، وتضمن سيادته على الآخرين.
نحن لا ننشد من الإعلام الخروج على الأديان، ولا الأعراف، ولا الخروج علي خصوصية تكوين المرأة النفسى والجسدى، لكننا نتطلع أن نخترق هذه التابوهات المجتمعية: الفكرية، والنفسية، التى تقيد وتحكم وجود المرأة، وقدر المساحة التى تعطى لها، لتصبح لها الأهلية الكاملة فى أن تصبح هذا العضو المجتمعى الفاعل، المتحرر الإمكانات، القادر على أن يضيف بكل ما أوتى من قدرات لتنمية مجتمعاتنا، التى لا نتمنى لها أن تظل كسيحة عرجاء، تمشى على قدم واحدة.
تحريتُ بعد كل عرض لأحد المفاهيم الخاصة بالمرأة، أن تناقش علي مستويين الأول: الإشارة إلي البعد الديني،محاولة الكشف عن جوهره، والنظر إلي فلسفة التطور التي يتضمنها الدين،ويقرها العقل،العقل الذي تحتفي به الأديان.
المستوي الثاني: اعتماد إنجازات العقل البشري وتفعيلها،مراعاة التطور والمرتكزات الفكرية المنطقية التي ينبغي أن تصبح منطلقنا لبحث المفاهيم،هذا التراكم المعرفي والعلمي الذي هو نتاج حضارات شتي، تكاملت لتبرزها حقوق ومواثيق دولية أقرها المجتمع الدولي،وأجمع عليها،فمن لايستفيد من المنجز الحضاري العالمي،وخلاصات الفكر البشري يحكم علي ذاته بالانغلاق والتخلف.
حق المرأة فى العمل والتعليم:
فى أحد البرامج الحوارية فى التليفزيون المصرى والذى يتضمن بجانب الضيوف عددا من الجمهور لتحري واقعية المناقشات والأسئلة،برنامج تقدمه الإعلامية "رولا خرسا" كان محوره قضايا المرأة، سألت المذيعة أحد الأباء الحضور، لو أن هناك فرصة عمل "وظيفة" جاءت للأسرة،و لديك ابنان، ولد وبنت خريجا جامعة لمن ستعطى الوظيفة؟.
أجاب الأب دون تريث: للذكر بالطبع، فهو الأحق بفرصة العمل. صمتت الإعلامية متعجبة، فلقد بدت الإجابة لدى الجميع بديهية، لتستمر حلقات التكريس لثقافة ذكورية،لا تكمن الخطورة فى كونها حالة فردية، الخطورة الحقيقية تتمثل فى المفاهيم المغلوطة والشائعة عند الجماهير والشعوب التى بدت مسلمات علي المستوى الجمعي.
بلا شك الأب يحب ابنته، وربما يخاف عليها أكثر من خوفه على ابنه، لكن موروثه وثقافته لا تمكنه من فهم أن كفاية الابنة اقتصاديا، واعتمادها على نفسها يضمن لها الاستقرار والسعادة، إن تزوجت أو لم تتزوج، وفى حالة زواجها، أو لا قدر الله طلاقها، لا عوز مادى يجبرها أن ترضخ أو تصمت تجاه أوضاع تهينها، الأب يتصور أن الشاب هو الرجل المسئول عن إقامة الحياة،وفتح بيت جديد، ومسئول عن أخته أيضاً فى حالة وفاة الوالد أو عجزه.
مفاهيم اجتماعية وأسرية لا بأس بها، لكنها لا تخضع للواجب الحتمى،أو الفرض، ومن ثم تظل فى نطاق العواطف، أى أنه فى حالة الاختلاف، أو فى حالة عدم وجود الفائض المادي لدى الشاب، تُترك البنت فى حالة عوز وحاجة إلى الآخرين،كما تظل مقدراتها جميعها تحت الوصاية،فالحرية تعتمد علي الاستقلال المادي.
من شأن الإعلام الجاد، بل والمنوط به أن يناقش هذه الأفكار مرارا دون ملل،المفاهيم القاصرة التي اكتسبت قداسة اجتماعية، ويفند للجمهور أبعادها، ويبين آثار وضع المرأة فى حالة احتياج إلى الآخرين اقتصادياً، وأن ذلك يسلبها حريتها وكرامتها ويجعلها تابعة باستمرار.
وإذا رجعنا بالأمر إلى أبعد من هذا، هناك كثير من الأسر وخاصة ذات الدخول المتوسطة توفر للولد فرص التعليم الأفضل، وتبذل من أجله الغالى والثمين، فى حين تعطى للبنت الفرص الأقل شأناً، بحجة أن نهاية البنت دائماً الزواج والبيت، وهذه الدعاوى التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، تهدد حق البنت فى تعليم جيد، كما تهدد طاقتها وإمكاناتها التى ربما لو توفرت لها نفس فرص التعليم، لكان الناتج منها أفضل من الذكور.
هنا أيضا يجب أن أشير إلي أن نسبة أمية النساء في الوطن العربي نحو(50%)من الكتلة الديمغرافية النسوية،وضمن نسبة تسرب من التعليم تبلغ (30%) لسكان الوطن العربي إجمالا.من الحتمي أن يراعي الإعلام والإعلاميون هذه الإحصائيات جيدا،ليدركوا حجم وثقل الدور الذي يقع علي عاتقهم تجاه هذا المتلقي البسيط،الذي لم يتوفر له حتي الحد الأدني من التعليم.
فى أحد البرامج الإعلامية التى كانت تناقش تمكيِّن المرأة من الوظائف القيادية والمشاركة البرلمانية والسياسية اللائقة بمكانتها، كان أغلب المناقشين من الرجال، وانطلقت أصواتهم فى توءدة، يدعون أن المرأة ليست قادرة على التواجد المستمر فى الشارع بين المواطنين،لعدم تمرسها علي معالجة الشأن العام،ولطبيعتها البيولوجية، ولخوفهم عليها من تجاوزات الآخرين، وغيرها من ادعاءات مثل: طبيعتها المرهفة العاطفية،وانفعالاتها المتسرعة.
وهنا يجب أن أنوه إلي السيطرة الذكورية علي الساحة الإعلامية (إعلاميين، وضيوف متحدثين)،هذه السيطرة التي ترسم للمرأة قضاياها،وطرق طرحها، وحلول معالجتها،يتم ذلك احيانا دون وجودها، ولو وجدت يكون تمثيلها ضعيفا كما وكيفا.
من غير جنسها،وفي محيط الرجل واستحواذه تناقش قضاياها.
ولقد اعتادت ثقافة المجتمع الذكورى أن تترك للنساء فتات الموائد من العمل السياسى والبرلمانى والحزبى، تترك لهن المهمش من الأدوار، ينال الرجل فى السياسة الدور الأكبر والبارز من المهمات،الدور الدعائى والاستعراضى التوجهات، ليحظى بالشو الإعلامى، وتنطلق حناجرهم بدعوى الرفق بالقوارير، فهم يشفقون علي النساء من الإرهاق، أو دعواهم أن النساء لسن مؤهلات لكثير من الأدوار، لانعدام الخبرة أوعدم تراكمها، أو أن المجتمع ذاته غير معد لاستساغة النساء فى المواقع القيادية – ولنا عبرة فيما حدث بشأن تعيين القاضيات النساء فى مجلس الدولة في مصر ــ وغيرها من الوظائف فى بعض التخصصات الأخرى، وكل هذه دعاوى من لا يريد أن يفقد مكتسباته التى يهبها له المجتمع بثقافته طواعية، فبعد أن يعتاد العقل الجمعي علي الكائن المستقر، يقاوم زحزحته بعنف،خاصة إذا وجد في الموروث الثقافي المنتسب للدين مقولات من قبيل: "لعن الله قوماولووا أمرهم لامرأة".
دون النظر فى إعادة تقييم كثير من معطيات تكوين المرأة الحديثة من الناحية العلمية والمهنية، وإمكانات عقلها فى عصر التكنولوجيا والتطور، وخبراتها التى تراكمت وتنوعت وصقلت، حتى باتت لا تقل عن مكونات شخصية الرجل،بل زادت عليه فى بعض الحالات الفردية والمجالات الوظيفية،يصعب توفر العقلانية في تقييم القضية، ويظل الحجب في مجتمعاتنا الشرقية لكثير من الوظائف القيادية،والاستبعاد من العمل في المجال السياسي والبرلماني تقليدا متبعا،قد يتنافى مع مواد القانون وحقوق المرأة التي لا تفعَّل علي أرض الواقع،علي الإعلام المدرك لدوره في التوعية المجتمعية،التأكيد علي أن استمرار الممارسة وخوض التجارب هى المحك الحقيقى للنساء وللمجتمع، المرأة لم تعد حلية تزين بها بعض المواقع فى المؤسسات، بدعوى التحديث،والخروج بمظهر إتاحة عدالة الفرص لكلا الجنسين أمام الرأي العام العالمي،ومنظمات حقوق الإنسان،التغيير يجب أن يأتي عن معتقد حقيقي، وقناعة من الداخل ، يجب أن يركز الإعلام على تمثيل يليق بدور المرأة وعددها، وطبيعة تأهيلها العلمى، وخبراتها التى إن لم تفق الرجل فهى لا تقل عنه.
حق المرأة فى الحرية والتعبير عن الرأي:
فى مشاهد تناقلتها برامج "التوك شو" على مواقع الاتصال الإليكترونى، تكرر مشهد التحرش بالفتيات والنساء المتظاهرات، بل وضربهن وسحلهن فى لقطات متعددة ،ويعد ذلك سعياً لإرهاب الناشطات الوطنيات بوصفهن نساء، ويتم ذلك بانتهاك الجسد كنوع من الترويع السياسى.
ويطلق شيوخ الفضائيات فى بعض القنوات الفضائية على الناشطات السياسيات أوصافا وألفاظا من قبيل: عرايا، داعرات، صليبيات، فاجرات، مثل ما ذكره الشيخ "أبو إسلام" ومن هم على شاكلته، كما قرر البعض فى مجلس الشورى: أن ملابس المرأة هى المسئولة عن إغراء المتحرشين، وهنا نتساءل كيف بإمكاننا عن طريق الإعلام المسئول أن يحول "صوت المرأة إلي ثورة لا عورة"؟.
تعانى المرأة فى المجتمعات العربية الآن أزمة تحوُل وثقة، فلقد اعتاد الرجل منها على الطاعة والتبعية، لكنها بعد الثورات تحولت إلى ثائرة، تطالب بحقها فى الاشتراك فى صنع مستقبل الوطن، حقها فى التصويت والاختيار، حقها فى التمثيل النيابى، حقها فى تمثيلها اللائق بمكانتها فى اللجان التأسيسية للدستور، حقها فى رفض العنف.
وللأزمة أبعاد متعددة فهناك مقولات تنسب إلى الموروث الديني من قبيل: "النساء ناقصات عقل ودين"،"خلقت المرأة من ضلع أعوج"، تلك الدعوات الجديدة علي المجتمع المصري بعد مراحل نهضته الحديثة مثل: "وقرن في بيوتكن"، وأن خروج النساء للعمل هو ما يفاقم من بطالة الرجال،ويشيع الفاحشة في المجتمع نتيجة الاختلاط،وكل من يردد هذه المقولات يعتمد على كتب الفقه القديمة، التى وضعت فى زمن يختلف عن هذا الزمان، والإسلام ذاته هو الذى أمرنا بالتعقل واحترام التطور الحضارى، فالقرآن المكى غير المدنى،تغيرت الأهداف فتغير المحتوي، ولقد احترمت الرسالة المحمدية التطور التاريخي واختلاف الظروف الجغرافية المجتمعية،كما راعى بعض الصحابة والفقهاء والأئمة التطور فكانت عصور الاجتهاد، وأوجدوا في الفقه أبواب"التحسين" و"التعزير"،لم يحترم بعض رجال الدين فى لحظتنا هذه التطور ومستجدات العصر، ولم يفهم بعضهم الإسلام وجوهره، وردد فصيل منهم فتاوى الفقهاء المتشددة، وأضافوها إلى أركان الدين، ومنحت قداسة ربما تفوق ــــ فى بعض القضايا الخاصة بالمرأة ــ قداسة السنة والقرآن الكريم، تتلخص نظرتهم للمرأة فى نظرة شهوانية خالصة، وهى أزمة ثقافة فى المقام الأول.
تعامل الثقافات الناضجة المرأة باعتبارها الشريك الفعلى للرجل، فهى ليست مجرد جسد جميل يشيأ ويسلع،كما أنه من الناحية الاقتصادية والعملية نحن فى حاجة إلى امرأة حرة عاملة تعبر عن رأيها، تدرك معنى التحرر الصحيح الإيجابى، ليستفيد المجتمع بأفكارها وإبداعاتها وقدراتها فى جميع المجالات.
تحولت المرأة كما يذكر المفكر "جمال حمدان" بعد ظهور النفط وهجرة المصريين، وتأثرهم ببعض المذاهب الإسلامية الصحراوية الوهابية، إلى موضوع يشغل بال الشيوخ،وازدادت شيوع الظاهرة بعد انتشار شيوخ الفضائيات، كل فتاواهم تتعلق بجسد المرأة والأساليب المثلى للاستمتاع به.
الخطورة تكمن فى أن هذا التشوه فى النظرة إلى المرأة طالت المرأة ذاتها، فأصبحت تحمل نفس الإحساس بالدونية، حتى بعض المثقفات منهن،فلقد انحدرت عقولهن، وتأثرن بهذا التقليص لدورهن في الحياة، وأدى هذا بـدوره إلـى ظهـور أجيـال مشوهـة علـى المستوييـن الفكـرى والنفسـى، مـن الرجـال ومـن النساء.
لكن الأمل يبقى دائماً فى ظهور جيل جديد يكافح ويقاوم من أجل إعادة الميزان إلى الوضع الصحيح،وهنا نعود للإعلام ودوره في بث الوعي.
المرأة تخوض فى الوقت الراهن معركة ضد كل من يريدون إعادتها للوراء، الذين لا يريدون الاعتراف بأنها مواطنة، لها جميع الحقوق التى منحها المجتمع للرجل، وعليها جميع الواجبات، ويظل كفاح المرأة السلمى متواصلا، فطوابير النساء الممتدة فى الانتخابات والاستفتاءات شاهداً، كفاحها لتعديل الدستور قائماً، الجمعيات واللجان والحركات التى تُشكَّل لصياغة صورة منصفة للمرأة فى الحياة لا تكف عن تصحيح المفاهيم.
تبدو حساسية قضايا المرأة وحقوقها السياسية، وحقها فى التعبير عن رأيها، حقها فى الحرية، حقها فى العمل، حقها فى المواطنة الكاملة،مشهرا كقضية إشكالية، ومقيدا لارتباطها دائماً بفهم خاطئ يعود لتكرار بعض الأراء الفقهية السلفية، ولذا على المؤسسات الدينية المعتدلة مثل الأزهر بهيئة كبار علمائه، تقديم رؤية مستمدة من جوهر عقيدة الإسلام، تتوافق مع العصر ولا تصطدم به.
كما أن علي الجامعات إمداد المجتمع بالكوادر البشرية القادرة على التفكير والنقد، واحترام كافة المواثيق الدولية التى تكفل حقوق الإنسان، والذى كان الإسلام سبَّاقاً فى طرحها فى جوهره النقى. فمن يحتقر النساء يحتقر الحياة، يحتقر الطبيعة بتنوعها وثرائها.
وهنا نطرح التساؤل الأهم ما دور الإعلام التقدمى؟ ومدى سعيه فى مكافحة ممارسة العنف ضد المرأة وحقوقها؟أتصور أن الطريق يبدأ بمواصلة الحوار، وفتح الملفات بدون خوف، لمواجهة القانونيين بالفراغ التشريعي أحيانا،والسلطة التنفيذية بضرورة تفعييل القوانين الموجودة بالفعل،وإقناع الجميع بها، دون مواءمات سياسية، وفي ظني إن لم يحدث هذا فى المستقبل القريب، فإن قوة الغضب الأنثوى كفيل بإعادة ترتيب الأوراق بصورة صحيحة، صورة تضمن للمرأة "الكرامة" و"الحرية"، وكافة حقوق المواطنة غير المنتقصة.
لقد انتشرت في الشهور الأخيرة ظاهرة البوح، وعدم التخفى، ومواجهة أفعال التحرش فى البرامج الإعلامية، وتلك إرادة تواجه بها الفتاة الجديدة جبروت السلطة القمعية والرجعية، التى تتعامل مع المرأة بوصفها عورة مكانها الأقفاص الذهبية لحريم السلطان الجائر، والثقافة المتخلفة.
وترتفع فى نفس ذات اللحظة أصوات محافظة، تحذر من بوح المرأة بهذا النوع من الجرائم، وتتحفظ على أن يوصف المجتمع بأنه فضائحي، لكن على الإعلام المستنير أن يوضح أن التحرش والقمع عن طريق إهانة الجسد ظاهرة، يجب أن تقاوم بفضحها، وليست سلوكاً ولا منهجاً، تنتهى الظاهرة حين تسن القوانين التي تجرمها بحزم،لكن ينبغي علي دولة سيادة القانون أن تفعَّلها، فيتم ردعها ومقاومتها،تظل طبيعة ثقافتنا سطحية كما النعام، ننظر للعرض ونخشاه، دون أن نبحث عن عمق المشكلات وضرورة مواجهتها،مستخدمين للمناهج التربوية وتفعيلها منذ الطفولة قبل استخدام التجريم القانوني.
يتبدى كشف الظواهر، دون إثارة رخيصة، هو الوسيلة الإعلامية الناجعة لردع أصوات تصف حق المرأة فى الحرية والتعبير عن آرائها بأنه فُجر ودعارة. ويتم ذلك بالفعل فى وسائل الإعلام المصرى مثل "هنا العاصمة" للميس الحديدى "فى الميدان" "لرانيا بدوى"، "بهدوء" لعمرو أديب،... وغيرها من برامج متعددة في الفضائيات العربية.
وهنا أود الإشارة إلى أن الإعلام الليبرالى المدنى المعارض فى المجتمع المصرى،في وطن يهيمن على السلطة فيه قوى متأسلمة، متمثلة فى جماعة الإخوان، والجماعات السلفية بتنوع خلفياتها، يتعرض لحرب ضروس مشتعلة، تحد من حرياته، ويتعرض أعلامه من الرجال والنساء إلى حملات تشويه مكثفة، بل وترفع ضدهم الدعاوى بتهم الإساءة إلى الرئيس والسلطة القائمة.
تعلو هذه الممارسات القمعية مع الإعلاميين وخاصة لو كانت الشخصية لامرأة على قدر من النجاح والحضور المؤثر.
ففى مناظرة بين الدكتور "عمرو حمزاوى" الليبرالى التوجه والثقافة،الدارس بالغرب، والدكتور "جمال حشمت" أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين يوم 3/3/2013م ضمن فقرات برنامج "جملة مفيدة" للإعلامية المميزة "منى الشاذلى"، تعرضت المذيعة لتلميح غير لائق من د. جمال حشمت، لمجرد أن الدكتور عمرو حمزاوى يحادثها باسمها دون ألقاب، فإذا بالضيف يقول أن هذا نوع من إزالة التكليف، ويفضى إلى نوع من المحاباة والانحياز لطرف د. حمزاوى.
تتضمن هذه الإشارة فى طياتها عدداً من التأويلات التى قد تشتمل على رؤية مبتسرة للإعلامية المحترفة،لكونها امرأة، وأن لها ميلا أيديولوجيا ما، ولو أن المحاور رجل وناداه د. حمزاوى باسمه، لم يكن هناك مجال لهذا التعليق.
كان رد فعل الإعلامية منضبطاً للغاية، رفضت التعليق المتسرع فى بادئ الأمر، إلى أن استجمعت بياناتها بمساعدة فريق إعدادها، وفندت له التعليق، ورفضت التلميح بطريقة قاطعة.
أرجو ملاحظة الخلفية الثقافية لكلا الضيفين، لكن أود الإشارة إلى المنظور الخاص بالمرأة عند الرجال ذوى الخلفية الثقافية التى تستند على المرجعية المتأسلمة فقط، لا لأن الإسلام يختصر المرأة فى هذه النظرة، لكن لمفهومهم عن المرأة ضمن ثقافة ضيقة الأفق، غير ناضجة،تعتمد علي التفسيرات والتناولات المأثورة للمرأة فى الإسلام، تلك التى تتكئ على المتحفى من الآراء والتأويلات.
ثقافة الخرافة والمرأة:
فى فيديو مصور على شبكات التواصل رأيت مشهداً عجيباً، امرأة شابة جميلة، تخلع ملابسها وتتعرى تماماً، ويبدأ رجل ذو هيئة مريبة يرسم على جسدها بعض الخطوط، بعض الآيات والتعويذات السحرية،ثم تنطلق الأبخرة، فيبدأ فى ممارسة الجنس معها، ينتهى هذا المشهد ليبدأ مشهد آخر تحكى المرأة فيه: أن تلك هى الوسيلة الوحيدة لإقناع عالم الجن بمساعدتها، كما أقنعها هذا الشيخ المشعوذ، لاسترجاع زوجها إليها بعد شعورها بنفوره منها، ورغبة أهله فى تزويجه من أخرى، تقول إنها جامعية، وتبدو من طريقة حديثها طبقتها الوسطى، كما تذكر أنه تقاضى منها مبالغ مالية لشراء العنبر والمستكة، وبعض المواد لاستحضار الجن وعمل التعاويذ.
هنا يتبادر للذهن تساؤل رئيسى هل على الإعلام التصدى لثقافة الخرافة وفضح تلك الممارسات التى تلعب على رغبة المرأة فى الاستقرار الأسرى فتقع فريسة للتحايل؟ وينتهك جسدها تحت وطأة اعتقادها فى الخرافة، أم علينا أن نصمت تجاه هذه الظواهر بحجة أن من يستره الله فلا ينبغى أن يفضح ذاته.
على الإعلام فضح المسكوت عنه ومواجهته، ومناقشة أركان عملية النصب هذه،لكن باحتراف ودون إثارة، وتوجيه رسالته للمرأة وللمجتمع، وتبيان الأسباب التربوية و العلمية والنفسية والاقتصادية التى تتسبب فى هذه الظواهر،دون إرجاعها إلى قوى خارجية، أذكر هنا الإعلامية "ريهام سعيد" ومجموعة من الحلقات التى عرضت فيها لهذه الظواهر الغريبة، ومحاولة مناقشة تلك الخرافات من خلال استضافتها لأساتذة علم النفس، وبعض المشايخ المستنيرين المعتدلين، وتحليل هذه الظواهر بطريقة عقلانية.
اتضح لى أثناء الحوارات المختلفة مع عدد من النساء مختلفى الثقافات ومستويات التعليم المتباينة أن هناك ثقلاً شديداً، ووطأة تأثير فادحة، لثقافة الخرافة والشعوذة فى عوالم بعض النساء،بل واستخدام الدين في هذا الهراء، وإرجاع كثير من مقدرات حياتهن إلى تلك الحلول الغيبية غير المنطقية، التى يتصورن أنها تقدم الحلول لمشاكلهن، أتصور أن على الإعلام مواجهة تلك الظواهر، ومناقشتها دون ملل.
المرأة وإعادة النظر فى الموروث المجتمعى:
كنت أعد دراسة نقدية عن أحدي الروايات الحديثة المعنونة باسم "تانجو وموال" للكاتبة "مى خالد" وفى الرواية شخصية فتاة اسمها "مُهجة"، قادمة من الصعيد، مجتمع محافظ فى جنوب مصر، يتيمة الأم والأب يرعاها أخوتها الذكور، تدرس بكلية الإعلام بالقاهرة، وتتعرف بأحد الرجال المتزوجين، فيسمعها معسول الكلمات، تجد لديه الحب والحنان الذى تفتقده، يعاشرها ويمارسان الحب، وتصبح بعد فترة حاملاً، ثم تضطر إلى إجراء عملية إجهاض، ثم إجراء عملية لإرجاع الوضع كما لو كانت فتاة عذراء، بعد فترة تتزوج من أحد شباب بلدتها، دون أن يعلم أى شئ عن معاناتها.
استدعى هذا بذاكرتى ثلاثة أفلام سينمائية شهيرة مأخوذة عن ثلاث روايات لثلاثة من أهم الكتاب المصريين في النصف الأول من القرن العشرين، فيلم: "دعاء الكروان" المأخوذ عن رواية "طه حسين" إخراج "بركات" وسيناريو وحوار "يوسف جوهر"، تاريخ العرض: 22/9/1959، بطولة "فاتن حمامة" و"زهرة العلا"،وفيلم "الحرام" المأخوذ عن قصة "يوسف إدريس" إخراج: "صلاح أبو سيف" وسيناريو وحوار: "سعد الدين وهبة" وبطولة: "فاتن حمامة" وتاريخ العرض: 3/3/195م،وفيلم: "البوسطجى" المأخوذ عن قصة: "يحيى حقى"، إخراج: "حسين كمال" سيناريو وحوار: "صبرى موسى"، وبطولة الممثلة: "زيزى مصطفى"، تاريخ العرض 15/4/1968، فى الثلاثة أفلام يحكم المجتمع وتقاليده على الفتاة أو السيدة المتزوجة التى تحيا هذه التجربة المترتبة عن حب، أو نوع من الاغتصاب بالموت، لأنها تجلب الفضيحة لأسرتها.
وتخيلت لو أن هناك إعلاماً إيجابياً لناقش هذه الظاهرة المتكررة في تجلياتها القديمة والحديثة فى المجتمعات الشرقية، لمَّ لا يربط الإعلام بين الممارسات المجتمعية القديمة تجاه الفتاة التى تفقد بكارتها، وتتغلب غريزتها أو حبها عليها فى لحظة ضعف، قبل زواجها، وكيف تعامل معها بقتلها والتخلص منها، مع ملاحظة أن تلك العادات المتوارثة نحو الفتاة التى تسلم نفسها بغير طريقة شرعية لم تزل تتم فى مناطق كثيرة من المجتمعات العربية.
كما من المفترض علي الإعلام أن يناقش هذا الخداع أو التزييف التى تلجأ له الفتيات اللائى يقعن فى هذا الموقف في اللحظة المعاصرة، كلا المواجهتين القديمة والحديثة يتطلبان إعادة النظر فى الحكم عليهما وتقييمهما، وعلى الإعلام ألا يتحرج من المناقشة، بداية من كشف الظواهر ومناقشاتها علميا، والرجوع بها إلى رحلة التنشئة الصحيحة للفتيات والأولاد، والتمسك بأصول الأديان وثوابت الأخلاق، ومحاولة التوعية، فالموت قديما وحديثا هلاك، وخديعة الآخرين وتزييف الواقع ليسا حلاً لتمرير القضايا والعبث بالأخلاق.
كما أن هذه المفاهيم تجعل المرأة دائماً كبش فداء لعملية لم تكن فيها طرفاً وحيداً، كيف للنقاشات الإعلامية العلمية أن تبين أنه هكذا خلق الإنسان، به نقاط قوته، وظواهر ضعفه، وخلق الله مع ضعف البشر قدرتهم على تقبل التوعية،ووهبهم رخصة التوبة، كما أن للعقل البشرى أن يحاول إيجاد حلول إذا وقعت هذه الظواهر، بعد أن يحاول مقاومتها منذ التنشئة الأولى فالتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية هو العلاج الفعال، والمشاركة والحوار الأسرى، وصداقة الآباء مع الأبناء، وخاصة البنات يجعلهن أكثر قوة، يصوبن مسار غرائزهن بمساعدة الأهل إلى أن تتم بالطرق الشرعية، عن طريق الزواج الذى ينظم هذه العلاقات، ويضمن حقوق المرأة فى حياة كريمة، لا تنتهي فيها حياتها ظلماً، ولا تمارس هى خديعة الآخرين.
فى نموذج درامى إيجابى مختلف أستطيع أن أذكَّر بفيلمين سينمائيين عالجا القهر الواقع على المرأة من القوانين مثل: "آسفة أرفض الطلاق" بطولة: ميرفت أمين وحسين فهمى، وإخراج: إنعام محمد على، وتأليف: نادية رشاد.
وأريد حلاً، قصة حسن شاه، وسيناريو وإخراج: سعيد مرزوق، وحوار: سعد الدين وهبة، بطولة: فاتن حمامة ورشدى أباظة، تاريخ العرض: 31/3/1975م.
يعلى العملان من شأن إرادة المرأة، قدرتها على الاختيار، والرفض للاستمرار مع الزوج في "أريد حلا"، أو الرفض للرضوخ للطلاق دون إرادة للمرأة في"أسفة أرفض الطلاق"،لا أن تظل مفعولاً به لا فاعلاً أو مشاركاً فى الفعل.
من حق المرأة الإرادة، ولها الحق فى الاختيار،في قوانيننا إن أراد الرجل أن يطلق زوجته فلا رادع له، وعلى المرأة قبول الأمر الواقع، حتى إن لم تكن تريد أن يقع هذا الانفصال، وإن أرادت هى الانفصال فعليها أن تعانى رحلة من العذاب ليتم هذا الطلاق. أو أن لها أن تلجأ إلى الخلع، وهو ما يفقدها كل حقوقها، وتضطر إلى إعادة كل ما وهبه الرجل إليها حتى وإن كانت غير مستطيعة من الجانب الاقتصادى.
علي الإعلام أن يسلط الضوء، ويكثف مناقشة المفاهيم الخاصة بالمرأة العربية المتعلقة بالتعليم، والصحة، والحرية، والتمكين السياسي لمن تستحقة عن جدارة لا هبة من أحد،ولا تحت نظام كوتة ما،عليه محاربة ثقافة الخرافة ،عليه الخروج بالمرأة من تنميط التصور المقترن بها في حيز الموضة، والديكور، والمكياج، وفنون الطهي،نحن نريد حقوق المواطنة الحقيقية،والتي نعرف أنها ستمر بمعارك وحوارات ومراحل سجالية ستستمر لفترات، خاصة مع سيطرة فصائل خاصة علي رأس السلطة في كثير من البلاد العربية في الوقت الحاضر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أريزونا تصوت على تعديل في دستور الولاية بشأن الإجهاض
.. -سنقاوم مهما كان الثمن-
.. الرجال أم النساء، من سيلعب الدور الأكبر في تحديد نتائج الانت
.. إعادة هيكلة العصرانية الديمقراطية... محور ندوة حوارية في الر
.. الناشطة ومنسقة المشروع جميلة حسون